يكتب أوسكار وايلد في كتابه “الناقد كفنّان” في وصف قدرة الفنّان على التعبير عن ذاته عبر إزالتها مما يقدّمه، أنّ “الإنسان أبعد ما يكون عن ذاته عندما يتحدّث بلسانه عن نفسه، أعطه قناعاً وحينها سيخبرك الحقيقة.” وعلى الرغم من أن سياق هذه العبارة يرتبط باستتار الفنّان خلف “قناع” كتابته عن مواقف خياليّة تجول في خاطره، أو أحداث حقيقة يموّهها في سياق قصّته، إلا أنّ العبارة تصلح برأيي بمعناها المباشر أيضاً.
Man is least himself when he talks in his own person. Give him a mask, and he will tell you the truth.
– Oscar Wilde, The Critic as Artist P.185
كان على الكثير من الكاتبات الإنجليزيّات الاعتماد على أسماء ذكور وهميّة لنشر كتاباتهنّ في القرن التاسع عشر، لكون المجال الأدبيّ حينها غارقاً في الذكورية وإقصاء المرأة، ويشتهر في هذا السياق ردّ الشاعر روبيرت سوثي على كتابات تشارلوت برونتي، التي أرسلت له قصائد لها ليطّلع عليها، فردّ عليها بأنّ “الأدب لا يمكن أن يكون مهنة امرأة، ولا يجب أن يكون. كلّما مارست المرأة دورها الملائم، قلّ الوقت المتاح لها لممارسته سواء كإنجاز أو كهواية.”
Literature cannot be the business of a woman’s life, and it ought not to be. The more she is engaged in her proper duties, the less leisure will she have for it even as an accomplishment and a recreation.
– Robert Southey to Charlotte Brontë, 12 March 1837
نشرت تشارلوت رواياتها لاحقاً تحت اسم مستعار لرجل، لتصبح هذه الروايات مجموعة من أعمدة الأدب الإنجليزيّ التي يدرسها الناس حول العالم.
لم يقتصر استخدام الهويّات الوهميّة – Aliases على الإناث أو على فترة زمنية معيّنة، ولم تكن هذه الممارسة محصورة بدافعٍ قاهر، كاضطّهاد سياسيّ أو مجتمعيّ، بل ظهر على مرّ العصور في سياقات عديدة وبأشكال عديدة؛ فما الدمى الناطقة بأنواعها المختلفة، والأزياء التنكرية بسياقاتها المختلفة، والمجهولية الرقميّة الحديثة، إلا انعكاسات لهذا المفهوم بأوساط مختلفة.
وللمصادفة -ليست مصادفة، أنا من ساق السياق لهذه النقطة- الفتيتيوبرز – Vtubers تقاطعٌ بين تلك الأنواع الثلاثة؛ أي الدمى والأزياء والمجهولية الرقميّة.
من هم الفيتيوبرز؟
تقنياً، كل من يختفي خلف قناع شخصيّةٍ وهميّة ليصنع المحتوى الفيديويّ على الشبكة يمكن اعتباره فيتيوبر – Virtual Tuber. هذا التعريف “التقنيّ” يضع كلّاً من ماكس هيدروم – Max Headroom وكيزونا آي – Kizuna AI والتمساح وحسين عبدالله وأيّ أوتايتي – Utaite وحتى بعض قنوات الرعب تحت نفس المظلّة الواسعة.
لكن كما كلّ شيء مرتبط بالثقافة الحديثة، التعريف الشائع والذي يفهمه الغالبيّة العظمى عن الفيتيوبرز مختلفٌ عن التعريف التقنيّ، وهذا التعريف الشائع مرتبط بالثقافتين اللتين انبثق منهما الجمهور الأعظم لهذا النوع من المحتوى: مجتمع الأنمي والأوتاكو – Otaku، ومجتمع البثوث الحيّة – Streaming.
ذكرك للفيتيوبرز بأي سياقٍ اليوم، يحصر ما يفهمه المتلقّي بنوعٍ معيّن من صناع المحتوى الفيديويّ على الشبكة؛ شخصيّات ذات طابعٍ “أنماويّ” يحرّكها أشخاصٌ حقيقيّون من خلف الستار، يتحدّثون بلسانهم ولسان تلك الشخصيّات، ويصنعون لوجودها سياقات وقصصًا وهميّة تختلط بالحقيقة، وتعكس جانباً مضخّماً من ذاتهم بشكل أو بآخر، ينشر هؤلاء محتواهم عبر بثوثٍ حيّة على منصّات البث المختلفة، بشكل أساسيّ يوتيوب وتويتش وبيلي بيلي (الصينية) ونيكونيكو دوغا (اليابانية).
هذا الطابع الأنماويّ لم يأتِ من العدم، فبالإضافة للجمهور المستهدف، شكّل صنّاع المحتوى صورة هذا المجال بناءً على التاريخ الطويل لهذا النمط من المحتوى، فأغلبهم مؤدّون صوتيّون ومطربون غارقون في ثقافة الأوتايتي – Utaite أو المطربين الهواة والتي اعتمدت على شخصيات مرسومة للتعبير عن المطربين بدلاً من إظهار وجوههم.
ثقافة الأوتايتي بدورها جاءت من ثقافة الفوكالويد – Vocaloid التي اعتمدت في التعبير عن التفرّد فيها على شخصيّات متحرّكة للتعبير عن مكتبات الصوت التي قدّمها البرنامج للمؤلّفين الموسيقيّين.
ثقافة الفوكالويد نفسها لم تشتهر في اليابان إلّا عبر الشخصيات المرسومة التي ظهرت كوجه للصوت الموجود في المكتبات الصوتيّة، وأشهرها هاتسوني ميكو – Hatsune Miku التي ظهرت مع الإصدار الثاني للبرنامج، وسمح للفنّانين الاعتماد عليها كشخصيّة تعبّر عن الصوت – لتصبح لاحقاً أيقونة في هذا المجال.
تجد تأثير هاتين الثقافتين (الأوتايتي والفوكالويد) في جوانب مختلفة كثيرة من ثقافة الفيتيوبرز، فكما أسلفت، كلّها تشترك قبل كلّ شيء بالتركيز على القدرة الفنيّة لا على شخصيّة الصانع نفسه، وتركّز على المجهولية، وتعبر عن الصنّاع بشخصيّات ذات طابع أنماويّ وكلها تعتمد على الأداء الصوتي، وكلها تخفي شخصيّة الفنان خلفها لأسباب مختلفة.
وكلّها تعتمد على ثقافةٍ تشاركيّةٍ تشجّع على إتاحة المجال للمتابعين للمساهمة في المجتمع عبر إنشاء الرسومات والقصص والموسيقى وغيرها اعتماداً على تلك الشخصيات وهذا من أهم أسباب انتشار هذه الشخصيات، فهي “حرّة” من قيود من صنعها، ومتاحة للجميع.
وكلّها تركّز على المضمون والقدرة الفنيّة والتميّز في سياقات مختلفة بدلاً من المظهر.
وتلك النقطة الأخيرة المرتبطة بالمظهر قد تبدو غريبةً عندما تنظر لتصاميم الشخصيات الجميلة والمبهرة التي يستخدمها هؤلاء (جميعاً)، إلا أن تلك الشخصيات المرسومة ذاتها عبارة عن نتاجٌ فنيّ وجهد جماعيّ، فهي ليست فقط “جميلةً” للنظر، بل هي تعبير فنيّ متكامل، يجمع أحياناً بين النظرة الفنيّة والقدرة التقنيّة والتوجيه الفنيّ لأشخاصٍ مختلفين في مكان واحد.
كيف يتحرك الفيتيوبرز؟
بشكل رئيسي، هناك ثلاث عناصر رئيسيّة تتفاعل فيما بينها لتظهر في النهاية صورة الفيتيوبر المعتادة على الشاشة: الأول هو تصميم الشخصية – Modeling والثاني هو ضبط الحركة – Model Rigging والأخير هو تعقّب الحركة – Motion Tracking ولكلّ واحد منها أساليب ومستويات مختلفة جداً.
على سبيل المثال، النوع الأكثر شيوعاً من الشخصيات – Avatars يعتمد على الربط بين تصميم شخصيّة ثنائي الأبعاد – 2D Model تضبط حركته عبر برنامج Live2D وتتعقب حركته عبر كاميرا هاتف آيفون من خلال Face ID أو عبر برامج مساعدة يمكن استخدامها مع كاميرات الويب أو الكاميرات التقليدية.
بالطبع، هناك أنواع أكثر تعقيداً وأكثر بساطة من الشخصيات، بعضها ثلاثي الأبعاد مثل ما يتم إنتاجه على Vroid Studio وبعضها ذو حركة محدودة مثل الPNG Tubers وبعضها يتتبع حركة كلّ أجزاء الجسم كشخصية Code Miko التي تتتبع حركة الجسم كاملاً عبر بدلة تتبع حركة Motion Capture.
ولكن تضرب الشخصيات ثنائيّة الأبعاد توازناً ممتازاً بين القدرة على إنتاج تصميمٍ متميّز وتفاعليّ بما فيه الكفاية، وبين سهولة الاستخدام وقلّة الموارد التي تحتاجها من الحاسب أو الهاتف.
عملية صناعة الشخصية تتطلب عملاً من ثلاثة أطرافٍ عادةً:
الطرف الأول هو المصمم أو الرسام، ووظيفته تصميم الشخصيّة الرئيسي ثم تجهيز أجزاء التصميم لتصبح قابلة للاستخدام كشخصية فيتيوبر عبر فصل أجزاء الجسد وتحديد الأجزاء المتحركة. يوصف الرسام عادة بأنه “أمّ الشخصية”.
الطرف الثاني هو المسؤول عن ضبط الحركة – Rigging ووظيفته ربط أجزاء التصميم ببعضها وتحديد مجالات حركتها وطريقة تفاعلها مع بعضها، إضافة لطريقة تفاعل برنامج تتبع الحركة معها. يوصف المسؤول عن ضبط الحركة عادةً بأنّه “أب الشخصية”.
الطرف الثالث هو صاحب الشخصيّة، وهو المسؤول عن إخراج التصميم وتحديد الهدف منه، قد يكون صاحب الشخصيّة هو الفيتيوبر نفسه كما في حالة الفيتيوبرز المستقلين، أو الشركة المسؤولة عن الشخصية ككوفر كورب – Cover Corb المسؤولة عن مجموعة هولولايف.
يحدد المسؤول عن الشخصيّة قصّتها وخلفيّتها وعناصر التصميم الرئيسية فيها كالألوان الأساسيّة والتوجه العام للشكل. ويكون هذا متوائماً مع طبيعة الشخص الذي سيؤدي صوت تلك الشخصيّة، ويبالغ في إظهار جوانب من تلك الشخصيّة كما في رسومات الكاريكاتيور، فتجد في كثير من الأحيان مبالغات في تصوير جوانب العمر والاهتمامات وطريقة الحديث وغيرها ضمن تصميم الشخصية.
وكالات الفيتيوبرز
شركات الفيتيوبرز أو وكالات الفيتيوبرز – Vtuber Agencies لها دور كبير في تشكيل ساحة المجال، على الرغم من وجود الكثير من الفيتيوبرز المستقلين، إلا أن أكبرهم وأكثرهم شهرةً اليوم يعملون تحت وكالات رسميّة، ينضوي تحتها مجموعةٌ من المواهب، لتساعدهم في المواضيع التقنية والقانونية والترويجية.
يمكن اعتبار وكالات الفيتيوبرز كنوعٍ وسط بين وكالات الآيدولز اليابانيّة ووكالات صنّاع المحتوى الغربيّة، فهي من طرفٍ تستقطب مواهب الفيتيوبرز كالأيدولز عبر تجارب الأداء، ومن طرفٍ آخر تتعامل مع وجودهم على الشبكة كوكالات المحتوى الغربية وتعطيهم حريةً واستقلاليةً أكبر مقارنة بالأيدولز التقليديين. وفي الوقت ذاته تعمل على ضمان سلامة وجودهم قانونياً على الشبكة، وتضمن لهم استقراراً مادياً عبر عقود الشراكات – Sponsorships ومبيعات البضائع – Merch وغيرها.
هذا المزيج بين الحريّة الفنيّة وثقافة الأيدول يختلف بين الوكالة والأخرى، بينما تركّز بعض الوكالات على جانب الأيدولز، تعطي وكالاتٌ أخرى الحريّة الكاملة لصنّاعها. وبينهما حالات عديدة.
لكن مهما كان نوع الوكالة ومدى التزامها بثقافة الآيدول أو بعدها عنها، يبقى لهذه الثقافة تأثير كبير على وسط الفيتيوبرز ككل، سواء أولئك التابعين للوكالات أو المستقلين، ويظهر هذا عبر طريقة التقديم، نوع العروض والبضائع التي يقدمونها، وحتى أنواع المعجبين والمتابعين.
على سبيل المثال، تعطي هولولايف حريّة نسبية لأصحاب المواهب في الطريقة التي يتصرفون بها على البثوث، وهذا قد يتضمن تصرّفهم بشكل لا يليق بالآيدولز التقليديين، كالحديث عن مواضيع جنسية أو غير “عفيفة – Seiso”، لكن في المقابل، تجد الكثير من الحفلات والبضائع والمقابلات التي يشارك فيها مواهب هولولايف بصفتهم آيدولز.
بالمقابل، وكالاتٍ مثل Vshojo تتيح الحرية المطلقة للمواهب، ولا تلزمهم على شيء من ثقافة الآيدول إطلاقاً، ويمكن اعتبارها وكالة محتوى غربية -فهي غربيةٌ أساساً- لكن تبقى تبعات وجود ثقافة الآيدول في مجال الفيتيوبرز موجودةٌ حتى بين مواهب هذه الوكالة.
هل شخصيات الفيتيوبرز خيالية بالكامل أم حقيقية بالكامل؟
كما أسلفت في فقرات سابقة، يحمل تصميم الفيتيوبرز بصرياً توجّهين مختلفين، فهو أولاً مصممٌ ليوافق طباع شخصيّة المؤدي الصوتيّ خلف التصميم، وليظهر جانباً كاريكاتورياً مبالغاً فيه من ذاك المؤدي، ولكنّه بنفس الوقت يعمل بتناغم مع القصّة – Lore الخاص بتلك الشخصيّة، ولفهم طريقة تفاعل هذين الجانبين مع بعضهما علينا أولاً فهم الطريقة التي يعمل بها كلّ منهما.
لنبدأ بالقصة، أو القصّة الأصليّة، أو اللور – Lore:
شخصيات الفيتيوبرز في محورها شخصيّات خياليّة، فعلى الرغم من وجود مؤدٍّ صوتيّ خلف الشخصيّة، إلا أنّ شكلها وقصّتها وحتّى العالم الذي تعيش فيه قد يكون خيالياً بالكامل، أو قد يكون مرتبطاً بواقعنا بطرقٍ محددة.
ما يوفره هذا الوسط لأصحاب أصوات هذه الشخصيّات، أو “المواهب – Talents” باسمهم الرسميّ، هو إمكانيّة تعمية ماضي هذا المؤدي تماماً وإبعاده عن الشخصيّة، سواء كان هذا بغرض الحماية أو إتاحة مجال أكبر للحرية الإبداعية. وفي المقابل، يمكن أن يكون هذا الوسط انعكاساً أدبياً كاملاً لحياة الموهبة، عبر استخدام الاستعارات والتشبيهات واستبدال الأحداث.
يحمل تصميم الشخصية – Model Design جزءاً لا يستهان به من الثقل في هذه الموازنة، ويقع ما تبقى من الحمل على القصّة وقدرة صاحب الموهبة على تطويعها في ما يصنعه من المحتوى.
يستخدم في بناء القصّة الأصل – Origin Story للفيتيوبرز عناصر أدبيّة كثيرة، ويدخل فيها العديد من الأفكار المستحدثة والقيود التي على الكتّاب وصنّاع هذه الشخصيات العمل معها واستغلالها، ويصعب في كثير من الأحيان ضرب التوازن المثاليّ بين القصّة التي يمكن لصاحب الموهبة استغلالها لصناعة المحتوى، وبين القصة التي تجعل بين الشخصيّة والأخرى تميزاً كافياً في هذا الوسط.
فإن كانت القصّة متشعبةً ومعقدةً وتجبر صاحب الموهبة على تقييد جوانب من شخصيّته كي يتواءم معها، فلن تكون هذه القصّة صالحة لوقت طويل، وسيكسر صاحب الموهبة “شخصيّته” ليتصرف على طبيعته عاجلاً أم آجلاً.
أما إن كانت القصّة مبسّطة وعامّة أكثر من اللازم، فيخاطر صاحب الموهبة بأن يكون “شخصاً آخر” وسيفقد أيضاً جزءاً مهماً من عناصر جذب الفيتيوبرز للجمهور، وهو القصّة المثيرة التي يحاول صاحب الموهبة ربطها بما يفعل.
وإن أردنا تتبع الطريقة التي تعمل بهذا هذه القصص على مستوىً تقنيّ، فيمكن العثور على جذورها في ثقافة “الشخصيات الأصلية – OCs” الشائعة على الشبكة، والتي بدورها تستقي مبادئ كتابيّة كثيرة من ثقافة خيال المعجبين – Fanfiction، والتي بدورها أيضاً تعتمد على ثقافة الدوجينشي وروايات اليافعين وثقافة الألعاب والفوريز – Furries كمصادر لصناعة المحتوى.
ماذا عن الشخص خلف الشخصية؟
ذكرت بدايةً أن تصميم شخصية الفيتيوبر يعتمد جزئياً على طباع صاحب الموهبة أو مؤدي الصوت خلف تلك الشخصية، وهذا لأن لهذا الشخص الدور الأكبر في خلق وجود لهذه الشخصية في أذهان الناس، وعليها أن تعكس ذاته بشكل أو بآخر ليكون قادراً على “لعب دورها”.
عكس الأدوار التمثيلية التقليدية، تبنى شخصيات الفيتيوبرز حول مؤدي أصواتها لا العكس، فهي أداة لإظهار أنفسهم على الشبكة وعرض قدراتهم الإبداعية، لا طريقة لعكس رؤيةٍ ما للكاتب أو لصاحب الشخصيّة.
ما يجعل هذا الأمر ضرورياً هو أن الشخصية التي على صاحب الموهبة لعبها يجب أن تكون قادرة على العيش لفترات طويلة، وأن الشخصيات التي تعتمد على تزييف جانبٍ ما من طباع مؤدي الشخص نادراً ما تستمرّ طويلاً، ونادراً ما تبني جمهوراً مناسباً لذاك الشخص، ولهذا أمثلة كثيرة في المجال.
لكن، يندر في وسط الفيتيوبرز أن يكون المؤدي خلف الشخصيّة قادراً على الاعتماد على شخصيّته الحقيقيّة بالكامل في هذا السياق، ويندر هذا في المجال لأسباب عديدة، وربما كي-سون المثال الوحيد الذي يخطر في بالي لشخص استطاع أن يكسر هذا الحاجز.
السبب وراء هذا أن المبالغة في كسر الحواجز بين مؤدي الصوت وبين الشخصية، يدفع الكثير من المتابعين بعيداً، ولهذا العديد من الأسباب التي سنخوض فيها لاحقاً، لكن أهمها هو أن هذا الوسط في محوره وسطٌ ترفيهيّ هروبيّ – Escapist وتهديد هذا الجانب منه يدفع المتابعين بعيداً.
لذا على صاحب الموهبة ضرب التوازن المثالي بين عرض ما يكفي من شخصيّته الحقيقية عبر القناع ليكون مرتاحاً على تقديم مادته الإبداعيّة، وفي نفس الوقت عزل شخصيّته الحقيقيّة بما يكفي ليصبح “العرض” مقبولاً كعرض ترفيهيّ، بدلاً من تحوّله ليتمحور بالكامل حول شخص المؤدي.
بالطبع، كما في حالة كي-سون، القاعدة ليست مطلقة أو جامدةً تماماً، فهناك فيتيوبرز ناجحون ممن يتخطّون الحدّ الفاصل بين شخصيّتهم الحقيقيّة وبين الشخصيّة الوهميّة التي صنعوها، سواء عبر إظهار أنفسهم على الكاميرا أو عبر إنشاء “شخصيّات احتياطيّة” يمكنهم صناعة المحتوى من خلالها في حال لم يشعروا بالراحة الكافية للظهور أمام الكاميرا. لكن هذا صعب ويتطلب أن يكون الشخص نفسه محبوباً وصاحب فهم جيّد للثقافة ككل.
لهذا يفشل العديد من الفيتيوبرز الذين يستخدمون الشخصيّة كواجهة تسويقيّة فحسب لشدّ الانتباه لمحتواهم “الجسديّ” إن صح التعبير. ولهذا أيضاً لا يجد الستريمرز وصناع المحتوى شهرة واسعةً بين جمهور الفيتيوبرز على الرغم من امتلاكهم شخصيّات “احتياطيّة” مثل بوكيمين وغيرها، لأنّهم وعلى الرغم من امتلاكهم شخصيّة قد تكون أعلى تكلفةً من شخصيات الكثير من الفيتيوبرز الأكثر شهرة، لكنّهم لا يمتلكون الفهم اللازم للثقافة لشد الجمهور.
يمكن تشبيه الأمر بممثلٍ محترف قرر صناعة قناة يوتيوب، ولم يوفّق في شد جمهور حقيقيّ يأخذه على محمل الجد في قناته على اليوتيوب، لأنّه لم يفهم الثقافة – ويل سميث مثالٌ جيد على هذا.
ملاحظة أخيرة، لا يقتصر صنّاع الفيتيوبرز على الإناث، بل يتضمن الذكور أيضاً ولهم جماهيرهم الخاصة. وكما هو متوقع، تشكل نسبة الذكور النسبة الأكبر من متابعي الفيتيوبر الإناث، بينما تشكل نسبة الإناث النسبة الأكبر للفيتوبرز الذكور.
من هم الجمهور المستهدف من الفيتيوبرز؟
أولاً، ما يجب توضيحه قبل الحديث عما يميز جمهور الفيتيوبرز وما يجري داخل مجتمعاتهم، عليّ توضيح الحجم الحاليّ لهذا المجتمع، وكيف يمكن قياسه مقارنة بمجتمعات رقميّة أخرى، وتأثير حجم هذا المجتمع على الطريقة التي يعمل بها صنّاع المحتوى في هذا المجال حالياً.
كبدايةٍ، متابعة الفيتيوبرز أمرٌ مخفيّ خلف مجموعة من الحواجز الصعبة التي لا يمكن لأغلب الناس تخطيها بسهولة؛ فهم غالباً ستريمرز – Streamers يعتمدون على البث المباشر، ومرتبطون بشدة بثقافة الأنمي والمانغا والألعاب، وتتطلب متابعتهم اطلاعاً لا بأس به على تلك الثقافات، ويستخدمون طريقة مميزة في تقديم أنفسهم من خلال المحتوى كما ذكرت عبر ضرب توازن بين الاعتماد على شخصية مؤدي الصوت والشخصية المرسومة.
لذا فالجمهور المستهدف من الفيتيوبرز هو تلك الفئة الصغيرة من الناس، التي تهتم بالألعاب والأنمي والمانغا، ولديها ميل لمتابعة الشخصيات الوهمية، ولديها القدرة والاهتمام الكافيين لمتابعة البثوث الحيّة أو على الأقل فهم طريقة عملها.
وعلى الرغم من أنّ لأغلب هذه العقبات حلولاً تستخدم سلفاً لجعل هذا النوع من المحتوى أكثر سهولةً للوصول والاستهلاك لمن يقع خارج تلك الدوائر، كإنتاج المقاطع القصيرة من البثوث وترجمات المعجبين وغيرها، إلا أنّ هذا لا يتيح للفيتيوبرز جمهوراً أوسع بكثير، وسيبقى هذا النمط من الميديا -على الأقل في الوقت الحاليّ- محصوراً ضمن حدود تلك الجماهير.
هذه المحدودية وفهم الشركات والصناع المستقلين لهذه الحدود تجعل التعامل ضمن هذا المجتمع أكثر “حيويةً” إن صح التعبير، فعلى الرغم من ثقافة حقوق النشر اليابانيّة القاسية، نجد أن الشركات اليابانية الكبرى في هذا المجال تعتمد مبدأً أكثر تراخياً مع استغلال محتوى الفيتيوبرز العاملين معهم في إنشاء محتويات جديدة، وهذا ما لا يمكن رؤيته في مجال الأنمي أو المانغا مثلاً.
يمكنك اليوم أن تنشئ مقطعاً يوتيوبياً لفيتيوبرك اليابانيّ المفضّل وتترجم المقطع وتعيد نشره على الشبكة وتكسب منه المال – ليعود المكسب كاملاً لك، على الرغم من امتلاك شركةٍ لحقوق النشر كاملةً لهذا المحتوى.
في المقابل، لا يمكنك أن تشارك لحظاتٍ من أنميك المفضل على قناتك أثناء مراجعتك له دون الوقوع في خطر مخالفة حقوق النشر وحتّى خسارة قناتك بأكملها.
هذا الفرق في التعامل مع الشبكة نابع من فهم شركات الفيتيوبرز للطريقة التي يمكنهم من خلالها كسب تعاطف الجماهير والعمل معهم لا ضدهم لإشهار المواهب أولاً، وتوسعة القاعدة الجماهيرية المحدودة ثانياً.
يمكن تشبيه الطريقة التي يعمل فيها الفيتيوبرز من هذه الناحية بالأسلوب المتّبع في فاندوم TouHou، التي اكتسبت شهرة واسعة جداً وأصبحت من ركائز الشبكة التي يعرفها الجميع سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب ثقافة التراخي مع حقوق النشر هذه.
بنفس الطريقة التي يمكنك العثور فيها على عشرات مساهمات المعجبين – Fan Arts لرسم شخصيات توهو وعشرات النسخ الغنائية والموسيقية – Covers وحتى ألعاب المعجبين – Fan Games وقصص المعجبين – Fan Fiction والدوجين والفان أنميشن وغيرها، ستجد أمراً مشابهاً في مجتمع الفيتيوبرز.
وهذا ما يمكن اعتباره القلب النابض لمجتمع الفيتيوبرز، هذه الحريّة الفنيّة التي يمكن لهذا المجتمع المتماسك استغلالها والتفاعل معها، هذا الترابط بين المتابعين وأصحاب المواهب والعطاء المتبادل بينهم، هو ما يجعل هذا المجتمع قادراً على البقاء على قيد الحياة.
ولكن، هذا يعني أيضاً أن العلاقات أحاديّة الطرف – Parasocial Relationships بين المتابعين وأصحاب المواهب أكثر خطورة وحدّةً مقارنة بمجتمعات أخرى، كمجتمع الستريمنغ العام، أو مجتمع يوتيوب العام.
العلاقات أحادية الطرف
تحدثت في مقالاتٍ مطوّلة سابقاً عن العلاقات أحاديّة الطرف، ومعناها في سياق العلاقة بين صانع المحتوى والمتابع، وسردت أيضاً كلاماً كثيراً عن خطورة هذه العلاقة وكيف يمكن أن تتحول من اهتمام بريء لخطر حقيقيّ على حياة المتابع الذي يغرق فيها، وأنصح جداً بقراءة هذين المقالين لمن يهتم بالأمر، لكن سألخص ما يجب معرفته بهذا الخصوص في هذا المقال لاختصار الوقت.
مصطلح العلاقات أحاديّة الطرف يصف ارتباطاً بين طرفين، يمتلك الأول اهتماماً زائداً ومعرفةً واسعة بالطرف الثاني، بينما لا يدرك الطرف الثاني وجود الطرف الأول أصلاً ولا يعرف عنه شيئاً. تقع العلاقات بين المتابعين وصناع المحتوى، أو معجبي المطربين والمطربين أنفسهم، أو متابعي الأفلام والممثلين، ضمن هذا التصنيف.
تعتمد العلاقات أحاديّة الطرف على اعتقاد المتابع أنّ ما يعرفه عن صانع المحتوى أو الفنان أو صاحب الموهبة يكفي ليكون “خبيراً” بخصوص هذا الشخص، وتقوده ليبني علاقةً وهميّة بينه وبين هذا الشخص، يضع فيها نفسه كصديق أو حبيب أو شريك.
تقود شبكات التواصل الاجتماعيّة بأنواعها المختلفة إلى تضخيم هذا الشعور لدى المتابع، خصوصاً في أوساط مثل البثوث الحيّة، حيث يتفاعل صانع المحتوى مع “الشات” ككيان متداخل، بينما يحاول كلّ من في الشات كسب اهتمام ذاك الصانع.
هذا الكيان، الشات، يعطي لكل أفراده فرصةً للتأثير في سياق الحديث مع صانعهم المفضل، وقد يعطيهم الفرصة لقول ما لا يمكنهم قوله في سياقات أخرى، وكلّ هذا يساهم في تضخيم هذه العلاقة أحادية الطرف.
وجود الشات في البثوث الحيّة يعزز الوهم لدى بعض المتابعين على أنّهم “أصدقاء” صانع المحتوى، وأن علاقتهم معه أوطد مما هي في الحقيقة، وهذا ما يقود لبعض التصرفات الجنونية من طرف هؤلاء تجاه هذا الصانع.
وأؤكد هنا أنّ هذا يقتصر على “بعض المتابعين” لا على كلّ متابعي البثوث الحيّة، فجمهورها الغالب لا يتفاعل أصلا مع الشات ولا يكتب فيه، والنسبة الأكبر من المتفاعلين في الشات لديهم فهم واضح عن آلية عمل البث، وحدود العلاقة بينهم وبين الصانع.
لكن، قد يشجّع نوع المحتوى أو طريقة تعامل صانع المحتوى مع وجوده على الشبكة على هذا النوع من العلاقات، وقد يدفع بهذا الجمهور المرتبط بهم في علاقة أحاديّة الطرف لتصرفات غير محمودة، وهذا إن استمر فسيؤثّر قطعاً على صورة المجتمع بأكمله.
العلاقات أحاديّة الطرف في مجتمع الفيتيوبرز
كما ذكرت، تؤثّر بنية المحتوى وتطلعات الصانع بشكل محوري على وجود العلاقات أحاديّة الطرف بينه وبين المتابعين، ويمكن النظر لهذين العاملين كلاً على حدة، لفهم سبب وجود نظرة سلبيّة كبيرة بهذا الخصوص في مجتمع الفيتيوبرز، ومدى حقيقة هذا وشموليّته ضمن هذا المجتمع.
وفي ثقافة متابعي الفيتيوبرز، تظهر مصطلحات مثل “الحياة السابقة – Past life أو شريك السكن – Roommate” للدلالة على كلّ ما يقوم به صاحب الموهبة خارج سياق الشخصية الوهمية التي يقدمها عبر شخصية الفيتيوبر، واستخدام هذا المصطلح حتّى مع صناع المحتوى الذين يتابعون النشر بهويتهم الحقيقية أثناء استخدام شخصيّة الفيتيوبر ككيان منفصل، يظهر ميل المجتمع بشكل عام إلى الفصل بين الشخص خلف الشخصية وبين الشخصية نفسها.
لنبدأ ببنية المحتوى:
اعتماد الفيتيوبنغ بشكل رئيسيّ على الهروبية – Escapism وميل الجمهور إلى تعطيل الاستنكار – Suspension of disbelief والانغماس في المحتوى والشخصيات والقصص وأخذها على محمل الجد، يؤثر بشكل مباشر على عاملين؛ الأول هو عدد الأشخاص الغارقين في العلاقات أحاديّة الطرف في هذا المجتمع، والثاني هو سهولة الغرق في هذه العلاقات.
بالطريقة نفسها التي يجد فيها الكثير من الناس أنفسهم غارقين في حبّ أو كره شخصيّة خياليّة في أنمي أو رواية أو مسلسل، يغمر العديد من الناس عواطف جيّاشة عند متابعتهم للفيتيوبر المفضّل لديهم، وهذا ببساطة لأنّ هذه الشخصيّات تعمل بشكل مشابه، وتتفاعل في ما بينها بطريقة مشابهة للطريقة التي تتعامل فيها شخصيات القصص مع بعضها.
ببساطة، يمكن اعتبار الفيتيوبرز نسخةً متطورة من أنميات شريحة الحياة أو الدراما، أو حتى العروض المتلفزة الطويلة – Soap Opera، حيث تجري أحداثها بوقت حيّ ومباشر، ويمكن للمتابع التفاعل فيها مع الشخصيات والتأثير على سير الأحداث.
وهذا ليس سلبياً بحد ذاته، فكلّ عملٍ ترفيهيّ يهدف بشكل أو بآخر على إحياء شعور ما داخل متابعيه، لكن عندما يترافق هذا مع التفاعل المباشر بين الشخصية والمتابع، عبر الشات، يصبح الغرق ضمن دوامات العلاقات أحاديّة الطرف أكثر سهولة وأكثر خطورة.
ووجود هذه الإمكانيّة -أي وجود الشات بحد ذاته- يعني أن مجموعةً ممن سيميل لاستخدامها هم أشخاص يميلون سلفاً للوقوع في هذا الفخ.
لكن تبقى هذه الفئة برأيي محدودةً حتّى مع بنية المحتوى هذه في كثير من الأحيان، وما يجعلها تنفجر وتصبح أكثر خطورة هو طريقة تعامل صانع المحتوى مع المتابعين، لا بنية المحتوى بحدّ ذاته.
تصرّفات الصناع:
شخصياً، أعتبر الطريقة الأسلم التي يمكن للصانع فيها أن يحدّ من تفاقم العلاقات أحاديّة الطرف بينه وبين المتابعين هي الصراحة والمباشرة، كما في كلام Ludwig في هذا السياق، لكن بسبب الطريقة التي يعمل فيها وسط الفيتيوبرز، ووجود تعطيل الاستنكار والهروبية والانغماس، يصعب على صناع المحتوى اتباع ذاك التوجه.
وأيضاً للعلاقات الأحاديّة الطرف تأثير إيجابيّ على الصانع، ولا يرغب الكثير منهم بهدم هذا النوع من العلاقات أصلاً، بل يضعونها ضمن أهدافهم ويركزون على تغذيتها.
هذا التأثير الإيجابي لا يقتصر على النفع الماديّ الذي يعود على الصانع من اهتمام هؤلاء المتابعين، بل يمتد أيضاً للتأثير النفسيّ، الشعور بأنهم مرغوبون، رغبتهم بالسيطرة والتحكم بحياة المتابعين.
الحديث هنا لا علاقة له بالكاريكاتيور المضخّم عن الشخصيّة التي يرسمها الفيتيوبر لنفسه، ولا علاقة له بلعبة القطّ والفأر التي يلعبها الصنّاع مع متابعيهم في الشات للحفاظ على انتباههم وإبقاء التفاعل بينهم حيّاً، فهذين رغم غرابتهما للناظر من الخارج، لا تأثير سلبي يذكر لهما على المدى الطويل، وكل الأطراف الداخلة في هذا التبادل تفهم اللعبة تماماً وتستمتع بها.
ما أقصده هنا هو انتقال الأمر من لعبةٍ ممتعةٍ إلى حديث جدّي، وهو خطّ مبهم يمكن للصانع أن يعبره دون أن يدرك ذلك – وفي “أوروها روشيا” صاحبة الصورة في بداية هذه الفقرة مثالٌ ممتاز على هذا.
تركيز روشيا على تجربة الحبيبة – GFE Girlfriend Experince في محتواها والتي تمثّل فيها دور الحبيبة للمتابعين والمتبرّعين للبث، مترافقاً مع مشاكلها النفسية، ونوع المتابعين الذين ينجذبون لهذا المحتوى، وطريقة تركيزها على استغلال هؤلاء المتابعين وايهامهم باهتمامها، وانهياراتها العصبية المتكررة بسبب العلاقة المرضية بينها وبين المتابعين، كل هذه النقاط جعلت روشيا تمتلك إحدى أسوأ مجتمعات المعجبين بين مجتمعات الفيتيوبرز.
يعتمد محتوى تجربة الحبيبة على مفهوم يسبق وجود الإنترنت أساساً، وهو مفهوم الدفع مقابل الحصول على رابطة عاطفية مع شخص آخر، وهو امتداد لمفهوم المرافقة – Escort الموجود على أرض الواقع ويمكن مقارنته أيضاً بمفهوم فتيات الكاميرات – Cam Girls من حيث المبدأ.
يستهدف هذا النوع من المحتوى الأشخاص الضعيفين نفسياً وعاطفياً، ويستخدم ضعفهم هذا في زيادة الكسب، ففي حالة روشيا على سبيل المثال، كانت أكثر الفيتيوبرز تلقياً للتبرعات وما زال رقمها القياسي في تلقي التبرعات غير مكسور حتّى الآن، وهذا بسبب اعتمادها على هذا النوع من المحتوى في تشجيع التبرعات.
هذا النوع من المحتوى، مترافقاً مع ظهور روشيا على أنها “آيدول” في شخصيّتها، يعني أنّ المجتمع المهتمّ بمحتواها يضرب كلّ نواقيس الخطر الممكنة، فهو يتابعها لأجل تجربة الحبيبة ويعاملها كآيدول تقليدية ويطلب منها أن تكون “عفيفة” وهي بالمقابل تجامل هذه التصرفات وتشجعهم عليها.
في المقابل، ينجح بعض الفيتيوبرز مثل آيرون ماوس – Ironmouse في رسم حدودٍ واضحةٍ لما يمكن للمتابعين التأثير فيه وما لا يمكنهم التأثير فيه، وتخاطبهم مباشرةً خارج الشخصيّة لنهرهم عن هذا النوع من التصرفات، وهذا ينفع في إبقاء المجتمع أكثر عقلانيّة بالمجمل.
هل يمكنك التفاعل مع مجتمع الفيتيوبرز دون أن تفقد عقلك؟
حسناً، هنا سأتحدث عن قناعاتي الشخصية بالكامل، وقد لا تكون هذه القناعات صحيحة بالمطلق أو صالحةً للجميع، لكن أردت تضمين هذه الفقرة كخاتمةٍ للمقال ولأذكر هدف كتابتي له أصلاً: شخصياً، لا أرى أن في وسط الفيتيوبرز بحد ذاته مشكلةً طالما فهمتَ تماماً الطريقة التي يعمل بها، وأردت الحصول منه على شيء معين.
الهدف الأساسي من المقال هو أن يكون مركزاً شاملاً لمن يرغب في فهم هذا الوسط، ليعرف عنه كلّ ما يلزم كي يكون قادراً على أخذ الخيار، سواء كان هذا الخيار هو المتابعة باهتمام زائد، أو المتابعة العاديّة، أو حتى تجنّب الوسط بالكامل.
شخصياً، أعتقد أنّ المتابعة العاديّة والتفاعل مع شخصيات الفيتيوبرز بحدّ ذاته ليس أمراً سلبياً بالمطلق، وهو وسيلة ترفيهيّة مميزة لم نكن لنحلم بالحصول عليها قبل سنوات.
يمكنني فهم انجذاب معجبي الأنمي والألعاب لهذا النمط من المحتوى، فهو يقدم إضافةً على ما يعرفونه سلفاً، ويضيف طبقةً إضافية من التفاعل بينهم وبين الشخصيات، وفي هذا نوع مميز من الترفيه والمتعة.
يمكنني أيضاً رؤية مستقبل لهذا النمط من المحتوى بين الجماهير خارج مجتمع الأنمي والألعاب في المستقبل القريب، فهو حالياً يعيش مرحلة نموّ وتوسّع، وما زال مجال التوسع أمامه كبيراً وغير مستكشف.
لذا لا أرى أن المتابعة بحد ذاتها -حتى متابعة البثوث وحسابات التواصل الاجتماعيّة ومتابعة التفاعلات بين الشخصيات- أمراً سلبياً بحد ذاته، طالما كنتَ واعياً بأن هذا مجالٌ ترفيهيّ، وأنّ هؤلاء الأشخاص وشخصياتهم التي يظهرون بها هم أناس يعملون في مجال الترفيه، وهدفهم هو تبادل المنفعة: أنت تحصل على متعتك من محتواهم، وهم يحصلون على الشهرة والأموال.
طالما أبقيت نفسك ضمن حدود هذه العلاقة، ولم تدفع باتجاه علاقة سامة أحادية الطرف، ولم تبحث في هؤلاء الصناع عن تعويض لعلاقة صداقة أو علاقةٍ عاطفيّة تفتقدها في حياتك اليوميّة، فالأمور على ما يرام، يمكنك متابعة الفيتيوبرز دون أن تفقد عقلك. وهذا ينطبق على كلّ وسطٍ فنيّ آخر.
في الختام
على غير المعتاد، سأنهي هذا المقال بطلبٍ من أي فيتيوبر عربيّ، موجود أو طامح للدخول في هذا المجال، أن يترك قناته في قسم التعليقات، فقد أحتاج للتواصل مع صنّاعٍ عرب وطرح أسئلة عن هذا المجال للتطرق لمواضيع مرتبطة بالوسط العربي للفيتيوبرز في مقالات أخرى.
لقد فتحت العمل بهذه الموضوع طبعاً بشكل مستقبل لان الدخول الى شركه صعب بالنسبه للعرب لكن سيكون رائع لو وجدت شركه تقوم باخذ العرب فقط و تفتح افاق لهم و للترويج لهم ايضاً
مقال ممتاز، تقدر تكتب مقال عن العاب الجاتشا الممزوجة بالعاب العالم المفتوح والاونلاين بما ان شعبيتها مكتسحة حاليا؟