على الرغم من أن خبرتي بالمسلسلات والأفلام الأمريكية البوليسية كبيرة، فقد شاهدت منها عشرات وعشرات الساعات، إلا أن خبرتي بالأنميات البوليسية لا تتعدى القليل من ديث نوت وآجين؛ لهذا كانت تجربة مشاهدة سايكو باس ومحاولة فهم التقديم البوليسي للأنمي بشكل أعمق تجربة ممتعة بالنسبة لي. أنمي سايكو باس كان مذهلاً، استمتعت بالانمي كثيراً على الرغم من اختلاف اسلوب السرد عمّا اعتدته سابقاً.
قصة أنمي سايكو باس
تدور أحداث القصة في مستقبل خياليّ، حيث يمكن للدولة -والشرطة طبعاً- معرفة مشاعر المواطنين وقياسها بنظام مستحدث يمكنه أن يتنبأ باحتمالية قيامهم بالجرائم، يقوم هذا النظام أيضاً بتقدير خطورة هذه الأفكار والعقاب الملائم لها سواء كان “التأهيل النفسي” أو القتل فوراً. نظام سيبل في الأنمي يلعب دور القاضي والجلاد وحتى المحقق في كثير من الأحيان.
من اللحظات الأولى للأنمي ستحصل على فكرة جيدة عن طريقة عمل هذا النظام، وعن وظيفة المحققين والشرطة ومعاونيهم في تطبيق القانون. ستحصل على فكرة جيدة عن العالم وطريقة سير الأمور فيه، وسترى الوجه القبيح لعالم يسوده الأمان والاستقرار النفسي والمادي طوال الوقت. الحلقات الست الأولى من الموسم الأول تمهّد دخولك لاجواء العالم، وتجهزك لبقية القصة.
بعد الحلقات التمهيدية، يعالج الموسم الأول قضيةً واحدة فقط، على مدى 16 حلقة تقريباً، بينما الموسم الثاني يعالج قضية مختلفة تماماً في 11 حلقة فقط. هذا الأسلوب السردي مختلف تماماً عمّا اعتدته في المسلسلات والأفلام البوليسية بشكل عام؛ فالحلقات كانت مترابطة بشدة، وليس من المنطقي مشاهدتها بشكل منفصل -أو اسبوعيّ بأي حال- ولا سبيل لمشاهدتها برأيي سوى دفعة واحدة.
بناء القصة المختلف في سايكو باس دفعني لمشاهدة الأنمي دفعة واحدة، واستمتعت به جداً. ولكن لا يمكنني تخيل الشعور المزعج الذي شعره المتابعين أثناء صدور الأنمي واضطرارهم للانتظار اسبوعاً كاملاً قبل معرفة ما سيحصل في الحلقة القادمة. لا يمكنني تخيل نفسي أكمل مشاهدة الأنمي بعد الحلقة العاشرة لو كنت أتابعه أسبوعياً.
في المسلسلات البوليسية التي تقدم قضية “طويلة المدى” تنحل أحداثها على مدى حلقات المسلسل كاملة، هناك عادة قضايا صغيرة تحل بشكل جانبيّ، هذه القضايا موجودة لتشعر المشاهد بنوع من الرضى والتقدم في الأحداث، بدلاً من ابقائه مترقباً طوال الوقت لأي نوع من التطورات. هذا لم يكن موجوداً في سايكو باس على الإطلاق، وهو ما يجبرك على مشاهدة الأنمي دفعة واحدة للحصول على هذا الشعور بالرضى من حلّ مشكلة ما في الأنمي.
أسلوب السرد في الموسم الثاني تغيّر قليلاً مقارنة مع الموسم الأول لتغيّر الكاتب، وكان أفضل -بشكل طفيف جداً- من هذه الناحية، حيث كانت كل ثلاث حلقات تقريباً تتضمن نوعاً ما من الكشف، بدلاً من الانتظار خمس أو ست حلقات للحصول على تلميح إضافيّ بخصوص القضيّة. شخصياً أعتبر الموسم الثاني أكثر بوليسيّة من الأول، ولكنني أفضل الأول كقصة وتعامل فلسفيّ مع فكرة العالم الذي تدور فيه الأحداث.
هناك أيضاً مشكلة الحلّ السريع للصعوبات التحقيقية -وهو موضوع آخر يتعلق بالجانب البوليسي من الأنمي- حيث كانت اللحظات “التحقيقيّة” قصيرة جداً مقارنة بالحوارات الفلسفيّة ولحظات بناء الشخصيات والعالم، ولكن لا داعي للتفصيل في هذا كوني قد وضحت فكرتي سلفاً عن اختلاف البناء البوليسي في الأنمي عمّا اعتاده.
بعيداً عن الجانب البوليسيّ، الأنمي قدّم أفكاراً فلسفية جديّة وعميقة جداً بخصوص الجريمة والأخلاق والكون المثاليّ، إضافة للكثير من النقاشات حول الحريّة والسلطة والاستبداد وتسلّط الحكومات والدول على مواطنيها. كان في الانمي مجموعة من النقاشات السياسية والفكريّة المذهلة التي تتميز بها الروايات عادة.
بالمجمل؛ الأنمي كان مذهلاً ومختلفاً عن المعتاد، ولكنّه من الأنميات التي يجب مشاهدتها دفعة واحدة وإلا تحولت إلى جحيم من الترقب.
شخصيات أنمي سايكو باس
الأمر الأول الذي يمكنك ملاحظته في أنمي سايكو باس هو عمر الشخصيات؛ الأنمي يقدم شخصيات كبيرة بالعمر -نسبياً- ويبتعد عن الشخصيات الطفولية المبالغ فيه. الشخصية الرئيسية في الأنمي فتاة، وهو من الأنميات القليلة التي شاهدتها والتي تقدم البطلة بطريقة جيدة. الأنمي بعيد جداً عن الشونين وأعتبره يستهدف البالغين على الرغم من عدم تصنيفه رسمياً كأنمي سينين.
ما يجعل شخصيات هذا الأنمي مميزة وقابلة للتصديق بنظري هو طريقة تفاعلها فيما بينها، هناك عدد شبه معدوم من المشاهد التي تتصرف فيها الشخصيات بطريقة “روائية” بعيدة عن الحقيقة؛ هذا العرض للشخصيات هو ما يجعلني أصنف الانمي ضمن الأنميات المخصصة للبالغين بعيداً عن هراء الشونين والأحلام الطفولية والصراخ العاطفيّ.
من خلال نظام سبيل المقدم في الحلقة الأولى من الأنمي، يمكنك متابعة تطور الشخصيات وفهم طريقة تفكيرها بشكل أفضل، دون أن يضطر الكاتب لوضع حوارات طويلة تفسر فيها الشخصية ما تقوم به؛ التبريرات لا تتعدى الجملتين أو الثلاثة، لأنك كل شيء وأي شيء يحصل في الأنمي يقع ضمن سياق المنطق العام للعالم، وهو ما تمّ إيضاحه في الحلقات الأولى.
بنظرة سريعة على الحلقة الأولى والأخيرة من الموسم الأول يمكنك ملاحظة التغيير الهائل الذي جرى للشخصيات والعالم المحيط بها، ويمكنك أيضاً فهم الفلسفة وراء الأنمي والقصة التي يحاول سردها.
سايكو باس من الناحية الفنيّة
إنتاج الأنمي فنيّاً من ضمن الأفضل في قائمتي، لا يمكنني حقاً التطرق لكافة التفاصيل التي أعجبتني سواء من ناحية رسم الخلفيات أو من ناحية التحريك والقتالات الموجودة في الانمي. الموسيقى المذهلة في الانمي أيضاً تستحق الكثير والكثير من الثناء، لذا سأحاول اقتصار كلامي في محورين رئيسيين.
تصميم الشخصيات في سايكو باس كان مذهلاً، أكثر ما يمكن ملاحظته هو تغير تعابير الشخصية وشكلها بشكل ملائم جداً مع تطورها على مدى أحداث الأنمي. تصميم الشخصية الرئيسية (في الصورة في الأعلى) كان من أفضل التصاميم الأنثوية بنظري، وقدرة المصممين على عكس تغير الحالية النفسية للشخصية في هذا التصميم كانت رائعة أيضاً.
افتتاحية الأنمي الأولى كانت من أجمل الافتتاحيات التي سمعتها على الإطلاق. في الحقيقة استمعت لإصدار Cover من الأغنية قبل أن أبدأ مشاهدة الأنمي، وبعد استماعي لافتتاحية الأنمي لم تكن أقل جودة من الcover -إلا أنني لا أزال أفضل الCover حتى الآن. الافتتاحية تتضمن الكثير من الإشارات للقصة ولا يقل إنتاجها روعة عن الأنمي.
في النهاية
هذا الأنمي من أفضل الأنميات التي شاهدتها، وهو خيار جيد جداً لكل من يبحث عن أنمي جديّ يعالج قضايا فلسفية وأخلاقية جميلة. ربما يكون مختلفاً سردياً عن المسلسلات البوليسية المعتادة ولكنه لا يزال ممتازاً. أنصح حتماً بمشاهدته.
رأيك صحيح عن الانمي عن جزء الاول ولا ثيمه في أحداثه وهذا مايعجبني .
وتصنيفات الانمي مثل ديث نوت و سايكو بس وطريقه روايتهما هي ما أعجبني وسأتابع رأيك بلأنميات