فينيسيوس يسأل:
أنا معجب كبير بـمسرح تحف العالم، وهو مجموعة مسلسلات أنمي اقتبستها Nippon Animation حيث تقتبس كتاب كلاسيكي كل سنة من عام 1974 إلى 1997 ومن ثم من 2007 إلى 2009. هذه المسلسلات ركزت بشكل رئيسي على المشاكل الواقعية؛ الشخصيات عرضت وهي تفعل أشياء عادية وغير مهمة كالروتين اليومي، وواجهت العديد من المحن التي يمكن ربطها بالواقع بما أنها كانت أشياء عشناها في حياتنا أو رأيناها كأشياء ممكنة الحدوث. كما أنها لم تكن نوعًا من الهروب من الواقع كأغلب الأنميات (أو هذا على الأقل ما أعتقده). وأريد أن أعلم؛ لِمَ تعتقد أن أنميات كهذه أصبحت نادرة الوجود ؟
الحقيقة المرة هي أن عدد قليل من الناس يريدون سلاسل مثل مسرح تحف العالم. هذه حقيقة في الغرب، وفي هذه الأيام أصبح حقيقة في اليابان.
مسرح تحف العالم كان عددًا كبيرًا من العروض أنتجها استوديو Nippon Animation وعرضت أغلبها على قناة فوجي من سنة 1969 حتى ألغيت سنة 1997. خلال عقود عرضه، تبنى مسرح تحف العالم أدب الأطفال الكلاسيكي من البلدان الغربية، مثل مغامرات بيتر بان و الفتى النبيل و بوليانا و فلونة. أمتلكت السلسلة اسماءً عديدة خلال السنين، ولكن مسرح تحف العالم (Sekai Meisaku Gekijō 世界名作劇場) كان اسمًا جامعًا وأصبح تعبيرًا دارجًا، كما أن البعض لا يعتبر العروض التي سبقت استلام Nippon Animation للسلسلة جزءًا منها، وبالتالي يعتبرونها بدأت منذ 1974.
من الصعب المبالغة في تأثير مسرح تحف العالم على الأنمي في اليابان. كانت مشاهدته إلزامية تقريبًا على الأطفال الذين نشأوا في نهاية السبعينات وفي الثمانينات. عروض مثل بائع الحليب و وداعًا ماركو و هايدي تعتبر ذاكرة جماعية ضخمة للبلد، وقد أعيد عرضها لعقود. العديد من إنتاجات مسرح تحف العالم كانت أساسات ضاربة للأنميشن عند هاياو ميازاكي و ايساو تاكاهاتا و يوشيوكي تومينو و تويو اشيدا والعديد من الأسماء الجديرة بالملاحظة في تاريخ الأنمي.
التقدير لهذه العروض خارج اليابان كان ضعيفًا. حاول تلفاز فوجي بفعاليّة بيعها للعرض في الأسواق الخارجية. بعض العروض أصبحت مشهورة جدًا في البلدان الأوروبية وفي أمريكا الجنوبية (وكذلك العربية)، ولكن أغلب الحلقات ” الجيّدة ” كانت حزينة جدًا، وعادةً فيها أطفال يعانون من الجوع والفقر المدقع. بالإضافة إلى أن كل القصص كانت متسلسلة وبطيئة التقدم. الرسوم لم تكن مبهرجة، ولكنها كانت أنميات صنعت بمهارة بميزانية تلفازية من السبعينات.
دُبلجت ثلاث مسلسلات فقط للمناطق المتحدثة بالإنجليزية، اثنان منهم دبلجتهم “Saban Entertainment ” قبل عقود، وهي مغامرات توم سوير و فتيات وأمنيات و فلونة. هذه الدبلجات مازالت تعرض من حين لآخر على القنوات الأرضية، شاغلةً بعض الأوقات الفارغة في قنوات مسيحية. دبلجت أيضًا شركة Animax بعض المسلسلات الأخرى للإنجليزية لمنطقة جنوب شرق آسيا. ولكنها لم تحصل على الإعجاب من مجتمع المعجبين. لم يصدر أي منها على أشرطة الفيديو، عدا بعض الأشرطة تجمع فيها كل أربع حلقات في حلقة طويلة أصدرت في الثمانينات. أغلب جهود المعجبين لترجمة هذه العروض خلال السنين انتهت كمشاريع هُجِرت لقلة الاهتمام.
في الجانب العربي كان هنالك اهتمام بالغ بتلك الأعمال لما تحمله من معاني إنسانية راقية، فمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية قامت بدبلجة فلونة و مغامرات توم سوير (قام مركز الزهرة بإعادة دبلجته لاحقًا)، و مركز الزهرة الذي تولى القسم الأكبر حيث دبلج خلال مسيرته أسرار المحيط و عهد الأصدقاء و دروب ريمي و البؤساء، شما في البراري الخضراء تمت دبلجته من غلوري بروديكشن، و قصة حنان تمت دبلجته من استديوهات انتر ساوند، شركة الشرق الأردني دبلجت سالي، و استديوهات المركز العربي دبلجت صاحب الظل الطويل، و استديوهات عبر الشرق دبلجت مغامرات نوار، استديوهات شمرا دبلجت وداعًا ماركو، أما الشام الدولية فدبلجت راسكال و بائع الحليب.
في التسعينات كان الإمتياز قد بدأ بالتضاؤل في اليابان أيضًا. عروضه الأخيرة أسرار المحيط و عهد الأصدقاء و الكلب المشهور لاسي لم تكن بنجاح العروض السابقة. دروب ريمي الذي كان إعادة كتابة لرواية “Sans Famille” لهيكتور مالوت (اقتبسه أوسامو ديزاكي من استوديو TMS لأنمي سنة 1978 تحت العنوان العربي ريمي الفتى الشريد) وغُيِّرَ فيها جنس الشخصية الرئيسية، كان سيئًا لدرجة أن الامتياز ألغي في النهاية. في ذلك الوقت كان الأطفال اليابانيون مهتمون أكثر بكثير بشونين جمب و الفتيات الساحرات بينما كان الأطفال الأوروبيون يعانون ببطئ على مدى 52 حلقة.
في حقيقة الأمر، مسرح تحف العالم كان منتجًا من أراء اليابانيين في مرحلة معينة من التاريخ. من جيل جاء بعد دمار الحرب العالمية الثانية، الفقر والمعاناة التي جاءت بسبب هزيمة اليابان كانت أخيرًا شيئًا لا يتذكره سوى الآباء. أطفال تلك الفترة نشأوا براحة بال نوعًا ما، والآباء أرادوا قصصًا تذكر أبنائهم بالنعمة التي هم فيها. قصص خشنة عن المثابرة وعن النجاة بسبب الروابط الأسرية وروابط الصداقة. هذه القيم التي تزرع حين النشوء أثناء الحرب، وكان يأمل البالغون أن تنتقل لأطفالهم. في نفس الوقت، كانت فترة التطور السريع لليابان قائمة، لوقت طويل طورت البلد إحساس كبير بالفضول (قد يقول البعض أنه عقدة نقص) تجاه العالم الغربي. قصص مسرح تحف العالم كانت مزيج متكامل من كل ذلك؛ قصص مفيدة في العالم القديم عن التغلب على الصعاب، مع عجائب كونك في أراضي غربية بعيدة.
تم إحياء مسرح تحف العالم لسنوات قليلة بين 2007 و 2009، لكن فقط على القنوات التلفازية، أكثر قصتين محبوبتين منه كانت بائع الحليب و وداعًا ماركو، أعيد إنتاجهما كأفلام طويلة في نهاية التسعينات. لكن الأنمي في هذه اللحظة، وبالطبع اليابان بشكل عام قد تخطت ذلك. لم يعد اليابانيون يبحثون عن دروس في الإنسانية والمثابرة التي عبأت جيل مابعد الحرب، عدد كبير من المعجبين البالغين أرادوا الخيال والهروب من الواقع. بدأت الصناعة أيضًا تعتمد أكثر على الأسواق الخارجية لتدعم ميزانياتها، وهذه العروض لا تعجب الأوتاكو ولا الأجانب. ببساطة لم يبقَ أحد ليتابع عروض كهذه.
المصدر : What Happened To World Masterpiece Theater And Shows Like It?