المانجا القصيرة المُنشئة من قبل الهواة (fan-made manga) أو كما تُعرف أيضا بـ”الدوجينشي” هي مسألة جدُّ ضخمة تُحيطُ بجمهور الأنمي والمانجا باليابان. يُعدّ معرض كوميكت الذي يُقام بطوكيو هو الأضخم من نوعه على مستوى العالم بإحتضانه للدوجينشي مرتين كل سنة بحظورٍ يبلغ عدده أزيدَ من نصف مليونٍ في كل مرة، وهو ما يقارب أربعة أضعاف عدد الحظور لمعرض أنمي ايكسبو، يكتسي الدوجينشي بشتى المواضيع المختلفة، منها ماهو أصليُّ الإبتكار، ولكن مُعضمها ألا وهي ذات الشعبية الأكبر هي تلك القائمة على إبداعات الهواة في الإستوحاء، أكوامٌ منها مستوحى من الأنميات، القديمة منها والحديثة، فضلًا عن المانجا وألعاب الفيديو والأفلام والمسلسلات التلفزيونية…الخ، يوجد من الدوجينشي لكلا سلسلتي هاري بوتر و Supernatural مالا يحصى ولا يُعد، حتى أن مسلسل الرسوم المتحركة الأمريكي ساوث بارك نال حصته من الدوجينشي، مع هذا تبقى البذيئة منها (ذوات تصنيف الهينتاي) صاحبة الإطلالة الأكبر.
الدوجينشي ليس بشيئٍ حديث العهد، فقد مضى على تأسيس معرض كوميكت ما يقارب 43 سنة، صنع من خلالها لنفسه سمعة من ذهب لدرجة أن الجميع يعلمون بشأنه ويحلمون بالحضور فيه. إستهلّ العديد من المانجاكا الذين لم تتجاوز أعمارهم الأربعين أو نحو ذلك بداياتهم بالعمل على الدوجينشي، كما أن بعضًا من المانجاكا البارزين في الساحة لايزالون يرتادون على عالم الدوجينشي من حينٍ لآخر، خصوصا عندما يرغبون في العمل على مانجا دون خوض عناء التعامل مع المحررين أو الخضوع لمطالب الناشر. كيوهيكو أزوما و كين أكاماتسو و يوشيتوشي أبي وغيرهم قد قاموا بالعمل على دوجينشي بعد ما كسب كلٌ منهم اسمًا لنفسه في الساحة كمحترفين. سيكون من السذاجة ألا يتوقع أي مانجاكا محترف قد مضى على عمله عشرين السنة أو أكثر فيضًا من الدوجينشي التي تتضمن شخصياتهم وهي منغمسة في شتى أنواع الهينتاي التي يخرق بعضها قوانين الفيزياء، لكن لا يهم طالما ستلقى إقبالا. لطالما كانت الإثارة الجنسية جزءا لا يتجزأ من الدوجينشي، ماعدا جزئية الفوجوشي(1) التي تُعتبر شيئا جديدا نسبيا على الدوجينشي، إلا أنها ليست كذلك على ساحة المانجا المُرخصة. إذ يمكن من حين لآخر أن تلمح إيحاءات للفوجوشي في بعضٍ من المانجات الرسمية، فهي باتت كالنعمة على سوق الشونين، حتى أن بعض المانجاكا يصوب مباشرة نحو علاقة حب صارخة بين فتيان بهدف كسب إسترضاء المتابعين (ولما لا وإرضاء نفسها/هِ أيضا).
يُعدّ الدوجينشي خرقًا للقانون، فهي بطبيعة الحال إنتهاكٌ لحقوق التأليف والنشر، إلا أنه في العادة لا يُنظر إليها سواءٌ من قبل المؤلف أو الناشر على أنها تُمثل إشكالاً من أي نوع، فمعظم المانجاكا لا يعلّقون بشأنها. قد ينتاب بعضهم الإستياء حول كيف أنه تم توظيف شخصياتهم بتلك الطريقة، لكن لا يفصحون عن مشاعرهم، على عكس ما فعله السيد هيدياكي أنو مؤلف Evangelion في أحد المرات، حيث أبدى رفضه على كم الأشخاص الذين يستمتعون بجمع شخصيتي شينجي و كاورو في علاقة حب، إلا أنه لم يذكر أيّ دوجينشي على وجه التحديد. وقد تجد البعض يُعجبُ بتنوع أساليب الرسم، وبعضهم الآخر يظن أنه من المضحك اعتباره أصًلا كموضوع نقاش. لكن بشكل عام، هنالك إجماع في الرأي أن الدوجينشي ليست بالمسألة الضخمة التي تستحق إعارة الإهتمام، فهي بالكاد تسبب لهم الأذى، إذ أن أصحابها لا يرمون إلى بيع أكثر من بضع نسخ. كما يعتبر بعض المانجاكا أن وجودها كعلامة على أن لأعمالهم قاعدة جماهرية كبيرة كفاية ليفكر البعض في إستوحاء دوجينشي منها، وأن تضييق الخناق سيعود عليهم بالمضرة أكثر منها منفعة.
بيْد أن هذا ليس إعتقادا سائدا. فقد رفعت شركة نينتيندو سنة 1999 دعوى قضائية ضد مؤلفٍ لبعض دوجينشي الهينتاي لبوكيمون، تأتى على ذلك مجموعة من الإعلانات الهَدّامة وتصريحات وسائل الإعلام اللاذعة حول مدى إدراكهم للتجاوزات القانونية التي تحدث من حولهم. كما أرسل أذِمَّة(2) الراحل السيد فوجيكو اف. فوجيو رسالة تحذيرية لمُنشئ دوجينشي سلسلة دورايمون الذي قام بإبتكار نهاية للقصة عبر نشره لما دعاه بـ”الفصل الأخير” والذي انطلى على عدد كبير من المتابعين وذلك يعود للمظهر الخارجي الذي اعتمده والمشابه بشكل كبير لما اعتادت مُجلدّات دورايمون الأصلية أن تكون عليه. لم يطل الأمر حتى قدم المُنشئ اعتذاًرا، كما أنه أوقف نشر الدوجينشي إضافة لإرساله طوعًا الأموال التي تلقاها منها إلى الناشر الرسمي. فقط هاتين الحالتين هما المعروفتان على نطاق واسع لإجراءات قانونية تم اتخاذها ضد توزيع الدوجينشي.
ومع النمو الهائل والمستمر لسوق الدوجينشي، أعربت بعض الشخصيات في قطاع الأعمال عن اعتقادها بأن السعي نحو كبح ماهو يشكل إنتهاكًا فاضحًا لحقوق التأليف والنشر مع بسط بعض السيطرة قد يكون فكرة سديدة. أحد هذه المساعي هي “علامة الدوجين” وهي عبارة عن رَمزٍ يمكن للمانجاكا المُحترف وضعه بالمانجا خاصته كدلالة على أنه لا يمانع من وجود الدوجينشي بالساحة طالما أنه لا يتم توزيعها رقميا. تم إنشاء هذه العلامة قبل بضع سنين من قبل الفرع الياباني للمُشاع الإبداعي(3)، تتبعها قاعدتان أساسيتان وهما كالآتي: لا يُسمح بتباع أو نسخٍ مباشر لأي من الرسمات الفنية الأصلية و على الدوجينشي أن يُباع فقط في المعارض كمعرض كوميكت وما شابه (يمكن ضمّ بعض الصلاحيات الإضافية، مثل إمكانية التوزيع الرقمي وتخويل البيع بالمحلّات عبر إضافة ملاحظة بجانب الرمز). العلامة بمثابة رخصة بموجبها يمكن مزاولة العمل على الدوجينشي طالما تحترم القواعد، رغم أنها لا تُطبق أي شكلٍ من الأشكال العقوبات على من لا يعمل بها، إلا أنها على الأقل تضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بما يمانع أو لا يمانع تواجده المؤلف الأصلي. لا تُسلّط علامة الدوجين أيّة قيود على محتوى الدوجينشي وهو إلى حدٍ كبير ما يُنظر إليه كتفويضٍ مطلقٍ(4) لإطلاق العنان لرسم شتى أنواع الهينتاي.
الدوجينشي هو جزء بارز جدا بين متابعي الأنمي والمانجا في اليابان، أكثر بروزا حتى من الكوسبلاي من عدّة نواحٍ. وجودها بات أمرًا طبيعيا للغاية لدرجة أن لا المؤلفين المحترفين ولا الناشرين يُعيرانها إهتماما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الفوجوشي / 腐女子 / fujoshi: هو وصف يُطلق على الفتيات اللواتي ينجذبن لكل ما يخص حبّ الفتيان.
2) أذِمَّة: من عُهدت إليهم المُمتلكات بعد موت مالكها.
3) المُشاع الإبداعي: هي منظمة غير ربحية في الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى توسيع مجال الأعمال الإبداعية المتاحة للناس لاستغلالها والبناء عليها على نحو يتوافق مع متطلبات قوانين الملكية الفكرية (ويكيبيديا)
4) التفويض المطلق : الحرية المطلقة في التصرف.