أثناء عرض أنمي فرانكس أشار الجميع لتشابه هذا الأنمي مع أنمي غورين لاغان، ولأنني لم أكن قد شاهدت غورين لاغان حينها، لم أفهم تماماً ما المقصود. قبل فترة قصيرة أنهيت غورين لاغان وفهمت تماماً سبب الضجة التي حصلت بسبب تشابه الأنميين، من ناحية القصة تحديداً، وأردت تقديم رأيي في هذا.
قبل أن أبدأ مقارنتي هذه، من البديهيّ أنّها ستتضمن حرقاً لأحداث من الأنميين، وبالأخص الحلقات الأخيرة من كلّ منهما، لذلك إن كنت لم تشاهد أحدهما بعد، أو ترغب بمشاهدته… لا تكمل قراءة المقال.
بأي حال، لست بحاجة لمشاهدة الأنميين لفهم المقارنة، فالأمثلة التي سأطرحها من كلّ من الأنميين كافية لمن تابع أيّاً منهما، وبإمكانك الاعتماد على هذا المقال إن شاهدت أحدهما وأردت معرفة إن كان عليك مشاهدة الآخر أم لا.
ملخص ما حدث في دارلينغ
في الحلقات الأولى لدارلينغ وحتى الحلقة 19 تقريباً، يعرض الأنمي العالم من وجهة نظر الأطفال، تحديداً نظرتي زيرو تو وهيرو. وبهذا يركز الأنمي على العلاقات بين هؤلاء ويحاول إظهار ما يجري حولهم كسرّ كبير يمكن أن يكشف في وقت لاحق دون محاولة التعمق في أيّ من التفاصيل البعيدة عن حياة الأطفال.
بشكل رئيسي، التركيز في دارلينغ في حلقاته الأولى (العشرين الأولى) كان على العلاقات العاطفية بين الأطفال، بشكل أقرب للأنميات المدرسية بنظري، كان هناك علاقات متداخلة وبعض المثلثات هنا وهناك، وكان التناغم بين عرض علاقات الأطفال بين بعضهم وبين عرض العالم وتوظيف الميكا في هذا أمراً مذهلاً، على الأقل بالنسبة لي. حتى الحلقة 19 من الأنمي كنت متأكداً تقريباً أنه سيكون أفضل أنميات الموسم، ولكن بعد تلك الحلقة بدأ رأيي يتغير شيئاً فشيئاً.
في الحلقة 19، يقوم الأنمي بعملية Information Dump على المتابع، فيعرض كل أسرار العالم بأسلوب سرديّ جاف إلى حدّ كبير، هذه المرة على لسان الدوكتور فرانكس، بعيداً عن نظرة الأطفال المعتادة للعالم. هذا التغيير المفاجئ جعلني أعيد التفكير في الأنمي ككل، ولكنه لم يكن ضربة حاسمة للأنمي بنظري، ولكن لا تزال عملية تفريغ المعلومات للمتابع بهذا الشكل أمراً مثيراً للريبة، ربما لأنها حدثت بشكل مستعجل، أو لأنها كانت مخاطرة كبيرة من طرف الكاتب كادت تدمر المسلسل كاملاً، أو دمرته تقريباً.
في الحلقات الأخيرة بعد حلقة تفريغ المعلومات كانت القصة تتضخم بشكل طرديّ، لينتقل أبطال القصة من محور “الدفاع عن الأرض” إلى محور “الدفاع عن المجموعة الشمسية” إلى محور “الدفاع عن الكون” في حلقة واحدة. هذا الانتقال السريع كان ما جعل القصة تنهار، ليس بسبب سرعته، وإنما بسبب الإتجاه الذي اتخذه الأنمي بعد هذا التسارع.
ملخص ما حدث في غورين لاغان
في غورين لاغان لم يكن هناك قفزة مفاجئة في الأحداث بنظري، فالتضخيم المتسارع الحاصل في نهاية الأنمي لم يأت بعد فاصل من تفريغ الأحداث، بل تم كشف هذه الاحداث بشكل منطقي (في حدود المنطق الموجود في الأنمي) وتدريجي على مدى حلقات نصف الأنمي الثاني. لينتهي الأنمي بتسارع نحو المجرة، الكون، والأكوان الموازية حتى.
غورين لاغان لم يعتمد من البداية على عرض الأحداث من نظر شخصية وحيدة، عرض الأنمي من البداية أحداثاً من نظرات مختلفة، بداية من الشخصية الرئيسية وحتى المنظمة الشريرة الموجودة في النهاية، وكل هذا كان متناسقاً ليقدّم للمتابع أفضل تجربة مشوّقة دون أن يكون مبتذلاً أو مشتتاً.
في الأنميين كان هناك تركيز كبير على مكان الشخصيات الرئيسية في العالم، ولكنني أرى فرانكس مختلفاً قليلاً في طريقة عرض هذا، ربما بسبب اختلاف أسلوب كتابة القصة وتقدّم الأحداث… وربما لأن فرانكس ركّز بشكل كبير على الرسالة التي يحاول إيصالها مقارنة بغورين لاغان الذي ركّز على القصة الرئيسية بشكل أكبر.
ما هي هذه الرسالة؟
لا أدري إن كانت تسميتها بالرسالة صحيحاً، فهي أقرب لمحور القصة المخفيّ الذي يدور حول الأنمي. في كلا الأنميين، القصة هي ترميز كامل للبلوغ. يمكنك ملاحظة التلميحات لهذا في الأنميين دون الحاجة لإعادة المشاهدة. أجهزة الحفر في غورين لاغان، قوة الثقب، وحتى علاقة سيمون بالفتيات حوله، إضافة لطريقة قيادة الميكا في فرانكس، رمزية الاحتياج لذكر وأنثى في لقيادة الفرانكس، وبقاء الأطفال محتجزين في أجسادهم دون أمل ليصبحوا “بالغين”.
في غورين لاغان، بقيت هذه الرسالة مخفية، ولا يمكن القول أنها ظهرت فعلاً للعيان سوى في المشاهد التي جمعت بين يوكو وسيمون وتدفقت فيها الطاقة في السبايرال الخاص به ( ͡° ͜ʖ ͡°). بينما في فرانكس، كانت الإشارات المتعلقة بالزواج، العلاقات الجنسية، البلوغ، والانجذاب العاطفيّ واضحة جداً، بل كانت مباشرة في كثير من الأحيان.
أيضاً، فرانكس حاول التوجه لمواضيع أخرى كالسلطة الأبوية والإلهية، وحاول مناقشة هذه المواضيع بطريقة جدّية نجح فيها إلى حدّ ما بنظري، وكانت من أفضل المواضيع المطروحة في الأنمي.
هل التركيز على الرسالة أو إخفائها أمر سيء بحد ذاته؟ لا. في حالة فرانكس مثلاً لم أمانع عرض كل تلك التفاصيل، وفي حالة غورين لاغان كان من الصحيح إخفائها بهذا الشكل؛ ولكن المشكلة أن فرانكس لم يحافظ على هذا حتى النهاية، بل انهار فيه كل شيء بمجرد بدأ الانتقال لعرض القصة.
أين بدأ فرانكس بالتدهور تماماً؟
لم يكن التدهور محتوماً بعد حلقة تفريغ المعلومات، على الأقل بالنسبة لي، فهناك أمل في إكمال القصة بشكل جيد بعد تلك الحلقة بقليل من المجهود، ولكن بدا ان كاتب (أو كتّاب) الأنمي، لم يرغبوا بهذا.
في الحلقة التي انتقل فيها القتال إلى المجرة، بدأ الأنمي بفقدان روحه شيئاً فشيئاً. المركبة الفضائية العملاقة التي امتلكت وجه زيرو تو، والمعركة المملة في الفضاء، فيرم، والكتابة الكسولة للحبكة في تلك الحلقات، كلها كانت مسامير دقّت في نعش الأنمي. التوجه الذي بدأ يتخذه الأنمي في تلك الحلقات بعيداً عن العلاقات بين الشخصيات بشكل أو بآخر، محاولاً تقديم نوع آخر من التفاعلات وقوّة الصداقة وبعض الهراء الكونيّ والميكا العملاقة كان مستعجلاً، وربما غير ضروريّ على الإطلاق.
لم يكن هذا التضخيم في مجال الأحداث موفقاً على الإطلاق. ولو أنه بدا من الخارج مشابهاً للتضخيم الحاصل في غورين لاغان، إلا أنه كان مختلفاً في الجوهر، ففي غورين لاغان مهّد الانمي بما فيه الكفاية لهذا النوع من التضخيم، ولكن هنا لم يكن هناك سوى حلقة واحدة فقط.
لفهم هذا علينا فهم المشكلة الرئيسي، فرانكس وغورين لاغان أنمييين مختلفين جذرياً؛ غورين لاغان امتلك روحاً كوميكيّة تجعله قادراً على تقديم تضخيمات مشابهة دون الإخلال ببناء الأنمي، كوميكية الأنمي والعبارات الساذجة فيه والشخصيات المبالغ فيها وكل شيء قدّمه من البداية وحتى النهاية، قادرة على حمل تسارع مشابه في القصة، بينما فرانكس لم يكن كوميكياً على الإطلاق، ولم تكن شخصية زيرو تو فيه قادرة على الانتقال بهذه السرعة لتصبح أمل نجاة البشرية بطريقة ساذجة كتلك.
والنتيجة؟
فرانكس وغورين لاغان أنميين مختلفين تماماً. التشابه بينهما لا يتعدى اعتمادهما على الميكا، وحديثهما عن البلوغ، بينما بقية نقاط “الشبه” لم تكن موفقة في فرانكس على الإطلاق. غورين لاغان من أفضل الأنميات التي تتعامل مع القصة بطريقة التضخيم هذه برأيي، ويأتي بعده مباشرة كيل لا كيل، الذي يمكن اعتباره إصداراً كوميدياً لغورين لاغان، بينما فرانكس من الانميات التي فشلت في التضخيم هذا.
لا يمكنني اعتبار فرانكس سيئاً بأي حال، الحلقات العشرين الأولى بنظري من أفضل الأشياء في هذا العام، ولكن ليس لأنه تقليد لغورين لاغان، على العكس، هو جيد بسبب كل العناصر التي لم يتبع فيها غورين لاغان، وسيء بسبب العناصر التي حاول ادخالها من بنية ذاك الأنمي.
شخصياً، أنصح بمشاهدة العملين، غورين لاغان من أنمياتي المفضلة منذ أن شاهدته، وفرانكس رحلة شاعرية غريبة بنهاية مخيبة للآمال قليلاً.