شاهدت الفيلم الثالث من مادوكا ماجيكا منذ فترة قريبة نسبياً، وعلى الرغم من قراري كتابة مراجعة خالية من حرق الأحداث للفيلم وتوضيح ما أعجبني فيه تماماً، أجد نفسي أميل دوماً لمحاولة فهم الفكرة التي حاول الفيلم إيصالها؛ وفي كل مرة كنت أحتاج لذكر أحداث الأنمي وتفسيرها بشكل مفصّل. لذا قررت في النهاية التخلي عن مراجعة الفيلم، والتركيز على الأفكار التي قدمها الأنمي فقط.
قبل أن أبدأ، الكثير من متابعي أنمي مادوكا ماجيكا لا يرون فكرة يحاول الأنمي إيصالها، شخصياً أعارض هذا وأجد في الأنمي الكثير من الرسائل والأفكار الواضحة أحياناً والتي تحتاج لتفكير معمق في أحيان أخرى، ولكن بأي حال، إن كنت من هذا النوع من الأشخاص الذين يحبون الاستمتاع بالأنمي بقيمته الظاهرية، لا أعتقد أن ما سأتحدث عنه في هذا المقال سيجذب انتباهك.
أحذر مجدداً أن المقال سيتضمن الكثير من حرق الأحداث
أنمي الفتيات السحريات وكيف يستغل مادوكا ماجيكا التصور المسبق عن هذا النمط
نمط أنمي الفتيات السحريات من أنماط الأنمي القديمة جداً، بدأ في عام 1966 مع أنمي سالي الساحرة Sally the Witch وركّز النمط على قصص فتيات سحريات -ساحرات صغيرات بشكل رئيسي- بتصوير ورديّ وتفاؤليّ بعيد عن العنف في أغلب الأحيان. أغلب الأنميات من هذا التصنيف تقدم الأحداث في إطار مبالغ فيه من الجماليّة والظرافة والأنوثة.
يتميز هذا النمط بشكل رئيسي بأنه يصور الخير والشر بشكل مطلق تماماً وواضح تماماً، إضافة لكون الرغبة بالتحول لفتاة سحرية أمر جيد بالمطلق دون أي نقاش، وأيضاً أن الحب والسلام والسعادة هي مشاعر إيجابية بالمطلق دون استثناء. كل هذه الأفكار كانت تتغلف في نطاق بعيد عن العنف المبالغ فيه – مهما تمادى الأنمي في القتالات، لن ينتهي القتال بموت أحدهم أو التشنيع بجسده.
وعلى الرغم من وجود مجموعة من الانميات التي تندرج تحت هذا التصنيف والتي لا تقدم الأحداث في إطار ورديّ مبالغ فيه، إلا أن مادوكا ماجيكا بدأ بداية أقرب للمعتاد ومن ثم تحول بالكامل إلى ما يشبه الكابوس في الحلقات اللاحقة. لم يظهر الجانب السوداوي لمادوكا ماجيكا بشكل واضح إلا بعد الحلقات الثلاث الأولى.
الانتقال المفاجئ بين الوردية المتوقعة والسوداوية الموجودة في الأنمي كان من نقاط الكتابة الجيدة برايي، على الرغم من وجود تلميحات على توجه الأنمي في الحلقات الأولى إلا أنه لا يكشف تماماً حتى الحلقة الرابعة تقريباً. في الفيلم أيضاً كانت الدقائق الأولى تدور في إطار أحداث ورديّ، لنكتشف مجدداً أن كل ما يدور هو خدعة فقط.
ما الذي يحاول مادوكا ماجيكا قوله للمتابعين؟
لا أبالغ حين أقول ان كل لحظة في الأنمي كانت رسالة مبطّنة تحاول خطاب المشاهد على سويّة مختلفة من القيمة الظاهرية لها. مادوكا ماجيكا من الأنميات المليئة بالترميزات والتشبيهات والإشارات المبطّنة التي يمكنك ملاحظتها بالقليل من التدقيق. هناك أيضاً تناغم مثاليّ بين أفكار الشخصيات وعقيدتها وطريقة تقديمها ضمن قصة الأنمي والنمط الفنّي المتّبع في إخراجها وعرضها للمشاهدين.
لا أريد الخوض في الجانب الفنيّ والإخراجيّ للأنمي كثيراً فالموضوع في ذاك قد يطول، وسيحتاج شخصاً أكثر خبرة مني في هذا حتماً. ولكن يمكنني أن اجزم ان جودة الأداء الفني كانت عاملاً رئيسياً جداً في إيصال الكثير من الرسائل، أغلبها لن أذكرها هنا لحاجتها لتحليل معمق أيضاً. ربما في وقت لاحق.
من البطل في مادوكا ماجيكا؟
ربما يكون سؤالاً بديهياً، ولكنه ليس كذلك فعلاً. من الاسم يمكنك توقع أن البطلة في الأنمي ستكون مادوكا، ولكن مع تقدم الأحداث ستجد أنك مخطئ تماماً. وهذه إحدى الرسائل المهمة التي يحاول الأنمي إيصالها للمتابع؛ من هو البطل؟ وما هو الشر؟ ومن هو الشرير؟
في الجزء الأول من الأنمي تبدأ القصة متمحورة حول مادوكا، ويمكن القول أن كونها البطلة أمر مقنع تماماً في الحلقات الأولى. فهي تمتلك حساً بالمسؤولية وتحاول مساعدة كل من حولها، بعيداً عن “حب المساعدة” المصوّر في الأنميات عادة، مادوكا تحاول مساعدة أصدقائها في الحلقات الأولى من خلال سؤال والدتها وتقديم النصائح لهم دون أي مبالغة في إظهارها بصورة البطل التقليدي.
حس المسؤولية -ولو كان مخبّئاً- لدى مادوكا من صفات البطل الرئيسية، ولكن القصة لا تتوقف عند مادوكا على الإطلاق، ففي الحلقات القادمة نرى أن هذا الحس ذاته قد أدخل مادوكا في دوامة من تدمير الذات، وتبرز هومورا -والتي ظهرت بصورة الفتاة السيئة في الحلقات الأولى- على أنها البطل، محاولة إنقاذ مادوكا مراراً وتكراراً في خطوط زمنية متعددة.
محاولات هومورا المتكررة وبذلها لذاتها ووقوفها في وجه الخطر مراراً وتكراراً في محاولاتها لإنقاذ مادوكا من المصير المحتوم الذي ينتظرها تجعلها أكثر من مرشحة لتكون البطل في الأنمي، وما يجعل مادوكا تبتعد عن هذه الصورة هو إصرارها في كل مرة على التضحية بذاتها لتصبح فتاة سحرية على الرغم من المصير المدمر الذي ينتظرها.
هذا حتى نهاية الأنمي تقريباً حيث تضحي مادوكا بحياتها وروحها مرة أخيرة، كي تصبح كائناً مطلقاً وتغير قواعد الكون بأكمله، منقذة بهذا كل الفتيات السحريات اللواتي خسرن حياتهن سابقاً بسبب نظام الكيوبي الظالم وأيضاً دون أن تدمر الكون بإزالة الكيوبي من الوجود -كونهم جزء من أسباب تماسك الكون-
في نهاية الأنمي تبدو مادوكا أقرب لصورة البطل من أي وقت سبق، وتظهر هومورا موافقة على هذا -بحزن ظاهر- مقدمة نقاشاً ربما هو الهدف من كل البناء حول قصة البطل طوال الأنمي؛ هل إنقاذ الكون مبرر كاف ليضحي أحدهم بحياته، وهل ضحت مادوكا بحياتها لأنها تريد إنقاذ الكون، أم بسبب إحساس المسؤولية لديها.
في الفيلم، تنتقل فكرة البطل إلى هذا النطاق بشكل مباشر، بعيداً عن قيم الشخصيات الظاهرية، تتصرف هومورا دون أي التفات لرغبات مادوكا لإيمانها بأن الكون لا يستحق كل هذه التضحيات، وتخرج مادوكا من سجنها الأبديّ لتصبح هومورا “الشرير المطلق” على الرغم من أنها ليست كذلك فعلاً، مضحّية بوجودها واستقرار حياتها مقابل الحياة السعيدة والطبيعية لمادوكا.
على عكس مادوكا، هومورا تقدم دوافع أفعالها بشكل واضح جداً ومبرر جداً وماديّ جداً، هومورا التي تحب مادوكا حباً مطلقاً ترغب بأن تمتلك مادوكا حياة سعيدة تقليدية، كتلك التي كانت ستعيشها بعيداً عن كونها فتاة سحرية، وتعاني طوال الجزء الأول وفي نهاية الفيلم كي تسمح لمادوكا بعيش حياة هنيئة. بينما مادوكا لا تقدم أي تبريرات لرغبتها في إنقاذ الكون، ولا يعرض الأنمي أصلاً أي ارتباط لمادوكا مع العالم حولها عدا ارتبطها مع أصدقائها وعائلتها، والذي تفكك بدوره عندما ضحت بنفسها.
ربما يميل الكثير لناحية مادوكا كونها تقدم صورة البطل التقليدية التي نراها عادة، ولو كانت أقل نمطيةً من المعتاد، إلا أن هومورا تقدم تبريرات لأفعالها وتتصرف بناء على الحب وتضحي بشكل أكثر فعالية مما قامت به مادوكا. والأنمي يحاول أن يصل لهذه النهاية تحديداً، هل البطل هو صاحب المشاعر الأنقى، أم صاحب الأسباب الأكثر منطقية. ومن هو الشرير تحديداً إن كان لدى الجميع أسبابهم.
كملاحظة أخيرة حول مفهوم البطل والشرير، الانكيوبيتر ليسوا الأشرار في أنمي مادوكا ماجيكا، مهما بدت تلك الفترة مثيرة إلا أن الانكيوبيتر يعملون على بقاء الكون، وهو هدف نبيل في النهاية على الرغم من أن وسائلهم المتبعة لم تكن “أخلاقية” تماماً. الغاية لا تبرر الوسيلة هنا بالطبع، ولكنها كائنات لا تدرك المفهوم الأخلاقيّ أصلاً.
معركة الخير والشر
من البداية يمكنك رؤية التضاد بين الخير والشر في الأنمي بشكل ظاهر جداً، بين أسلوب الرسم المحبب للفتيات السحريات والأسلوب السوداوي الأقرب للهلوسات المستخدم في رسم الساحرات، وحتى في تقديم الأفكار والشخصيات في الأنمي، هناك فارق واضح بين كتابة الشخصيات “الخيرة” وتلك “الشريرة”.
الأنمي بأكمله من الممكن أن يعتبر كمعركة طويلة بين الخير والشر، بين المشاعر السلبية والمشاعر الإيجابية، بين الأمل واليأس، الحب والكره، الصداقة والعداوة. يحاول الأنمي تمثيل الخير والشر في كثير من الأشكال، ويقدم معارك ينتصر فيها الخير، وأخرى ينتصر فيها الشر.
في الحلقات الأولى من الأنمي نتفاجئ بموت إحدى الشخصيات المساعدة -من أقوى الشخصيات التي تم تقديمها في الأنمي حتى تلك اللحظة- من خلال خطأ صغير قامت به أثناء مواجهة ساحرة. خسارة هذه المعركة في وجه الشر كانت المنبه الأول في الأنمي، أن “الخير” بمعناه المفهوم لن ينتصر دائماً.
أحب شخصياً الاعتقاد أن الأنمي لم يكن يحاول تمثيل الخير والشر، على الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً في كثير من الحالات، وإنما حاول تمثيل المشاعر الإيجابية والسلبية التي يعايشها الإنسان، لهذا كانت الفتيات الساحرات حاملات للامل والسعادة، بينما كانت الساحرات حاملات للتعاسة والكآبة واليأس.
ما يجعلني أعتقد هذا الاعتقاد هو التأثير الذي امتلكته الساحرات على البشر العاديين، لم يكن أمراً خارجاً عن المألوف على الإطلاق، بل كان تأثيراً مفهوماً تماماً. الاكتئاب، الكره، الخوف، القلق، كلها كانت مشاعر أصابت من سيطرت عليهم الساحرات ودفعتهم للقيام بأفعال غير منطقية كالانتحار مثلاً.
وبهذا أرى موت مامي في الحلقات الأولى من الأنمي دليلاً على أن أقوى الأشخاص وأكثرهم بريقاً وحيوية، من الممكن أن ينكسروا أمام ضغوط غير متوقعة، وأن الحياة قد لا تقدم في كثير من الأحيان اختبارات ملائمة للشخص، وأنه مهما كنت ترغب بمساعدة أحدهم، من المحتمل جداً أنك لن تكون قادراً على ذلك مهما كنت قوياً.
عودة لموضوع الخير والشر، لم يقدم الأنمي -أو الفيلم- أي تعريف واضح للخير أو الشر، بل كان في كل مرحلة من مراحله يدفع المشاهد للتفكير في المعضلة، هل المشاعر هي التي تحدد الخير والشر هنا؟ أم البطل؟ أم الأحداث ومنطقيتها؟ أم النتيجة النهائية المرجوّة من أفعال الشخصيات؟
بالتأكيد ابتعد مادوكا ماجيكا كثيراً عن الصورة النمطية للخير والشر الموجودة في تصنيف أنميات الفتيات السحريات، وهذا من العناصر المميزة فيه، ولكنه في نفس الوقت لم يقدم صورة سوداوية بالكامل تعكس النظرة بالكامل لهذين المفهومين، بل أبقاهما في منطقة رمادية متوسطة في كثير من الأحيان.
ما هو الحب؟
من الغريب أن يستطيع أنمي من التصنيف النفسي تقديم أفكار عن الحب أفضل من الكثير من الأنميات الرومنسية. وهذه من الأشياء التي تجعلني أحترم هذا الانمي صراحة، فلم يكن الحب هنا عبارة عن “حكايات خيالية” بل كان في حياة كل الشخصيات، وكان دافعاً ولعنة، وكان أساس كل ما يدور في الأنمي.
بداية مع قصة الحب الواقعية بين ساياكا والفتى عازف الكمان، نجد الصيغة الأكثر شيوعاً للحب، فتاة ترغب بتحسن حالة صديقها كي يعزف مجدداً على الكمان. على الرغم من نبذ الجميع له وتدهور حالته بسبب عدم قدرته على العزف، بقيت ساياكا بجانب الفتى واستمرت بتقديم الحب غير المشروط له طوال الأنمي، وختمت هذا الحب بأمنيتها أن يعود لحالته الطبيعية.
تضحيتها بذاتها لم تصل بأي حال للفتى (كاجيمو) وفضّل أن يبقى مع فتاة أخرى.
قصة الحب بين مادوكا وهومورا كانت أعمق من هذا بأي حال، فالحب بينهما لم يكن تقليدياً إن جاز التعبير. فكلا هومورا ومادوكا كانتا تحاولان التضحية بنفسيهما لنجاة الطرف الآخر. هومورا قدمت الكثير من التضحيات في البداية لتعيش مادوكا حياة سعيدة، فقط لتعود مادوكا وتضحي بحياتها من أجل بقاء الكون مستقراً -وأيضاً نجاة هومورا من العذاب- لتعود هومورا في الفيلم لتضحي بحياتها مقابل عودة مادوكا إلى حياتها الطبيعية.
قصة الحب بين مادوكا وهومورا هي المحور الذي يدور حول كل ما في الأنمي، ولكنها ليست قصة سعيدة على الإطلاق. يظهر الحب في القصة كمرض مؤذي يدفع بالمصاب إلى تدمير ذاته دون أسباب منطقية، ويمنعه من التفكير بشكل سويّ.
يترك مادوكا ماجيكا الكثير من الأسئلة دون إجابة عند الحديث عن الحب، كما في بقية الأفكار، فهو يدع للمشاهد حرية الاختيار وتحديد الصواب من الخطأ، والمنطقي من عدمه.
وماذا بعد؟
هناك الكثير من الأفكار الأخرى التي أرغب بالكتابة عنها بخصوص مادوكا ماجيكا، وربما سأفعل ذلك في جزء ثان لهذا المقال في وقت لاحق، ولكن أنصح جداً بمشاهدة الأنمي -من جديد لمن شاهده سلفاً- ومحاولة الانتباه لكل التلميحات والترميزات التي يحاول الأنمي إيصالها. مادوكا ماجيكا جيد بقيمته الظاهرية، ولكن عند محاولة فهم رسائله سيتحول لتحفة فنية روائية ربما تساعدك على تغيير بعض أفكارك.
يمكنك أيضاً قراءة هذا النقاش عن معنى كلمة “الثورة” Rebellion في عنوان الفيلم الثالث لمادوكا ماجيكا
اقرأ أيضاً:
مقال جميل ومتعوب عليه شكرًا،، أتمنى ان يكون الجزء الثاني من المقال عن مراجعة الفيلم الثالث
لأنه أحداثه كان فوضاوي وعبثي جدًا. ولم أفهم نصفه. طبعا كان عظيم بس حسيت لو أنني فهمت الفيلم بشكل كامل كان بيكون من أعظم الأعمال اللي شفتهم
كلامك حشو للصفحة ماله اي فايدة + مو انت قلت ماراح تتكلم عن الفيلم؟ ليش فجأة تحرق علينا خلال كلامك عن الانمي وفجأة تقول هذا صار بالفلم؟ متخلف. عموما توقعت اقرأ تحليل عبقري مو كذا
ما الذي يحاول مادوكا ماجيكا قوله للمتابعين؟
أين الاجابة؟ مقال كثير الكلام لكن شحيح الاهمية والافادة