لو قمنا اليوم بسؤال عشرة من متابعي الأنمي العرب ليقدموا لنا تلخيصاً حول أنمي ون بانش مان فإن سبعة من الأجوبة العشرة ستكون قريبة جداً من التالي:
“ون بانش مان هو أنمي كوميديا وأكشن يتحدث عن بطل خارق يدعى سايتاما يرتدي بدلة صفراء كرينجي، ويملك قوة إلهية خارقة لا يوجد لها سبب، يستطيع قتل جميع خصومه بضربة واحدة، الأنمي ممتع وفيه قتالات جميلة لكنه لا يملك قصة وتقييمه أعلى مما يستحق”.
نعم شكراً لك… للتو قدمت لنا أسوأ شرح ممكن لأنمي ون بانش مان، وأثبتت وجود أزمة حقيقية لدى الكثير من متابعي الأنمي وخصوصاً العرب في التعامل مع حقيقة أن ون بانش مان أكثر مما سبق بكثير، وأنه ليس ذلك الأنمي الذي تستطيع مشاهدته ودماغك على (وضع الطيران) كما يحلو للكثيرين وصفه.
بعد هذه المقدمة التي أبدو فيها وكأنني من فانز أنمي “إيفانجليون” وأريد تقديم محاضرة حول قدسية الأنمي في العصر الحالي، سأقدم بكل ما أستطيع من اختصار رأيي الشخصي حول الجوانب الرئيسية التي تجعل ون بانش مان كوميديا سوداء متقنة وأنمي يستحق تقييمه العالي بكل جدارة.
الباروديا: عزيزي شخصية الشونين، اختصر كلامك!
البارودي أو الباروديا (المحاكاة الساخرة) هي أحد أشكال الكتابة التي تقوم على السخرية والمحاكاة الساخرة لشخصيات أو مواضيع أو قصص أو أحداث أصلية أو أسلوب كتابي معين، البارودي كشكل من الكتابة قديم جداً، وكان قائماً على السخرية من شخصيات وأحداث حقيقية، لكن في عالم الأنمي فسيكون بالتأكيد قائماً على السخرية من شخصيات حقيقية أو شخصيات الأنمي الخيالية أو موضوعاتها أو الاثنين معاً، وأنمي ون بانش مان هو واحد من أفضل الأنميات التي شاهدتها من ناحية السخرية من موضوع أبطال الشونين التقليديين والتصنيف ككل.
إذ لطالما اعتدنا في الأنميات التي تدور حول موضوع البطولة والقدرات الخاصة أن البطل يتوجب عليه التعرض للضرب لعدة مرات، والمعاناة والبكاء والنحيب وربما خسارة العائلة والأحباب وخسارة الأطراف حتى (نعم ريفرنس إدوارد إلريك) ليصل تدريجياً إلى لحظة يصبح فيها الأقوى، لكن أهلاً بكم في ون بانش مان: بطل الأنمي هو الأقوى بدون منازع، شكراً لكم! كل ما يتطلبه الأمر هو 100 تمرين ضغط وبعض الكيلومترات من الركض يومياً! لماذا؟ لأن الأنمي هو عالم خيالي والكاتب يستطيع كتابة ما يشاء.. لم التعب والعناء لتحصل شخصيتي على القوة؟ سأمنحها القوة ببساطة شديدة.
ماذا عن الشخصيات الجانبية وقصصها الحزينة والمؤثرة؟ كل شخصية في أنميات الشونين بالتأكيد لديها قصتها الحزينة الخاصة بها، البعض فقد عائلته، البعض خسر من يحب، والبعض خسر جسده…
نعم أنا هنا أتحدث عن جينوس السايبورغ في الحلقة الثانية من الأنمي، جينوس لديه قصة شخصية شونين جانبية وسيحدثنا عن ماضيه وعائلته التي قتلت والطبيب الذي أنقذه بلا بلا بلا… سايتاما سيستمع لقصتك الجانبية التي تستغرق 20 حلقة فيلر في أنميات أخرى لكن شرط أن تختصرها في 20 كلمة فأقل!
ون بانش مان يجلب موضوع البطولة الخارقة والذي يعتبر علامة بارزة على أنك تشاهد أنمي شونين ليستخدمه في السخرية ليس فقط من أنميات الشونين بل من بيئة الكوميكس والأنمي بحد ذاتها، وعبر إنتاج قصة أنمي. إذا لم يكن هذا هو البارودي الممتاز فلا أعلم ما هو بالضبط!
الوجه الآخر: الكوميديا السوداء في ون بانش مان
بعيداً عن اللحظات التي يدفعك فيها ون بانش مان للضحك بشدة، التوقف للحظة والتأمل في قصة الأنمي سيجعلك تعيد النظر من جديد في وصفك لأنمي ون بانش مان، كنت ولا زلت مصراً على أن تصنيف الدراما يجب أن يكون ضمن تصنيفات أنمي ون بانش مان.
للحظات عديدة فإن ون بانش مان يستطيع قلب كل الجو الكوميدي في الأحداث إلى جو من الكوميديا السوداء، نعم أنا أضحك لكن على الألم الذي يتعرض له سايتاما ويشبه تجاربي في الحياة دون أن أنتبه لذلك… هنا سأتحدث عن الحلقة الأولى والأخيرة في الأنمي.
في الحلقة الأولى وبعد أن يقضي سايتاما بلكمة واحدة كالعادة على العملاق الذي اعتقد أنه الرجل الأقوى في العالم.. يعود إلى منزله الذي يعيش في وحيداً مثلي ومثل العديد ممن سيقرؤون هذا المقال، أثناء ذلك يطرح سايتاما المونولوج الأهم في الأنمي كله، سايتاما يحدثنا عن الضريبة الباهظة التي ستدفعها مقابل القوة العظيمة التي يملكها.. ضريبة مؤلمة جداً وهنا أقتبس من سايتاما “الخوف، التوتر، السعادة، الغضب.. لم أعد أشعر بأي منها” – “ربما قد خسرت شيئاً أساسياً بالنسبة للبشر؟”.
نعم سايتاما خسر مقابل كل تلك القوة المشاعر البشرية التي تجعلنا ما نحن عليه، الخوف من الخسارة، القلق من الفشل، السعادة عندما نحقق انتصاراً ما، والغضب حينما نتلقى الهزيمة، هل تذكرون أيام المدرسة ذلك الطالب المتفوق الذي كان لا يجد أي منافسة من أحد؟ عند التمعن في ذلك ستجد أنه كان أكثر من يتألم في الصف بينما كنا نوجه نحوه مشاعر الكره لاعتقادنا أنه الأسعد بيننا.
فلننتقل الآن إلى الحلقة الأخيرة، سايتاما يواجه البطل الأقوى على متن المركبة الفضائية التي هبطت على الأرض لتدميرها، “بوروس” الفضائي الذي أتى لمواجهة أقوى رجل على كوكب الأرض، سايتاما يشعر بالحماس من جديد، لأول مرة منذ أصبح الأقوى سيجد شخصاً يستطيع مواجهته كخصم وند حقيقي…
لكن لا! بوروس كغيره كل ما يتطلبه الأمر لكمة واحدة، بوروس كاد أن يدمر جسده في محاولة لإيذاء سايتاما، بوروس استجمع كل قواه لتسديد لكمة ترسل سايتاما إلى القمر، لكن في النهاية لم يحتج سايتاما أكثر من “لكمة جدية” ليقطع بوروس إلى نصفين…
المشهد والمقطع الموسيقي الرائع الذي يرافق تلك اللحظة يظهر بوضوح كمية الحزن الكبيرة التي يجدها سايتاما وخصومه على حد سواء، “لقد كنت قوياً جداً سايتاما”… لم يجد سايتاما أي جواب على كلام بوروس، فكلاهما يشعر بنفس الحالة من الخيبة.
بالتأكيد ضحكنا جميعاً على طريقة حياة سايتاما ومحاولاته الغريبة في توفير النقود وشراء أرخص الأطعمة لتناسب معيشته البائسة، نعم ضحكت بشدة عندما شاهدت ون بانش مان للمرة الأولى في عام 2015، لكنني اليوم أعايش نفس حالته، وعندما أشاهده من جديد أشعر وكأن ون بانش مان يتحدث عني وعن كل شاب عشريني يعيش وحيداً، باستثناء موضوع القوة الخارقة فإن ون بانش مان يضع أصبعه على الجرح حينما يتعلق الأمر بالعيش وحيداً وتصلب المشاعر وربما فقدانها نهائياً كنتيجة لذلك.
هناك أنميات تقدم بارودي ممتاز وتسخر بشكل ذكي من الأشياء المبتذلة التي تقدم في بعض الأنميات، وهناك أخرى تقدم كوميديا سوداء مميزة لتحاول استخراج الضحكة من التجارب المؤلمة، وهناك ون بانش مان، الأنمي الذي يقدم لك كل ذلك بالإضافة إلى مشاهد قتال أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مذهلة.
العبقري “ون”
“ون” والذي بحثت مطولاً عن اسمه الحقيقي دون فائدة، هو الكاتب رسام المانجا الذي يقوم على رسم الويب كوميك الخاص بون بانش مان، حيث تتم إعادة رسم هذا الكوميك من قبل رسام محترف هو يوسوكي موراتا في مانجا ون بانش مان.
لا نحتاج أكثر من نصف ثانية لندرك أن “ون” رسام كارثي وهو يعلم ذلك، لكن الأهم هنا هو أنه كاتب كوميديا عبقري برأيي الشخصي، لأنه ببساطة شديدة استطاع تحويل حياته الشخصية إلى سلسلتي مانجا رائعتين هما “ون بانش مان” و “موب سايكو 100”.
الويب كوميك الخاص بون بانش مان رغم نجاحه الكبير إلا أنه لا يدر أي أموال على “ون” الذي سبق وكتب على موقعه على الإنترنت أنه يرسم المانجا “للتسلية فقط”، نعم هو نفس شعار سايتاما البطل للتسلية فقط.
جميع المشكلات التي يعاني منها سايتاما مثل أزمة منتصف العشرينات التي يبدو بوضوح أنه يعاني منها، تبلد المشاعر، الوضع الاقتصادي السيء، جميعها هي مشكلات يعاني منها “ون” في حياته الشخصية، وما هي أفضل طريقة لمواجهة هذه المشاكل؟ نعم كتابة أنمي ممتاز مثل هذا.
هنا سأنوه لأنمي ومانجا أخرى تملك برأيي ارتباطاً كبيراً بأنمي ومانجا ون بانش مان، وهي موب سايكو 100، أنصح بشدة لمشاهدة هذا الأنمي، الذي أعتبره من أفضل 5 أنميات في السنوات الثلاث الماضية بدون أدنى شك.
موب سايكو 100 هو أكبر دليل على الامتياز الكبير في الكتابة الذي يملكه “ون” حين يتحدث عن مشاكل المراهقة والبلوغ والحيرة بشأن المستقبل، نعم تلك المشاكل التي مررنا بها جميعاً ولكن عبر تغليفها بقصة مليئة بالقوى الخارقة وصراعات الخير والشر واللحظات الكوميدية المضحكة والسوداء على حد سواء.
ختاماً، فإن “ون” ككاتب استطاع تلخيص مرحلتين من أصعب مراحل الحياة وهما المراهقة والبدء بحياة الكبار كما يمكن أن ندعوها عبر تحويل نفسه إلى شخصية بطل خارق مثل سايتاما و موب وجعلنا جميعاً ننتمي لتلك القصص لأننا جربنا جزءاً منها في حياتنا العادية، دون نسيان حصتنا التي نستحقها من قتالات الأنمي وبذلات الأبطال الكرينجي.
لن أطيل أكثر مما سبق، لكن هذا الرأي الشخصي في أنمي ون بانش مان، هو طلب لإعادة مشاهدته من جديد، والتركيز في كل التفاصيل التي تحدثت عنها، والتأكد من أحقية ون بانش مان بتقييم لا يقل عن التقييم الذي يملكه في مواقع تقييم الأنمي، لكونه أكثر بكثير من مجرد أنمي بارودي تقليدي، بل لأنه أنمي يخلط بين الكوميديا والدراما والقتال ضمن نص متقن بشدة، بعيداً عن خرافات مثل أن تصاميم الرسوم والتحريك المتميز هو من أنقذ أنمي ون بانش مان.
اقرأ أيضاً:
ابدعت اخي الكريم
شكراً لك 🙂
ربما من هنا جاء ابداع ون من كونه يرسم المانغا للتسلية فقط مثلما يفعل سايتاما كونه بطل للتسلية فقط … على العموم منذ اول مرة شاهدت فيها انمي سايتاما أعطيته التقييم العالي الذي يستحق بل وأكثر من ذلك الأنمي عندما بدأت بمشاهدته كان منته ولكنني لم أرغب بمشاهدة حلقاته دفعة واحدة كما يفعل الكثير من مشاهدي الأنمي بل رغبت حقا باعطاء كل حلقة حقها من المشاهدة والاستمتاع بكل ثانية منها بل وكنت اعيد بعض المشاهد وهذا ليس غريب عن هذا النوع من الانميات الرائعة … أيضا بعض المشكلات التي يعرضها كانت تمسني بشكل مباشر على الرغم من أن هذا غريب أعلم ?? أنا أيضا أشاهد الأنمي من أجل التسلية فقط ?
تعليق جميل! نعم رغم كون ون بانش مان قصة عن الأبطال الخارقين إلا أنها في كثير من الجوانب قصة واقعية وتمس الكثيرين، هذا يعود بكل تأكيد لتميز خاص جداً في الكتابة