مقدمة:
المقال أدناه كتبه المخرج هاياو ميازاكي، وقد نشر في كتاب “Yoshinori Kanada Special” عام 1982 عن طريق Tokuma Shoten. المقال كُتب قبل أن يحظى ميازاكي بفرصة العمل مع كانادا.
هو شخصٌ صادقٌ مع نفسه من خلال عمله – هاياو ميازاكي
أتذكر يومًا قدم فيه توموناقا كازوهيدي (Tomonaga Kazuhide) إلي وذلك حين كنا على وشك الانتهاء من العمل على فيلم “Lupin the Third: The Castle of Cagliostro” قائلًا: “كانادا الذي يعمل في استوديو زد حقًا جيد”. وبعدها بفترة وجيزة، وفي إحدى التجمعات التي أقيمت في مكان ما، رأيت كانادا لأول مرة، وبينما كنت أشاهده يرقص رقصًا اغوائيًا وسط صخب الرسامين الشبان الذين كانوا يروّحون عن أنفسهم، قلت لنفسي”فعلاً، يبدو أن هذا الرجل ليس عادياً.”
لقد توقعت من قبل أنه ” ليس عادياً” لكونه استطاع فرض الاحترام الممزوج بروح المنافسة على رسامٍ قدير واحترافي مثل توموناقا كازوهيدي، ولو حاول الأخير أن يخفي هذا الشعور. لكن الطريقة التي هز بها مؤخرته بجموحٍ مشتعل في تلك الليلة أكدت توقعاتي.
كل الرسامين المميزين الذين أعرفهم لديهم نوعٌ من السلوك الغريب الذي يميزهم عن غيرهم، فياسوجي موري (Yasuji Mori) لديه خفة دمٍ حذقة، أما ياسو أتسوكا (Yasuo Otsuka) فهو بارعٌ في تقليد الأشخاص ( أنه حقًا بارع في تقليد الإمبراطور هيروهيتو – ويومًا ما قد يقتل على يد أحد متطرفي اليمين)، أما كوتابي يويتشي (Kotabe Yoichi)، فاحذرن منه أيتها السيدات عندما يسكر، والى أخره.
لذلك كنت على يقينٍ أن يوشينوري كانادا رسامٌ جيد. التقينا عدة مرات بعد ذلك في تجمعات مختلفة لكن لم يتسنّ لنا فرصةٌ جيدة لتبادل الحديث، عدى محادثةً هاتفيةً بيننا والتي تحدثت فيها أنا أغلب الوقت.
لم أكن مطلعًا بشكل جيد على الأعمال التي قام بها، رغم ذلك كنت مصممًا على العمل معه في يومٍ ما. أخطأت عندما عبرت عن شعوري بصوتٍ عالٍ، وبسبب ذلك فقط طُلب مني كتابة هذا المقال، ولأني قد سئمت رفضي القيام بجلسات تعليم الفيديو قررت الموافقة على الكتابة، على أن ما أكتبه هنا قد يكون بعيداً كل البعد عن الهدف الأساسي الذي طلب مني الكتابة لأجله.
ليس لدي النية بمحاولة تحليل أو نقد أيٍ من أعماله، ذلك لأني لم أعمل معه قط من قبل، وثانيًا يبدو لي أن ما يقوم به هو أمرٌ يشعر الناس معه بارتباط، فليس لدي الحق في التقليل منه بتعالٍ. لكن ما أعرفه بالتأكيد هو أنه شخصٌ صادقٌ مع نفسه من خلال عمله، وأنا أحب من هم على شاكلته.
ما الذي يعنيه أن تكون رسامًا حقيقيًا؟ إنه مفهوم يصعب تعريفه، وربما تعريفه قد يكون بلا معنى. أنا على يقينٍ بأن هنالك الكثير من الرسامين الموهوبين الذين لم أسمع عنهم قط، وأنا متأكد من أن هناك آخرون يتطورون هذه اللحظة.
لكن إن قمنا بحصر التعريف الى الرسامين القادرين على رسم وتحريك – بما في ذلك قدرتهم على توقيت الحركة – أعمالهم بما يعطي إحساسًا بأن ما نشاهده هو رسمٌ جيد، عندها يصبح العدد أقل. يوشيناري كانادا هو أحد الرسامين القلائل القادرين على الرسم بهذا الشكل.
من السهل علينا أن نتوقع لماذا أسلوب كانادا الفريد في رسم الانفجارات ومشاهد القتال الجامحة استقطب حشداً من المتابعين، لكن الإحساس الفريد المصاحب لأعماله لا يمكن ببساطة استنساخه عن طريق محاكاة نمط أسلوبه في الرسم، ذلك أن ما سيظهر لنا من مقلديه ودون أدنى شك مشاهد قتالية مبتذلة وغير منطقية على نحو سخيف.
أعمال أي رسامٍ عظيم لا يمكن أن تصدر إلا منه نفسه. فكل عنصر من عناصر المشهد المرسوم – بعبارة أخرى، كل الأساليب التي استخدمت في رسم المشهد – كانت نتاج احساسٍ فطري داخل الرسام نفسه بالتحديد، وهو أمرٌ خاصٌ به دون غيره.
عددٌ قليلٌ جدًا من الرسامين يملك تصورًا راسخًا عن كيفية تأثير الوزن وقوة الدفع والتسارع على الأجسام، ويكون قادرًا على تصور هذه الحركة كيف ستكون إذا رسمت. وقليلٌ أكثر لا يملك هذا التصور الراسخ فحسب، بل يتجاوز مفهوم المنطق، مدمجًا المفهوم الفيزيائي للحركة مع غريزته لرسم مشاهدٍ لا يمكن إخضاعها للتفسير، لكنها ببساطة تؤثر في أعين المشاهد.
تكمن القدرة على خلق رسومٍ متحركة مؤثرة عندما تفك أسرار القواعد الفيزيائية للحركة وآلية عملها، كالوزن وقوة الدفع، ثم تجاوز مفهوم تلك القواعد – كأن تقول لنفسك: “رسم المشهد بهذه الطريقة يبدو أفضل” فترسم المشهد بناءًا على هذا الشعور. إنه لمن الخطأ الاعتقاد بأن أسلوب كانادا في الرسم يمكن تقليده ببساطة عن طريق المحاكاة السطحية للوضعيات العجيبة أو عن طريق رسومه الخشنة.
لنتحدث على سبيل المثال – وأعتذر على الإشارة إلى العمل بإسمه – عن الأنمي التلفازي كاتشامان – Gatchaman 1973. أعجبنا بهذا العمل للابتكارات المختلفة التي استحدثت فيه، ولكن من ناحية التحريك، فقد أظهر لنا هذا العمل أكبر مثال على أنه وبغض النظر عن عدد الحركات السريعة أو مجموعة المشاهد المدمجة، إذا تجاهلنا القواعد الفيزيائية بالكامل لن يكون التحريك الناتج جيداً أو حتى مقنعاً.
لقد بدأت عملك كرسام، وفجأة عليك القيام برسم مشهدك الأول. أنت لا تعلم ما يجب عليك فعله. تبدأ بالاحساس بالقلق والخوف، لكنك تتجاوز مخاوفك وتبدأ الرسم. في النهاية ودون علم منك تبدأ بفهم ما عليك عمله، وتظهر لك أفكارٌ صغيرة مثيرة عن كيفية تحريك هذا المشهد أو ذاك في لوحة القصة. ثم تبدأ بتغيير لوحة القصة. في البداية قد يبدو التغيير غير واضحٍ لكن مع مرور الوقت يصبح التغيير بارزًا. في بعض الأحيان قد يوافق المخرج على هذه التغييرات وفي أحيانٍ أخرى عليك أن تصارع حتى يحصل التغيير، وأحيانًا يفشل ما تريد القيام به فتخرج منحرجًا من هذه المحاولة، لكنك لا تستطيع السيطرة على رغبتك بالرسم بالطريقة التي تريدها.
في النهاية، المشاهد التي قمت برسمها ستبدو مختلفة عن باقي المشاهد في الحلقة، ستختلف بكونها حيوية ومميزة. سيبدأ الناس بتخمين المشاهد التي قمت برسمها، وتبدأ في بناء ثقتك بنفسك (في الغالب يرسم هذا النوع من الرسامين الشخصيات بشكلٍ مختلفٍ عن التصميم الأصلي للعمل، حتى وإن كان نفسه هو مصمم الشخصيات، سينتهي المطاف بالشخصيات على هيئة مختلفة) وستبدأ في ملاحظة ذلك الاختلاف، حتى لو أردت أن ترسم الشخصيات بشكل قريب من التصميم الأصلي للعمل، لسبب ما سيظل الناس يعتقدون بأنها ماتزال مختلفة عن التصميم الأصلي للعمل، لكنك لا تدعهم يحبطونك.
ثم تحصل على فرصة للإشراف على حلقة كاملة في عملٍ تلفازي، تنتهي الحلقة بكونها مختلفةً عن باقي الحلقات ولكنها مثيرة، فلا تسمح لهذا بالإضعاف بثقتك حديثة الاكتساب.
تقرر تجربة مهام “الإشراف على الرسوم”، لكن سرعان ما تدرك أنها مهامٌ لا تناسبك. تضعك هذه المهمة في حالةٍ ترغب فيها بإعادة رسم كل المشاهد بأسلوبك الخاص، لكن لا يمكن الاستمرار بالقيام بذلك يومًا بعد يوم، والأهم من ذلك كله هو رغبتك في أن تقضي جلَ وقتك في رسم مشاهد حركية تكون راضيًا عنها وليس القيام بتصحيح أعمال الرسامين الآخرين. لكن تظل مهام “الإشراف على الرسم” الأعلى في سلم صناعة الرسوم المتحركة، فتشعر بأنك في مفترق الطرق. تبدأ بالشعور بالقلق من الطريقة التي تقوم بها المجلات وغيرها في نسب الفضل في رسم المشاهد الحركية إلى المخرج أو مشرف الرسوم أو حتى صاحب العمل الأصلي.
تبدأ لديك القدرة على التنبؤ بالنتيجة النهائية للمشهد إذا رسمته بالطريقة هذه أو بتلك، وكلما زاد هذا الاحساس يزداد معه شعورك بالفراغ الداخلي.
تشارك في أعمالٍ كبيرة. تقرر أن تضع جانبًا المشاكل التي تراها في هيكلة العمل أو في لوحة القصة أو حتى في موضوع الفيلم، وتقوم بعملك بأفضل ما لديك. حتى أن عملك يلقى تقديرًا لقاء ما قمت به، وتشعر أنك حققت شيئًا، لكن جزءًا آخر منك يبدأ بالتساؤل، هل يكفي أن كون مجرد ترسٍ في عجلة؟ فتبدأ بالتعرف على الذي تريد التعبير عنه والقيام به كفنان. وقد أتجرأ على القول بأن يوشيناري كانادا هو هذا النوع من الرسامين.
في بعض النواحي نُظر إلى العمل الذي قام به كلٌ من يوشيناري كانادا و توموناقا كازوهيدي في فيلم Galaxy Express 999 على أنه انتصارٌ للمتعاقدين من الرسامين مع الاستديوهات. لكن المسألة ليست مقارنةً بين الرسام المتعاقد بالرسام الذي يعمل في الاستيديو. ما يحدث حقًا هو أن الجيل الجديد من الرسامين يحل محل الجيل السابق وهذا كلُ مافي الأمر. لكن تبقى المشاكل التي يواجهها الجيل الجديد من الرسامين هي نفسها التي واجهها الجيل السابق. وإذا ما استخدم بعض الرسامين الذين يعملون مع الاستديو أسلوب الترفع عليك، فإنهم على أية حالٍ لا يستحقون احترامك، لذلك توقف عن العمل وأبحث عن مكانٍ آخر.
عندما تصبح أيام التجارب من الماضي وتراكمت لديك خبرات تلك الأيام، يحين الوقت للبناء على ضوء تلك الخبرات. أما نوع المشاريع التي ستعمل عليها ونوع الأشخاص الذين ستعمل معهم، فهذا مع الأسف سيظل الى حد كبير رهناً للصدفة، ولكن لا يمكن لنا إنكار أن ما سيأتي لك من فرص سيعتمد بشكل جزئي على ما قمت به إلى هذه اللحظة.
بما أننا في طريقنا للخروج من ما يعرف بـ”طفرة الأنمي” متجهين إلى عصر الاستهلاك الواسع للأنمي، فأنا أعتقد بأن على يوشيناري، مثلما على غيره من الرسامين أصحاب الموهبة والطموح والقدرة على التحمل، أن يتمسكوا بأمل ملاقاة عملٍ ذا معنى. آمل بصدق أن يلاقوا مثل هذا العمل.
أود حقًا أن أعمل معه، لكن حتى الآن لم أجد الفرصة السانحة لذلك. أعرف مدى صعوبة أن تكون إنتقائيًا في عملك دون فقدان ثقتك بنفسك. آمل أن يعتني بنفسه ويدأب على عمله.
قائمة الأعمال التي جمعت بين الإثنين لاحقًا:
Kaze no Tani no Nausicaä – 1984
المشاهد التي عمل عليها في الفيلم
Tenkuu no Shiro Laputa – 1986
المشاهد التي عمل عليها في الفيلم
Tonari no Totoro – 1988
المشاهد التي عمل عليها في الفيلم
Majo no Takkyuubin – 1989
المشاهد التي عمل عليها في الفيلم
Porco Rosso – 1992
المشاهد التي عمل عليها في الفيلم
Mononoke Hime – 1997
المشهد الذي قام بعمله في الفيلم
منقول بتصرف.