يُعتبر سوق المشاهدة المباشرة أحد الأسواق الجديدة الذي تسعى كثير من الشركات لدخولها، فهذه السوق تجلب الكثير من الأرباح لصناع المحتوى و للشركات المقدمة لتلك الخدمات، كما أنه يتم من خلالها الدخول إلى أسواق نائية يصعب الوصول إليها بالطرق التقليدية، كما يتواجد فيها العديد من الشركات المتنوعة، منها ماهو محدود المنطقة مثل قوقل في أمريكا، و منها ماهو مفتوح بشكل أوسع مثل نيتفليكس و آيتونز. لكن تلك الخدمات تبقى في دائرة محدودة من المحتوى و لم تنفتح لما هو مهم لنا.. الأنمي.
ماهي خدمات مشاهدة الأنمي؟ و ما فائدتها للمشاهد العربي؟
قبل 3 سنوات لم يكن هذا الكلام يعنينا شيئًا، كانت جل مشاهدتنا للأنمي تتم بطرق غير قانونية لأنها الطريقة الوحيدة للمشاهدة، لم تكن هنالك أي وسيلة للمشاهدة بشكل قانوني و لم تكن هنالك شركات مهتمة بالدخول للمنطقة العربية. في ذلك الوقت كانت هنالك بضع شركات تقوم ببث الأنمي خارج اليابان عبر شبكاتها مثل Hulu و Daisuki و Netflix، لكن أبرز تلك شركات هما Crunchyroll و Funimation، كانتا أقوى شركتين في هذا المجال، و كان محتوى الأنمي مقسومًا بينهما.
مع بداية عام 2015 كانت نقطة التحول بالنسبة للمشاهد العربي تمثلت في دخول خدمة كرانشي رول للمنطقة العربية و إعلانها تقديم الأنمي بشكل قانوني للمرة الأولى، تلى ذلك دخول خدمة نيتفليكس للمنطقة العربية و للعالم أجمع مع بداية 2016، و لا تزال هاتان الخدمتان هما الوحيدتان اللتان تقدمان الأنمي بشكل متجدد و بطريقة قانونية في المنطقة.
في منتصف عام 2016 أعلنت كل من كرانشي رول و فونيميشن عن تعاون مشترك في تقديم المحتوى، و في نفس العام كذلك دخلت أمازون إلى الساحة مع بعض الأنميات، لتقوم بعدها و مع بداية 2017 بالإعلان عن خدمتها الجديدة باسم Anime Strike و المختصة بالأنمي.
حسنًا.. لنفصل في تلك الشركات و لنبدأ بـ نيتفليكس:
في بداية عام 2016 سُأل المدير التنفيذي لشركة نيتفليكس عن توجه الشركة في المستقبل فأجاب بأنهم يخططون للتعاون مع العديد من الجهات لإنتاج أعمال إبداعية مثل الأنمي والأفلام الهندية، و سُأل أيضًا نفس السؤال في 2017 ففصل أكثر بكونهم لديهم العديد من العلاقات مع منتجين يابانيين مثل شركة توهو، السنة الماضية لم تكن سيئة بالنسبة للأنمي في نيتفليكس، فالخدمة قدمت 5 أعمال جديدة إلى مكتبتها في تلك السنة، توجه نيتفليكس في الأعمال التي تقوم بنشرها ليست صدفة، هي تستهدف بشكل خاص الأعمال التي تلاقي القبول بين جميع الناس و ليس متابعي الأنمي فقط، توجهم هذا يعطيهم الأريحية في عدم المنافسة مع الشركات الأخرى في كل ما هب و دب، و من خلال نظرتنا إلى الأعمال الموجودة في نيتفليكس نلاحظ تعاونهم الرئيسي مع استديو Polygon Pictures والذي تولت نيتفليكس نشر أعمالهم منذ عام 2014 بل و أعلنت عن توليها نشر فلم Blame! حول العالم في نفس يوم العرض في اليابان، و كذلك ستقوم بعرض فلم جودزيلا الشهير و الذي من المستحيل أن يحصل استديو صغير مثل بوليجون على حقوق اسم شهير كجودزيلا لولا هذا التعاون مع شركة نيتفليكس، أيضًا لا ننسى تعاون نيتفليكس مع توهو في أنمي LWA و فلمي Devilman، و كذلك تعاون نيتفليكس مع Aniplex في “الخطايا السبعة المميتة” و أيضًا Magi: Adventure of Sinbad.
على الرغم من هذا التوجه الذي لن يعجب متابعي الأنمي على الأغلب و خصوصًا في تأخير عرض الأنمي إلى بعد انتهاء العرض التلفزيوني في اليابان، إلا أنها بالمقابل مناسبة للعامة خصوصًا و أن تلك الأعمال ستتواجد في منطقتنا و حول العالم أجمع دون قيود.
بقية الشركات مثل كرانشي رول و فونيميشن تركز على متابعي الأنمي فقط، فمحتواهم بالكامل للأنمي و يقومون بنشر الحلقة بعد ساعة من عرضها في اليابان و هذا ما يريده المتابع. خلال العامين الماضيين كانت الشركتان هما المسيطرتان على سوق المشاهدة المباشرة للأنمي إلى أن أحستا بخطر دخول أمازون، في عام 2016 أعلنت أمازون استحواذها على فقرة نويتامينا على قناة فوجي و تلك كانت ضربة موجعة بسبب قوة تلك الفقرة و شهرتها، الأمر الذي أدى إلى إعلان تعاون مشترك بين كل من كرانشي رول و فونيميشن حيث تتولى كرانشي رول أخذ حقوق عرض الأنمي و عرضه خارج اليابان، بينما تقوم فونيميشن بدبلجة تلك الأعمال و كذلك النشر عبر الأقراص، هذا الإعلان سبب علامات استفهام كثيرة للمتابعين لكن أحد المختصين أرجع السبب إلى ارتفاع أسعار الحقوق الخاصة بالأنمي و أن هذا التعاون سيجعل كلتا الشركتين تركزان على مهتهما الأساسية من حيث العرض والنشر عبر الأقراص، هذا الكلام أثبت صحته بعد إعلان أمازون إطلاق خدمة أنمي سترايك المتخصصة بالأنمي في شهر يناير، دخول أمازون في منافسة مباشرة مع كرانشي رول و فونيميشن جعل كلًا من الشركتين في مأزق كبير، أمازون لديها المال و القوة في مقابل محدودية موارد الشركتين فكان لزامًا عليهما التعاون ضد هذا الدخيل الغريب و بالتحديد كرانشي رول كان يجب عليها التحرك بسرعة، و كان ثمرة هذا التعاون أن جعل كرانشي رول تحصل على أهم عملين لهذا الموسم و هما الموسم الثاني من هجوم العمالقة و بوكو نو هيرو أكاديميا، حصولها على حقوق هاذين العملين أنقذها من السقوط أمام أمازون خصوصًا بعد إعلان الأخيرة حصولها على حقوق أنميات حصرية لديها مثل Re:CREATORS و Shingeki no Bahamut: Virgin Soul، و من الأشياء الطريفة في هذا الموضوع أن أمازون استطاعت أخذ حقوق أنمي Anonymous Noise في أمريكا فاضطرت شركة كرانشي رول إلى اتاحة هذا العنوان في الدول الأخرى باستثناء أمريكا. أمازون خلال الفترة الماضية كانت تحصل على عرض بعض الأعمال المتنوعة مثل Blue Exorcist و Parasyte و ذلك عن طريق Sentai Filmworks و Aniplex في نفس فترة العرض، لكنها اليوم دخلت في منافسة مباشرة بالحقوق الحصرية للانميات عبر خدمتها.
دعم المنطقة العربية
نقطة أخرى حول هذا الصراع و هو عن دعم منطقتنا العربية، أمازون لم تقدم الدعم لمنطقتنا العربية و غير مسموح بالمشاهدة لأي عمل من مكتبتها، في حين أن كرانشي رول قد بدأت في دعم منطقتنا منذ عام 2015 لكن هذا الدعم لم يكن بالمستوى المطلوب إطلاقًا، طوال المواسم الماضية كانت المنطقة تحظى بالقليل من العناوين الجيدة لكن في هذا الموسم حصلت على الفتات فقط، أعمال لا تكاد تذكر في حين أن الموسم مليء بالأعمال الممتازة، و بحسب رد كراشي رول عن هذا الموضوع كان ردهم بأن عدد الاشتراكات قليل، الأمر بديهي، عدد المشتركين سيكون قليلًا لأنه لم يتم توفير ما يكفي من العناوين التي تستحق الاشتراك و الدفع من أجلها. ليست المنطقة العربية وحدها من تعاني بل و حتى الدول الأوروبية مثل فرنسا و إسبانيا الذين يحصلون على نفس العناوين في منطقتنا، تركيز كرانشي رول منصب تمامًا على الدول المتحدثة بالانجليزية مثل أمريكا و بريطانيا و أستراليا، و في كثير من الأحيان يتم ضم دول أمريكا الوسطى و أمريكا اللاتينية إلى ذلك الدعم، أما بقية المناطق فلا شيء يُذكر.
من سينتصر؟
الصراع سيحتدم بين كرانشي رول و أمازون بينما تقوم نيتفليكس بالإبحار في بحر مختلف، هذا الصراع ستكون فيه أمازون هي المتفوقة فلديها المال و عدد كبير من المشتركين في خدمة أمازون برايم يصل إلى 70 مليون مشترك حول العالم في مقابل 1 مليون مشترك فقط في كرانشي رول، كما أن مكتبة أمازون تحتوي على العديد من العناوين الغير موجودة لدى كرانشي رول مثل الأفلام و الأعمال المدبلجة و أيضًا الأعمال الموجودة لدى فونيميشن و حصلت أمازون على حقوقها، و هذا يجعل الاشتراك في خدمة أمازون مغري للكثيرين و ليس من متابعي الأنمي فحسب، لكن هنالك نقطة أخيرة يجب أخذها في الحسبان و هي نقطة الاشتراكات، خدمة أمازون تتطلب منك الاشتراك في خدمتين منفصلتين و هما أمازون برايم بقيمة 11 دولار شهريًا و خدمة أنمي سترايك بقيمة 5 دولارات شهريًا لتصبح بالإجمال 16 دولار شهريًا (أمازون برايم خدمة بداخلها عدة خدمات مثل الشحن السريع في يومين و كذلك مشاهدة الأفلام عبر أمازون)، في حين أن خدمة نيتفليكس تكلف 10 دولارات و كرانشي رول 7 دولارات فقط، هنا نجد بأن سعر أمازون ليس في صالحها لكن ربما يتغير هذا الشيء في المستقبل.
الخلاصة..
من المبكر جدًا الحكم بنجاح أمازون في الدخول لهذا السوق، تحتاج أمازون للكثير من الوقت والتسويق لخدمتها بين متابعي الأنمي، ففي الغالب لن يقوم الشخص العادي بدفع مبلغ إضافي مقابل مشاهدة الأنمي في حين أنه يمتلك ما يحتاجه من الأعمال في مكتبة البرايم العادية، فلذلك يجب عليها بذل جهد مضاعف لجذب متابعي الأنمي إليها، في حين أن كرانشي رول لديها سمعة كبيرة بين متابعي الأنمي و جل مشتركيها هم متابعون للانمي فقط، لكنها يجب أن تستمر في أخذ العناوين الجيدة لكي تحافظ على مشتركيها. السوق لديه قابلية لاستقبال المزيد من الخدمات أكثر، فربما نسمع لاحقًا بدخول سوني و أبل في المنافسة و حينها ستتغير الكثير من الأمور مجددًا. المنافسة جيدة حقًا لكنها بالنسبة للمتابع العربي ليست في صالحه أبدًا، خدمة أمازون لا تزال غير متوفرة في منطقتنا و لا يبدو أنها ستتوفر في القريب العاجل، في حين أن كرانشي رول تخلت عن العديد من العناوين لصالح أمازون و بالتالي نفقد الوصول إلى تلك العناوين أيضًا، لكن من الممكن أن تقوم كرانشي رول في ظل هذه المنافسة بالتركيز على الأسواق الجديدة و الذي يبدو أنه خيار غير متاح بسبب ارتفاع أسعار الحقوق للأنمي.