مقال من طرف صديقة الموقع Shahd Al-ani
مكانس تطير وبطلة حمقاء، هذا ما يبدو نمطياً جداً في دراما السحر المعتادة، لا سيّما إن كانت الرسوم طفولية، وهذا ما يعيدنا إلى مسلسل قديم شاهدناه جميعاً في طفولتنا هو (دروبي مع دو ري مي). ستخطر على بالنا هذه الأمور عندما نسمع بأنمي little witch academia لكن ما لفت انتباهي هو التقييم العالي الذي حصل عليه فقررت تجربته.
بالطبع التقييم ليس مقياساً، إنما إذا ما أخذنا بالاعتبار الأنواع التي تحصل على تقييم يتجاوز الـ 8، وهي إما مسلسلات نفسية أو فلسفية أو مسلسلات تجارية غالباً ما يكون الايتشي جزءاً من تصنيفها، أو قد تكون دراما رومانسية، إلا أن أكاديمية الساحرة الصغيرة Little Witch Academia ليس نوعاً من المعتاد على أن يحصل على تقييمٍ عالٍ كهذا، فهل يستحقه؟
برأيي، ارى أنه استحق فعلاً هذا التقييم، وما كنت لأُعطيه أقل من ذلك، فقد قدم مغامرات ممتعة وكوميدية خالية من الابتذال، بالإضافة إلى احتوائه على أفكار رائعة تستحق التأمل، وهذا تحديداً ما سأناقشه هنا.
أن تكون محباً لأنمي مثل ديث نوت أو سايكو باس، ربما سيجعلك تنظر باستصغار لأنميات مثل Little Witch Academia. وستحكم عليه بأنه مجرد مسلسل مغامرات للفتيات الصغار، وهذا ما حدث معي، الباحث عن الأفكار سيرى في أنمي كهذا مجرد تسلية بسيطة، إلا أنني غيرت رأيي بعد مشاهدته كاملاً، ورأيت أنه يحمل أفكاراً عظيمة يجب عدم إغفالها.
يدور الأنمي حول السحر، والسحر مرتبط بالأحلام وجعل كل شيء ممكن، لكن هنا لا يوجد ذلك، والسحر هو مجرد شيء قديم لم يعد أحد يهتم به بسبب التطور العلمي. إلا أن هذا ليس الفكرة الرئيسية، بالطبع هي الفكرة المرئية الأولى، لكني أرى أنه أنمي يدور حول “الاضطهاد” و”التنمر الفكري” و”العنصرية“! وهكذا فإن السحر هنا ليس عالماً وردياً، فهو يجول ضمن دوائر من العنف الفكري سواءً أكانت من خارجه أو من داخله.
أين رأيت الاضطهاد والعنف الفكري في Little Witch Academia ؟
في البداية تنضم آتسكو كاغاري –وهي بطلة الأنمي- إلى مدرسة لونا لوفا العريقة للسحر وذلك لأن قدوتها (شاريوت) درست فيها. أول ما تواجهه آتسكو هو العنصرية الموجهة ضد السحرة الذين ولدوا من أشخاص عاديين، وعدا السخرية، تواجه أيضاً عدم تقبل المعلمات في المدرسة لجهلها التام في السحر، فقد اعتادوا على بنات عائلات السحرة اللواتي يعرفن الكثير مسبقاً.
هذا اضطهاد تام للمبتدئين، ونراه في الحياة الواقعية، إن دخلت مدرسة فن أو ما شابه فإن أحداً لن يغفر لك جهلك بما يعرفوه قبلك بسبب ظروفهم التي ساعدتهم على ذلك. بالطبع تواجه آتسكو كل ذلك بتعثر ثم نجاح كون الأنمي لا يحمل طابعاً سوداوياً.
أيضاً هناك اضطهاد “النخبة“. عندما تصرح آتسكو بإعجابها بشاريوت التي كانت تقدم عروضاً سحرية مميزة للمتعة، تتفاجأ بأن شاريوت ليست محبوبة في عالم السحرة، إذ إنهم يعتبرونها أهانت السحر وقدمته بابتذال، هذا الحكم يؤثر على اتجاهات المبتدئين، ويجعلهم يتجنبون أموراً كهذه كي لا يظهروا بشكل مبتذل كما يحكم عليهم المجتمع، وضحية هذا الحكم هي ديانا كافينديش، ابنة أحد أعرق عائلات السحرة، والتي لم تستطع أبداً أن تصرّح بحبها لشاريوت كون مركزها لا يسمح بذلك.
ما سبق يمكن رؤيته بشكلٍ واضح في المجتمع، إلا أن هناك أمراً آخر لفت انتباهي، وهو كون مدرسة السحر للفتيات فقط، وكل الساحرات من النساء، بينما المدرسة التي يدرس فيها (كارهي السحرة) هي للذكور فقط. أي إن السحر هنا “المرفوض من المجتمع الحديث” هو ممارسة أنثوية بالكامل، وهذا الفصل الجذري يُحيلنا إلى الهوَّة بين ما تهتم به الأنثى وما يهتم به الذكر، وفرض المجتمع اهتمام الذكر في المرتبة الأولى وإزاحة الأنثى، على الرغم من قدرة السحر (الفعل الأنثوي) على المساهمة في المجتمع، إلا أن الحكم العنيف عليه جعله يضمر ويتراجع ويعجز عن المشاركة. ولا أقصد هنا العنف الجسدي، بل العنف الفكري، والأحكام القاسية.
كيف يمكن تجاوز دوائر الاضطهاد المختلفة هذه؟ في الحقيقة كانت فكرة أن تكون آتسكو قادمة من اليابان إلى هذه البلاد الغريبة هي قاعدة تسمح لها بتجاوز كل هذا، فآتسكو لم تتعرض لهذه الأحكام ولم تساهم في بناء السلبية لديها، إنها نقية وعفوية بالكامل ولم تبنى فوق إيمانها أياً من هذه الأحكام. بهذا التحرر تستطيع تجاوز هذه الأحكام حتى تلغيها وتعيد للسحر مجده، هي التي لا تحمل دم السحرة وتحب عروض شاريوت المهينة للسحر!
هذه الأحكام نمارسها نحن أيضاً على أنمي مثل هذا، فكل ما هو كوميدي، أو للفتيات الصغيرات محكومٌ عليه بأنه أدنى مرتبة ولا يستحق الألتفات إليه. علينا أن نشاهد Little Witch Academia بقلب مثل قلب آتسكو، لا تأسره الأحكام وبهذا فقط نستطيع أن نستمتع بالأنواع المختلفة من الأنمي.