صناعة الأنمي شديدة التفرّع، بينما ستحصل في الأفلام على منتج عادة ما يكون متماسك ومتساوي الجودة في مشاهده، من الصّعب القيام بهذا في الأنميّات التلفزيونيّة. السبب يعود إلى تفرّع فريق العمل وتشتته بين مخرجي الحلقات والرسّامين المختلفين. وبينما توجد العديد من الأدوار الّتي تحاول الحفاظ على هويّة واحدة للعمل مثل المخرج العام أو مشرف الرسوم العام، فالنتيجة قد لا تكون مضمونة. لهذا عندما سُئلت عن رأيي في أنمي ري زيرو كان من الصّعب عليّ الإجابة بشكلٍ واضح وأفضل كلمة وصلت إليها لوصفه هي كونه “متذبذب المستوى”. إذ تختلف جودة العمل من حلقة إلى حلقة ومن آرك إلى آرك بشكلٍ هائل وهو ما يزيد صعوبة الحصول على جوابٍ واحدٍ مُرضي يجمع آرائي كاملة عنه.
بالطّبع لا مانع من وصفه كعمل متوسّط المستوى (ويميل إلى كونه جيّداً) بنظري، لكن هذا الوصف لا يصنع التّفريق بين عمل متساوي الجودة في جميع جوانبه ومتوسّط فيها، وعمل آخر يمتلك جوانب ممتازة وجوانب فظيعة. ري زيرو هو من الصّنف الآخر لذلك أجد نقاشه مثيراً للاهتمام. من هذا المبدأ سيكون هذا المقال عن نظرتي الشخصيّة للعمل وسيتكوّن من هيكل أبسط من مقالاتي الأخرى مستلهم من العبارة المشهورة “The Good, the Bad and the Ugly”. لكن كالعادة يجب علينا التكلّم عن مفاهيم عامّة في البداية.
تجربة المُشاهد أم المحتوى
لاحظت في نقاشات ري زيرو أنّ معظم المتابعين يركّزون تماماً على عناصر الغموض والأحجيات المقدّمة في القصّة. هذا أمر مفهوم بحكم أنّ العمل يرمي معظم نقاطه على تعقيده وعناصر الإثارة المتولّدة من قلّة معرفة ما يحصل عند المتابع. لكنّ هذا عادة ما يتجاهل النقاط الّتي قد تجعل منه عملاً “جيّداً” أو “سيّئاً” أساساً وهي تجربة المتابع.
كتابة الغموض ليس شيئاً سهلاً بكل تأكيد لكن الخطوة الّتي ترفع العمل إلى مستوى جيّد هو كيف تراعي تجربة المتابع في كل حلقة وتجعله يستمتع ويقدّر ما يحصل بدل استخدام -على سبيل المثال- أدوات مماطلة قصصيّة للانتقال للعنصر التّالي في الغموض. الموضوع مشابه للفرق بين الـ “فكرة” والـ “التطبيق”. توجد العديد من الأفكار، بعضها المميّز وبعضها المكرر، لكن الحكم في جودة العمل بالنّسبة لي هو دائماً التّطبيق الّذي يصنع أفضل تجربة للمتابع وأكثرها تفرّداً. التّطبيق قد يتكوّن من عناصر بصرية مثل الأنيميشن والإخراج أو كتابيّة مثل الحوارات وتطوّر الشخصيّات أو كلاهما مثل بناء الأجواء (مع دور الموسيقى هنا) وما شابه. يمكنك الحصول على أعقد المفاهيم الفلسفية والغامضة من ويكيبيديا لكن طريقة تقديمها هو ما يجعلها جيّدة أو سيّئة كعمل فنّي وهي ما تجذب المتابعين.
لذلك نظرتي في هذا المقال لن تركّز على الإطلاق على الغموض ذاته وما يحصل في عالم ري زيرو والمعلومات النّاقصة والزائدة، هذا شيء لطالما ابتعدت عنه في مقالاتي لأنّي -كما شرحت سابقاً- لا أجده مثيراً للاهتمام على الإطلاق ولا اعتبره حكماً على جودة العمل إلّا عندما يقوم ببناء نقطة معيّنة متعلّقة بمواضيعه (حينها يتحوّل النّص إلى معنى). سأبدأ التكلّم عن النقاط الإيجابيّة وأنتقل تدريجيّاً إلى السيّئة.
حيلة ري زيرو وقضيّة الإيسيكاي
يُعتبر ري زيرو أحد أشهر الأعمال في السّنوات الأخيرة، لكنّه كذلك أنمي إيسيكاي يتكلّم عن شخص ينتقل إلى عالم آخر. تصنيف الإيسيكاي هو أحد أشهر التصنيفات في السّنوات الأخيرة وقد تكلّم هادي مُسبقاً بالتّفصيل عن تفكيك تصنيف الإيسيكاي لذلك لن أُطيل في شرحه. ما أحاول الوصول إليه هو أنّ صعود ري زيرو في الشعبيّة ضمن تصنيف شديد التشتّت مثل هذا هو شيء يدل على تميّز معيّن في تقديمه عن غيره. أرى شخصيّاً أنّ هذا متعلّق في الحيلة المُستخدمة هنا الّتي تفصله عن غيره.
الحيلة الّتي تجعل ري زيرو عمل منفصل عن غيره هي فكرة العودة من الموت، فكرة مستلهمة من نظام الألعاب بشكلٍ واضح وهي تُضفي على العمل إحساس إثارة إن أحسن الكاتب استخدامها. في ري زيرو تمتلك هذا القدرة جانبين، أحدهما تم استخدامه بشكلٍ جيّد يُضيف على تجربة المتابع والآخر كان من أضعف جوانب العمل. لنتكلّم عن الجانب الجيّد.
قُدرة سوبارو كشخصيّة رئيسيّة على العودة من الموت ونظرنا للعالم من منظوره تُعطي مساحة هائلة للكاتب لبناء دراما الشخصيّات والإثارة بسهولة كبيرة. الفرق هُنا هو قدرته على قتل/تشويه/تدمير نفسية الشخصيّات بدون وجود عواقب حقيقة قد تقف في طريق تقدّم العمل. منذ الحلقة الأولى نمر على مشاهد موت لمعظم الشخصيّات بما فيهم البطل. لذلك يستطيع العمل اكتساب المُتابع بسهولة منذ حلقاته الأولى عندما يُلاحظ عزم الكاتب على الاستفادة من فكرة العمل الرئيسيّة بأقصى أشكالها.
لكنّ عدم وجود حدود على الكاتب يخلق حدّاً من جانب المُتابع. قتل معظم الشخصيّات مرّاتٍ عديدة بأبشع الطرق يبني مناعة لدى المتابع ويُقلل اهتمامه بالشخصيّات بسرعة كبيرة. من حُسن الحظ أن الكاتب كان واعي نسبيّاً لهذا واستفاد من إضافة مشاهد قتل أكثر فظاعة تدريجيّاً في الموسم الأوّل (إبادة جماعيّة لسكّان قرية) مع إضافة بعض العواقب الّتي لا يمكن التّراجع عنها مع بداية الموسم الثّاني (في حالة شخصيّة ريم). هذا العنصر يبقى سلاح ذو حدّين ويوجد العديد من المشاهد الّتي تُعاني من تقديم موت بعض الشخصيّات بدراميّة شديدة لكنّها لا تصل لي كمتابع لأنّي واثق تماماً من إمكانيّة عودة سوبارو لإنقاذ الموقف. لذلك (في الأنمي على الأقل) كان استخدام حيلة العمل جيّداً مع بعض التحفّظات.
عالم ري زيرو وإظهار الجانب الفانتازي بطريقة حيّة
فخ العالم الفانتازي هو عنصر لطالما أبعدني عن أعمال الإيسيكاي. يوجد هَوَس هائل من الكتّاب على بناء عالم سحري مع أقصى درجات الخيال والأماكن المرموقة والشخصيّات المحاربة مع الدروع الثقيلة الّتي تقاتل الوحوش .. ألخ. عالم ري زيرو مختلف تماماً، إذ يستعرض جوانب تجعله أكثر حيوية وحياة من معظم ما شاهدته من الجنرا نفسها وهذا يظهر -بشكلٍ غريبٍ- بجوانب أقل خياليّة وأقرب لعالمنا الحي. عند انتقال سوبارو في الحلقة الأولى يظهر فجأة في سوق تقليدي مع العديد من المخلوقات المختلفة المشابهة للبشر. الأرضيّة حجريّة قد تشاهدها في أماكن تاريخيّة في عالمنا والشارع مملوء بالعربات القديمة الّتي يحرّكها تنانين بدلاً من الأحصنة وترى العديد من المشاهد من الأزقّة المريبة المملوءة بالنشّالين وما شابه. ما تلاحظه هو إدخال عناصر الفانتازي بشكل لا يُحاول الصُراخ على المتابع ليُخبره أنّ العالم فانتازي بل يتركها كعناصر بسيطة ممزوجة بالعالم نفسه.
المخرج يؤكّد على هذا الجانب بإعطاءك العديد من الزوايا البعيدة لأماكن معيّنة لايصال إحساس مكان وحجم لها مع إبقاءها أقل غرابة وأكثر طبيعيّة من أعمال الفانتازي الأخرى. على سبيل المثال لقطة قصر إيميليا والقرية المجاورة تُظهر الحجم النّسبي لهما وستلاحظ أنّها متجاوران بسبب أن كلاهما مُحاط بالغابة و أنّ سوبارو يستطيع النّزول للقرية في دقائق معدودة (يتم تجاوزها ضمن الحلقة) بينما ستلاحظ أن القصر والقرية منعزلان نسبيّاً عن العالم حولهما بسبب السّفر لعدّة أيام باستخدام العربات للخروج منها (الّذي يحصل في الحلقة 15 عند العودة إلى القصر على سبيل المثال). كذلك ستلاحظ جسر يعتبر منفذ القرية إلى خارجها:
بالرغم من مشاهدتي للعمل منذ 4 سنوات (وإعادة بضعة حلقات فقط) لازلت أتذكّر هذه التفاصيل. يوجد مجال كبير للتحسّن خصوصاً في الجماليّة البصرية لكن بالرغم من هذا يمكنني اعتبار الـ Set design أو الديكور المسرحي في الجزء الأوّل من ري زيرو قوي.
هذا لا يتوقّف على التصميم المسرحي وشعور المكان فيه بل كذلك محاولة إظهار عناصر حيّة من المجتمع ونظام الحكم فيه. لدّي العديد من المشاكل مع حلقات الانتخابات (والّتي سأتكلّم عنها بعد قليل) لكنّها تستعرض بدون شك اسلوب الحكم الملكي في العالم وقلّة الاعتماد على السّحر في التعامل بين سكّانه.
مواضيع ري زيرو والتّعليق على مشاكل الأوتاكو
قد يكون هذا الجّانب الأكثر مركزيّة وأهميّة في كتابة العمل وهي نقطة أختلف فيها مع معظم كارهيه. يستلهم ري زيرو العديد من جوانبه الخياليّة من ثقافة الأوتاكو، فتلاحظ عناصراً مثل ملابس الخادمات وشخصيّات اللوليز وال Traps مع تعليقات ومزاح كثيف من سوبارو على هذا الجّانب من العالم. بعض المتابعين لديهم حساسية شديدة من هذا الجّانب من العمل إذ يقدّم ري زيرو نفسه على شكل قصة جادّة عن شخص يواجه صعاب كثيرة لإنقاذ من حوله. فلماذا يستخدم هذه الجّوانب؟
في البداية مصدر الإلهام في كتابة الخيال ليس مرتبط بتصوّر وحيد عنها. التصوّر المنتشر عن أعمال الفانتازي السوداويّة هي عناصر الـ Dark fantasy الّتي قد تجدها في أعمال مثل Berserk. لكنّ هذا مجرّد طريقة وحيدة للنّظر للفانتازي وهي قابلة لتتوسّع لمصادر أخرى لا تُلزم نفسها باتّباع هذا الّجانب. بالذّات يستخدم ري زيرو عناصر الأوتاكو في عالمه ليعلّق على مشاكل مجتمعيّة عند العديد من الشباب المنعزل في اليابان (الكثير منهم ينضم إلى فئة الأوتاكو أو الـ NEET). كل هذا يتجلّى في شخصية سوبارو.
عند انتقال سوبارو إلى العالم الآخر في الحلقة الأولى لا نحصل على أي معلومات عن حياته أو ماضيه في عالمه الأوّل سوى بعض التلميحات البسيطة مثل شراءه للطعام من البقالة في منتصف الليل وملابسه. تبقى هذه نقطة مبهمة في العمل ولا يتكلّم سوبارو عن ماضيه بتاتاً بل هو لا يكترث له حتّى. لكن عندما نصل إلى الحلقة الـ 18 في الجدال الّذي يحصل بين سوبارو وريم واستسلام سوبارو من محاولة إيجاد حل للمشكلة الّتي يقع بها. الحوار هنا يتحوّل إلى انعاكس شخصي لمشاكل ونزاعات سوبارو الداخليّة، إذ يذكر أنّ قبل مَجيئه إلى هذا العالم الخيالي لم يفعل شيئاً على الإطلاق وأمضى أيّامه بإضاعة الوقت بدون توقّف لذلك فهو يكره نفسه.
الموسم الثّاني يستعرض هذا الجّانب مع تفاصيلٍ أكثر بشكلٍ لا يختلف عن حوار سوبارو في هذه الحلقة لكنّه يُضيف الضغط الّذي وقع عليه من أهله وانعاكس هذا على حالته النّفسيّة وهو ما شجّعه على أخذ طريق الانعزال من كل واجباته واقترابه من هوسه في المانغا والأنمي والألعاب كوسائل إضاعة وقت وتهرّب من المجتمع. هذا ما ينعكس في ثقافة الأوتاكو ذاتها وينتقدها العمل في هذه الحلقة بالذّات مع محاولة تطوير سوبارو (سواء كان هذا التّطوير ناجحاً أم لا).
لذلك صناعة العالم حول الصّراع الأساسي الّذي يعلّق عليه العمل هو شيء إيجابي بالنّسبة لي. هذا لا يعني أنّ العمل يشجّع عليها بل هو يتّخذها كـ هيكل وثيم ليجتذب هذه الفئة للمشاهدة. قد يكون استعراض ري زيرو أكثر انهزاميّة مما يجب عليه لكنّه واعٍ بنفسه ويعلّق على مواضيعه بشكلٍ مباشر بدلاً من استخدام كأداة تسويق بحتة. فعالم ري زيرو متناسب تماماً مع مواضيعه.
إنتاجيّة ري زيرو ومشاكل الثّبات
هذه أحد النّقاط الّتي لا يمكنني الحكم عليها بشكلٍ كاملٍ وستختلف الإجابة حسب الحلقة. تمّ إنتاج ري زيرو من استديو White Fox مع المخرج Masaharu Watanabe. أعمال المخرج السّابقة قليلة ومتباعدة فيمكنك اعتبار ري زيرو أوّل عمل جاد وضخم يعمل عليه وهذا قد يُظهر سبب مشاكل التماسك في العمل.
في البداية يمكنني القول أن الموسم الأوّل يمتلك حلقاتٍ ممتازة فعلاً مثل الحلقة 15 الّتي قمت بتحليلها بشكلٍ مفصّل في مقطع الفيديو هذا:
وهذا يُظهر إعجابي ببعض جوانب إنتاج العمل. كذلك مع أنّ التصاميم لا تناسب ذوقي لكنّ من الصعب إنكار أنّها أحد الأسباب الرئيسيّة في شهرة العمل عالميّاً وانتشاره السّهل بين متابعي الأنمي. تصميم شخصيّات الأنمي يعود للمصمّمة Kyuta Sakai الّتي تختص بهذا النّوع من التصاميم اللطيفة وقامت بالعمل على شخصيّات شتاينز غيت كذلك. استطاعت المصممة نقل التصاميم من غلاف اللايت نوفلز إلى الأنمي مع تضحيات قليلة لجعلها قابلة للتحريك.
لكن على جانب آخر، العمل يعاني بشكلٍ شديد في حلقاتٍ أخرى. استخدام سي جي كبير لمشاهد تتضمّن حشود أو عربات لكنّها تقتل مظهر اللقطة بسهولة شديدة (مثل الصور المذكورة في الأعلى خلال حركتها). لكنّ المشكلة الأضخم بالنّسبة لي هي أنّ الإخراج في معظم الحلقات يتحوّل إلى shot/reverse shot (لقطات متعاكسة) لشخصيّات تتكلّم كامل المشهد بدون أيّة إضافات قد تجعل اللقطة مثيرة للاهتمام فيتحول العمل إلى سباق قراءة لك كمتابع. أكثر حلقة ارتكبت هذه المشكلة بدون شك هي الحلقة 18 والّتي كانت عبارة عن 100% مشاهد متبادلة بين سوبارو وريم واقفان في مكانٍ واحدٍ يتجادلان ل 25 دقيقة. تكلّمت بشكلٍ مفصّل عن مشاكل اقتباسات اللايت نوفلز هُنا وأرى أنّ ري زيرو يقع في الكثير من هذه المشاكل.
ما يُضيف على معاناة المتابع هنا هي بعض تعابير البطل في لقطات المعاناة. بالرّغم من مدحي للتصاميم لكنّ نقل تعابيرها في بعض اللقطات لم يكن موفّقاً على الإطلاق وأخرج شكل الشخصيّة عن هيئتها الطبيعيّة:
للتوضيح فالمشكلة هنا ليست في المبالغة في التعابير بل أنّ الشخصيّة تصبح (Off-modelOff-model خارج الشكل – Off-Model تُشير إلى إطار ثابت يُخطئ في نقل ملامح الشخصيّة فتظهر خارج شكلها المعتاد بطريقة غير مقصودة. ) في محاولة المبالغة مع تغيّر غير متناسب بين كل حلقة والأخرى. يوجد بعض اللقطات الموفقة كذلك.
ري زيرو وفخ أعمال الغموض
أظن أنّ أحد أكبر المشاكل الّتي أعانيها مع أنميات الغموض بالمجمل هو سهولة إيقاع المتابعين الجدد في فخها مع تقديم تجربة غير مرضية لهم. تميل معظم أنميّات الغموض للّعب على نقطة معيّنة كمحور أساسي يحرّك الغموض باتّجاه معيّن وتستخدم هذه النّقطة لتتفرّع منها إلى عدّة نقاط أخرى تخص العالم وكيف يعمل. على سبيل المثال ري زيرو يعتمد على فكرة ساحرة الحسد الّتي تعطي سوبارو قوّة العودة إلى الماضي ومنها تتفرّع إلى نقاط أخرى مثل وجود ساحرات أخرى وطوائف حولها وما شابه. هجوم العمالقة يعتمد على فكرة القبو الذّي يكشف سر تحوّل ايرين إلى عملاق ومنها يتفرّع إلى أسرار أخرى حول طبيعة العالم.
هذا الأسلوب بذات نفسه ليس مشكلة لكن العديد من الكتّاب (خصوصاً كتّاب اللايت نوفلز) يستخدمون هذه النّقطة لإطالة العمل بشكلٍ لا يُصدّق والاستمرار في تقديم عناصر جديدة لا تُفيد مواضيع العمل أو تجربة المتابع لإطالته. تتحوّل تجربة متابعة العمل من استمتاع باللحظة خلال المتابعة إلى الاستمرار في إعطاء المتابع وعوداً وتلميحاتٍ لما سيحدث فيما بعد بينما تستمر الشخصيّات بالتكلّم عمّا يحدث من دون نهاية. قد تكون هذه الوعود كافية لإبقاء اهتمامك ولا تقتل الكشف الأخير لديك لكنّي شخصيّاً أبحث عن شيء أكثر وأفضل من الأعمال الّتي أتابعها واهتمامي باللغز مرتبط باستمتاعي باللحظة ذاتها.
ري زيرو مليء بهذه المشاكل حتّى التّخمة، إذ لا يتوقّف العمل عن إعطاءك نقاط لن تهتم بها على الإطلاق في متابعتك كوعود ثم ينتقل لشيء آخر تماماً تاركاً طرف الخيط الأوّل خلفه. من الواضح أنّ الكاتب يخطط لصناعة عمل يتجاوز مئات الحلقات (وعشرات الكتب من اللايت نوفلز) لكنّه لم يعوّض أبداً في بناء اللحظة ذاتها بنظري (سوى في بضعة حلقات مذكورة سابقاً). على سبيل المثال توجد عدّة حلقات في منتصف الجزء الأوّل من العمل تتحدّث عن انتخابات في العالم وتقدّم شخصيّة فيلت كعامل أساسي فيها. ثمّ يقرر العمل رمي كل هذه المعلومات إلى الجانب وتغيير الآرك كاملاً. انتهى الموسم الثّاني من العمل ولا زلنا لم نحصل على أي فائدة من هذا التّقديم. بالطّبع ليس لدي شك أنّ الكاتب سيعود لها فيما بعد. لكنّ هذه الحلقات كانت بشدّة الملل وأضاعت وقتي بدون أي فائدة واضحة أو تقدّم معيّن.
الاختلاف بين هذا الاسلوب والـ Foreshadowing الطبيعي هو كون هذه المشاهد ممتعة وذات اتّصال وثيق بمواضيع العمل. توجد العديد من الأمثلة الأخرى الّتي يستخدمها كاتب ري زيرو كعنصر متروك لما بعد بينما لا يبرره للمتابع الّذي استغرق عدّة دقائق/ساعات في متابعته. عامل الوقت مهم كثيراً. لذلك أعتبر أنّ العمل يعاني كثيراً عند متابعته لحظيّاً والتّفكير بما يحدث خصوصاً في جزئيّاتٍ يحاول العمل ربطها بعناصر الغموض الخاصّة بينما كمتابع لن تكترث بها على الإطلاق.
شرح، شرح والمزيد من الشّرح
كتابة الحوارات هو عنصر شائك، فمن ناحية تريد من عملك أن يبدو أكثر طبيعيّة ويتشابه مع حواراتنا ليرتبط معنا كبشر، لكن من ناحية أخرى تريد إيصال مشاعر وأفكار شخصيّات إلى فئة قد يصعب عليهم فهم الإيماءات بدون خبرة في الحياة (أطفال ومراهقون، متوحّدون، منغلقون اجتماعيّاً .. الخ). لهذا الكثير من الحوارات تقع في مجال بين هذين الجّانبين، إن أرادت أن تكون أكثر بلوغ فيحاول الكاتب تقليل الشرح والإكثار من إظهار الصّفات (قد يكون هذا بصريّاً أو عن طريق أفعال الشخصيّة) وإن أرادت أن تكون أكثر وضوحاً وتقترب من جمهور يافع أكثر فتحاول إكثار الشرح، مناقشة مشاعر الشخصيّات وإخبار المتابع ماذا يحصل.
كلا الجّانبين هو أسلوب لا مشكلة لديّ معه، لكنّ التوجّه لأحد الجّوانب بشكلٍ متطرّف سيوقع عملك في مشكلة. إن قللت من الشرح بدون هدف فنّي ستحوّل العمل إلى شيء مصطنع غير مفهوم، كذلك إذا بالغت بالشّرح والتكرار ومناقشة المشاعر ستجعل الحوارات اصطناعية وتؤثر بشكل سلبي جدّاً على تجربة المتابع. ري زيرو يعاني من المشكلة الثّانية، إذ تجد الكثير من المشاهد الّتي تشرح وتشرح وتشرح بدون الوصول إلى هدف أو نقطة جديدة.
على سبيل المثال الحلقة 18 هي حلقة تدور كاملاً حول مشاعر الشخصيّات وما يعانونه بدون التكلّم ولو للحظة عن ما يحدث فعلاً في العمل وسبب المعاناة. هذا بذات نفسه ليس بمشكلة إذ أنّ الهدف هنا تطوير سوبارو وإظهار بعض جوانبه المخفية. ليست أفضل طريقة للقيام بهذا لكنّي لم أمانعها وكانت الحلقة جيّدة بالمجمل. ثمّ ننتقل للموسم الثّاني الحلقة الرّابعة لنتكلّم مرّة أخرى عن ماضي سوبارو، هذه المرّة بطريقة أكثر تفصيلاً، نلتقي بوالديه ونفهم سبب مشاكله وهو ضغط توقّعات والده عليه وعدم تعاملهم معه بحزمٍ كافٍ فيصل سوبارو إلى هذا الاستنتاج مع والده ويبكي (باختصار! الاسباب اكثر تعقيداً بالتّأكيد). هذه تعتبر النّقطة ذاتها المذكورة في الحلقة 18 من الموسم الأوّل لكنّها بتفاصيلٍ أكثر، إن كنت مراعياً لما قاله سوبارو في تلك الحلقة لن تتغيّر نظرتك له على الإطلاق. لكن بعد كلّ هذا نحصل أيضاً على مشهد مع الأم وهو يكرر الحل الّذي وصل له سوبارو مع والده سابقاً، لا يساهم هذا المشهد حتّى بتوسيع شخصيّة الأم ولا تزال شخصيّة غريبة الأطوار مع حوارات ميلودرامية. ثمّ ننتقل لنهاية الموسم لنشاهد صراع سوبارو مع قدراته ومعاناة من حوله أمام الساحرات، الأمر نفسه الّذي عانى منه في بداية حواره مع ريم في بداية الحلقة 18.
هل تلاحظ المشكلة؟ عندما تقوم ببناء عقد لشخصية وتشرحها بشكلٍ مفصّل في حوارات حلقة كاملة ثم تعود إليها وتكررها مع كل مشكلة ستقتل اهتمام المتابع من الشرح المتكرر الدائم لما يعاني منه البطل. بناء هذه المعاناة بطريقة غير مباشرة وتركها تتراكم عليه هو الشيء المناسب بنظري مع تقليل التكرار الدائم والاتّجاه إلى شخصيّاتٍ أخرى. إيميليا، رام، ايكيدينا، الخ .. لاتزال هناك العديد من الشخصيّات الّتي لا نعلم شيئاً عن عقدتها والعمل يستمر في شرح وتكرار الشخصيّة الرئيسيّة ذاتها مع الظروف نفسها. أشعر بوجود خوف وتردد هائل من الكاتب في المُضي في القصّة بسرعة أكبر كي لا تنفذ أفكاره وينتهي من العمل في وقتٍ قصير وهي عادة ستجدها عند الكثير من كتّاب اللايت نوفلز للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المجلّدات.
الأمر ينطبق كذلك على كشف الغموض. تستمر حلقات العمل كما ذكرت سابقاً باستعراض الشخصيّات على أنّها تقف لتؤدّي حوارات بشكلٍ مطوّل وغير ممتع على الإطلاق. توجد العديد من الخيارات الأكثر ذكاء في التعامل مع هذه العقد وإظهار صعوبة العودة في الزمن دون تكرار ما يحدث. أثر موت سوبارو أصبح مفقوداً علينا (سوى في بعض المشاهد عندما يموت بطرق فظيعة) فاستعراض معاناته هنا بشكلٍ متكرر لن يؤثّر علينا أو يضيف شيئاً على الإطلاق.
كذلك أود ذكر نقطة أخرى متعلّقة بالتكرار والإطالة كنقطة واسعة وهي نهاية الموسم الأوّل. بعد قتل الحوت الأبيض يتّجه سوبارو للقضاء على بيتولوغيوس. يقوم سوبارو بتحقيق هدفه تقريباً ثمّ يكتشف وجود قدرة بيتولوغيوس في تملّك الآخرين فيقتل نفسه ليعود. ثم نمر في حلقتين للقيام بالشّيء ذاته حرفيّا مع تغيير وحيد للقضاء عليه بشكلٍ كامل. هذا هو الجّانب السّيء الّذي ذكرته في بداية المقال من استخدام الكاتب لحيلة العمل. بالطّبع فكرة العمل هي “الإعادة” لكن الإعادة يجب أن تُستخدم بهدف استعراض جانب آخر للموقف أو الشخصيّات وإلّا فهي إضاعة لوقت المُتابع. توجد العديد من الطّرق الأكثر ذكاءً في التّعامل مع هذه المشاهد بنظري والعمل لا يستغلّها للأسف (مثل مونتاج مسرّع لما حصل).
الجزء الثّاني من ري زيرو، ماذا حدث؟
قد تلاحظ أنّي تجنّبت التكلّم عن الجزء الثّاني في بعض الفقرات (خصوصاً الإيجابيّة). السبب هو أنّه -بنظري- الجّزء الثّاني من العمل يقوم بأخذ معظم الجوانب غير الجيّدة الّتي ذكرتها سابقاً ومضاعفتها مع التخلّي عن معظم الجوانب الإيجابيّة.
فالنبدأ مع الإنتاج، الموسم الثّاني شبه فارغ من اللقطات الحركيّة على الإطلاق، يوجد الكثير من الثّبات في المشاهد واستخدام فلاتر قبيحة (مثل الفلتر الأبيض المستخدم في ماضي سوبارو). ماذا حدث؟ بينما الفريق الاساسي لا يزال يعمل على الأنمي فاستديو White fox شَهِد ترك العديد من الأنيميتورز/المخرجين للاستديو في محاولته ليكون مستقلّاً. هذا ما أثّر بشكلٍ واضح على ثبات الجودة وقلل اللقطات الحركية بشكلٍ شديد مقارنةً مع الموسم الأوّل مع أن الموسم الثّاني مكوّن من 13 حلقة فقط.
فيما يخصّ البيئة، هل تتذكّر تلك اللقطات البعيدة الّتي تستعرض أماكن تعتبر حيّة نسبيّاً ومثيرة للاهتمام؟ حسناً الموسم الثّاني كاملاً يدور في قرية شبه مهجورة مع الانتقال بينها وبين القصر، لا يوجد أي عنصر يميّز هذا المكان ومعظم أحداث العمل تدور “بين الأشجار”. بالطّبع يوجد سبب قصصي لهذا لكن من الواضح معاناة الفريق على هذا الجّانب كذلك مع فقدان كامل الاحساس بحجم المكان وما شابه.
بالنّسبة لمواضيع العمل، الموسم الثّاني يمتلك حلقة واضحة تخص سوبارو بالذّات وماضيه. مشكلة هذه الحلقة أنّها تخرج من العدم، إذ تدور الأحداث في بداية الموسم حول مهمّة إيميليا لتجاوز المحنة واعتماد أهل القرية عليها، حتّى أنّ سوبارو نفسه يُظهر رغبته في جعل إيميليا تعتمد على نفسها. لكن تتحول المحنة إلى سوبارو لتحريك القصّة. فيما يخص أحداث حلقة ماضي سوبارو نفسها فالنّصف الأول كان موفّقاً أمّا الثّاني عانى كما ذكرت سابقاً.
توجد بعض الجّوانب الجّيدة في الجّزء الثّاني مثل تقديم السّاحرات وبقاء تصميم الشخصيّات على جودتها. لكنّه للأسف كان خيبة أمل كبيرة بالنّسبة لي إذ رمى العمل كل نقاطه على الغموض وترك ما جعل الموسم الأول تجربة موفّقة بالنّسبة لي.
في الخاتمة، لا شك أنّه من الممكن أن تحصل على تجربة أفضل من تجربتي مع ري زيرو إن كنت مهتمّاً لعناصر الغموض والإثارة الخاصّة به. لكن بالنّسبة لي، أحب الحصول على تجربة متابعة أفضل عن طريق جعل كل عناصر العمل مثيرة للاهتمام. هذا ما جعل الموسم الأوّل من العمل متوسّط المستوى بالنّسبة لي والثّاني مخيّب للأمل.
هل تّتفق مع أحد النقّاط المذكورة؟ أعطينا رأيك في التعليّقات. شكراً لقراءتك ومع السّلامة.