جزء من مقابلة مع المخرج العظيم مامومرو أوشي عام 1995 وحديثه عن ميازاكي سان وتاكاهاتا سان.
نبذة بسيط: المخرج Momoru Oshii هو من أخرج عدة أعمال مثل Angel’s Egg و Urusei yatsura 2: Beautiful Dreamer و Ghost in the Shell.
المرساة، المشروع المشترك الذي لم يتحقق
قابلت ميا-سان (هاياو ميازاكي) للمرة الأولى عام 1983 من أجل مقابلة في مجلة أنيميج. كان ذلك بعد أن انتهيت من إخراج فلمي الأول، لقد كان أشبه بالإله. أول عمل شاهدته لميا-سان كان “كونان ذا فيوتشر بوي” (عدنان ولينا)، كان العمل يُعرض عندما انضممت كمخرج لـتاتسونوكوبرودكشن وكنت معجبًا جدًا به، وشعرت بأنني سأُقابله يومًا ما لكن ذلك كان أقرب ممّا تصورت، وهذا ما جعلني متوترًا للغاية.
انطباعي الأول عنه كان أنه شخص طيبٌ للغاية، لكن عندما تشتد المحادثة يصبح قاسيًا ويبقول أشياء قاسية للغاية -يضحك-. انتهى اللقاء بانطباع كـ”يا له من سافل”.
إنه نشيط بشكل لا يُصدق، اعتقدت أن وجه الشبه بيننا أن كلانا حاد ويتحدث كثيرًا، الأمر ذاته مع تاكاهاتا-سان، إن الأمر أشبه بأن من يتحدث أكثر يفوز. لم يكن هناك مجال للثرثرة بيننا، كنا دائماً في محاولة مستميتة لإقناع بعضنا الآخر، -يضحك- لقد كان الأمر مرهقًا حقًا. شخصيًا أعتقد بأنني فزت بنسبة 50%. أصبحنا أكثر انشغالاً هذه الأيام فلذلك لا نستطيع أن نجتمع أكثر من مرة في السنة، لكن عندما نلتقي فإن الأمور في النهاية تنتهي على هذه الحال.
كان تاكاهاتا-سان يعمل في نفس المكان مع ميا-سان وكثيرًا ما كنت أقابله وكنا نتحدث من وقت لآخر. كان هناك مشروع كنا نحن الثلاثة بصدد العمل عليه، أعتقد بأنه كان بعد فلم بيضة ملاك(1985)، لقد كان مشروعًا لجيبلي يُدعى المرساة(Anchor). أعتقد بأن ميا-سان كان سيكون المنتج، وكنت سأكون المخرج، وسيكون تاكاهاتا- سان منتجًا أيضًا. كنا نحن الثلاثة نعمل معاً حتى أننا كتبنا القصة، لكن ذات ليلة حصل خلاف كبير وتركت المشروع.
قد يبدو تاكاهاتا-سان أنه يُحب الجدال أيضًا ويحب إقناع الآخرين لكنه مختلف للغاية من الداخل، ميا-سان لديه جانب لطيف، لكن في النهاية مبدؤه الرئيسي هو “ما هو جيد فهو جيد، حتى وإن كان غير منطقي”. في حالة تاكاهاتا-سان فهو شخص ثابت، إنه منطقي. سمعت أن ياسو اوتسكا-سان(أحد الرسامين الذين عملوا مع تاكاهاتا) قال ذات مرة بأن تاكاهاتا-سان هو المنطق على قدمين، وأنا المنطق راكباً على دراجة -يضحك-.
أعتقد بأنني سأكون قادرًا على العمل مع تاكاهاتا-سان بشكل أفضل(من ميا-سان)، لكنني أميل أكثر لـميا-سان في ناحية صناعة الأفلام. أشعر بأن جزءًا من تاكاهاتا-سان باردٌ قليلًا، يبدو كشخص لا يتأذى أو يشعر بالفشل أساسًا. هو لا يقول ما يريد قوله عندما يكون في الواجهة مثلما يفعل ميا-سان، يبدو شخصًا هادئاً، لكنه يتغير تمامًا عندما يطرأ أمرٌ ما. كما لو أنه أصبح شخصاً مختلفاً تماماً. عندما يرفض شخصًا ما، عندها يقوم بإنكار كل شيء يتعلق بذلك الشخص بما في ذلك شخصيته، أعتقد بأنه يُمكن اعتباره ستانليني -يضحك-. ميا-سان يبدو كتروتسكي، لكن بالنسبة لي فكلاهما (أوجيسان) من جيل اتفاقية أنبو في الستينات. ولديهما ميول مخيفة جدًا، خصوصًا عندما يقومون بإخافة الموظفين الشباب. الأمر يختلف تماماً عندما يبتسمان في حياتهما اليومية الطبيعية، لديهما شخصيات مختلفة تمامًا عندما يعملان على مشروع ما.
استديو جيبلي كـ”الكرملين”
باختصار، كما كنا نقولها في الستينات، الغاية تبرر الوسيلة. أظن بأن صناعة الأفلام بالنسبة لهما ما تزال بطريقةٍ ما امتدادًا للحركة النقابية، وضع الاستراتيجيات، تنظيم الناس، والتخلص من الخونة. هنالك التحريض والترهيب والخصائص الموجودة في أي حركة شعبية. ببساطة، هو تنظيم شامل لتنفيذ إرادة القيادة العليا.
أعتقد بأن استديو جيبلي مثل الكرملين -يضحك-. الكرملين الحقيقي انتهى منذ وقت طويل لكنه ما يزال في وسط الميدان في هيقاشي كوقاني(محطة قطارات في وسط طوكيو وقريبة من استديو جيبلي). لكن وجوده، بطريقةٍ ما، يؤدي دوراً مهماً، بمعنى أنه يؤدي دوراً معيناً بوجوده. بالضبط مثل أولئك الرياضيين الذين لا يمكن إنتاجهم إلا في دول شيوعية ولا يمكن أن بتم إنتاجهم بقواعد الإقتصاد السوقي.
يجب أن يكون هناك نوع من الرسامين لا يمكن تنميتهم إلا في جيبلي، حيث مستوى العاملين عالٍ جدًا، من الرسوم البينية إلى التلوين. لذا يمكن تقدريهم لأنهم درّبوا طاقمهم جيداً. لكن إذا سألتني عمّا إذا كان ذلك الفعل صحيحًا فإنني لا أعتقد ذلك، أعتقد بأنه يجب تسريحهم فورًا -يضحك-. أعتقد بأن الأمر سيكون أفضل لو ذهب الذين تعلموا في جيبلي إلى الخارج.
مع ذلك فهنالك العديد من الأشياء التي بإمكان جيبلي وحده القيام بها، وإذا اختفى فإن التقاليد ستختفي. لكن ذلك من ناحية القيمة النسبية، أما من ناحية القيمة الفردية فأنا أعتقد بأنه يجب أن يُحل على الفور. هذه المسألة هي ذاتها عند التفكير بحلّ الإتحاد السوفييتي وهل تحسنت الأمور بعد ذلك أم لا. بشكلٍ عام، بالنسبة للعمل الفني، أعتقد بأن العمل الحر الفوضوي على الأقل أفضل من الحرية تحت السلطة.
الأمر أشبه بأن يكون ميا-سان هو الرئيس(ربما يقصد القيصر) وتاكاهاتا-سان هو رئيس الحزب، أما المنتج سوزوكي فهو بالتأكيد رئيس KGB (المخابرات الروسية). لكن الأعمال التي يتم إنتاجها والمنظمة التي خلف تلك الأعمال أمران مختلفان تماماً.
ماذا يعتقد الرسامون الآخرون عن جيبلي؟
بقدر ما أعرف فهم يكنون الاحترام لجيبلي، يكنون له الحب والكره في آن معًا. بشكل عام ردهم سيكون: إنه مكان مذهل لكنني لا أريد الذهاب إلى هناك. لأنهم يقومون بالتحكم بك في جيبلي. على سبيل المثال القدوم يكون في 10 صباحًا والإنصراف في 10 مساءًا، وتستمر في العمل فقط لمدة سنة أو سنتين. في مكان عملي لا أحد يأتي قبل المساء، ولا أحد يعرف ما الذي يعمل عليه الآخر. والمشروع انتهى في خلال 8 إلى 10 أشهر لأنني شعرت بالملل، وهذه الطريقة هي الأكثر شيوعًا(في صناعة الأنمي).
أتتني دعوات عديدة عدة مرات، لكن السبب الأكبر في أنني لا أريد العمل في جيبلي هو السيطرة الشديدة -يضحك- وعدم وجود العديد من الأماكن الجيدة للطعام حول جيبلي. لا يمكنني تحمل الطعام الرديء، أؤلئك الاثنان غير مهتمين في تناول الطعام. إحدى المرات التي أظهرت بأنهم يدفعون أيدلوجيتهم أو بالأحرى دستورهم على الجميع، (يقولون) من الأفضل أن تأتي إلى الاستديو في الصباح وتعود في المساء، ليس لأنهم يعتقدون ذلك لكن لأنهم لا يستطيعون فعل شيءٍ آخر غير ذلك.
حسنًا إنهم أشبه بالجيش أو الحزب السياسي، بالنسبة للبعض فهو أمر جيد، لكن للبعض الآخر فهي سلطة فاشية لا تطاق. رغم ذلك فمن المؤكد بأنه عبر تلك الطريقة فقط وعبر جبال من الرقابة الشديدة يمكن صناعة مثل تلك الأفلام.
المخرج السينمائي يواجه دائمًا صراعًا داخليًا بين الحاجة للقيام بما يريد عمله، وإلى أي مدى يمكنه إجبار الآخرين للقيام بالتضحيات، لأنه لن يتمكن من عمل أي شيء من دون مساعدة الآخرين. كل شخص لديه استراتيجية مختلفة، لكنني أعتقد بأن كل تلك الاختلافات تأتي من مسائل أيدلوجية.
يعض مجلات الأنمي ومجلات المانجا يثنون على جيبلي بأنه أفضل استديو أنمي في اليابان بل في العالم، لكن ذلك كله كذب -يضحك-. أي شخص كان هنالك ولو لمرة واحدة سيعرف ذلك. حسنًا أنا لن أنكر كل شيء(حول جيبلي)، لكن آمل أن يتوقف تقديس جيبلي، على أحد ما أن ينتقدهم في مكان ما.
بغض النظر عن تاكاهاتا-سان فإن ميا-سان لديه ماض مشبوه قليلًا. تلك الجوانب تشكّل من هما تاكاهاتا-سان وميا-سان فعلاً. لا يجب عليك أن تقدسهما، ذلك سيزيد العبء عليه فقط. أعتقد بأن ذلك أحد الأسباب التي جعلته يناضل ويكافح، ويستمر بالمكافحة إلى هذا اليوم.
المصدر، شكرًا @Alex_Swak على التدقيق.