في كلّ مرّة أخطط فيها للحديث عن أفكاري حول طريقة كتابة الشخصيات الأنثويّة في الأنمي أجد نفسي أحوم حول فكرتين أساسيّتين، الأولى أنّ كتابة شخصيّة أنثويّة جيّدة لا تختلف كثيراً عن كتابة شخصيّة جيدة بالمطلق، والثانية أنّ كتابة الشخصيات الأنثوية السيئة تحوم في جزء كبير منها حول عقليّة “الاستخدمني” التي نراها بوضوح في المقطع السابق.
وهنا تتوقف هذه الصفة عن كونها جزءاً من “صفات الشخصيات – Character TraitsCharacter Traits صفات الشخصيات – Character Traits هي الأجزاء التي تميّز شخصيّة عن الأخرى، كالكذب والصدق، الذكاء والغباء، وغيرها من المتضادّات. هذه الصفات عادة هي ما يخلق الصراع بين الشخصيات أو يدفعها لتساعد بعضها للوصول إلى الهدف النهائيّ، وتغيير هذه الصفات هو ما يسمح للقارئ معرفة ما يطرأ على الشخصيّة من تغييرات، وكيف أثّرت الأحداث عليها. بشكل عام، تستخدم صفات الشخصيّات لبناء “ملفّ الشخصيّة” والاعتماد عليها كخطوط رئيسية أو ملاحظات عامّة لتسهيل تذكّر الشخصيّات على الكاتب.” وتتحول إلى جزء من “الصور النمطيّة – ArchetypesArchetypes الصور النمطيّة أو الأنماط البدائيّة – Archetypes هي “نماذج” كاملة للشخصيّات، كشخصية البطل – Hero أو نقيض البطل – anti-hero أو الشرير villain أو الفتاة السجينة Damsel in Distress، يمكن لأيّ شخص تخيّل هذه الشخصيّات بمجرد الحديث عنها وصورتها موجودة في ذهنه بشكل تلقائيّ. مصطلح الصور النمطية أو الأركتايب هو مصطلح ابتكره كارل يونغ، ولا يمكن الحديث عن الأوّل دون الآخر.” التي يعتمد عليه الكثير من الكتّاب بالكامل لخلق شخصيّاتهم، هذه الشخصيات الهدف الوحيد من وجودها هو “الاستخدام” – سواء بمعناه الحرفيّ ضمن الأحداث، أو بمعناه المجازيّ عند النظر إلى الطريقة التي يتعامل الكاتب فيها مع هذه الشخصيّات.
ولكن قبل أن أدخل في شخصيّة “المُستخدمة” وسبب وجودها، فلنعد قليلاً إلى الوراء.
الفتاة في المحنة – Damsel in Distress الجدّة الأكبر لشخصيّة “المُستخدمة”
الطريق الأسهل لتكون “قصّة” ما قادرة على أسر انتباه فئة من المتابعين هو أن تكون بشكل أو بآخر على تلامس مع ذواتهم – Relatable، أو تغذّي فيهم رغبة لا يستطيون تحقيقها، أو ربما الأمرين معاً.
ولهذا تجد الإعلانات متركّزة في أحد هتين الفئتين أو كلاهما، إمّا أنت بحاجة لشراء هذا المنتج لأنّه ينقُصُك وقادم من خيالك أو لأنّه ملائم لك كشخص، كما يلائم هذا الشخص الذي يمتلك صفة مشابهة لك في الإعلان أو ربما لأنّ هذا اللاعب المشهور الذي تحلم أن تصل لمستواه الرياضيّ، يعاني من المشكلة ذاتها التي تعاني أنت منها، الشخص البسيط المتواضع.
وفي هذا السياق، مع تطوّر القصص، منذ بدأ الإغريق بسرد ملاحمهم وأساطيرهم، تطوّرت القصص لتمتلك “صوراً نمطيّة – Archetypes” حتّى قبل اختراع هذه المصطلح، وأصبحت قادرة على إشباع رغبات المتابعين والتلامس مع ذواتهم، من البطل – Hero إلى نقيضه – Anti-Hero، ومن الشرير إلى الفتاة في المحنة.
هذه الأخيرة -الفتاة في المحنة- هي ما أعتقد شخصيّاً أنّه أصل “المُستخدمة” في كتابة القصص، فبنظرة سريعة على صفات كلّ منهما يمكنك ملاحظة الشبه الكبير – والفروقات الصغيرة التي تجعل المُستخدمة أكثر تلامساً مع المتابع وتغذية لرغباته.
صورة الفتاة في المحنة النمطيّة تضع هذه الشخصيّة في موقف لا يمكنها تخليص نفسها منه – هذه الفتاة التي تتصف عادة بالبراءة والنقاء والجمال، تنتظر البطل ليخلّصها من الشر المحيط بها، ولتكون في النهاية “جائزة” له إن صح التعبير. تجذب القصّة المتابعين نحو هذه الشخصية عبر مواقف سريعة وذكريات حدثت مع البطل، وتضعها في أفضل ضوء ممكن، وتعتمد على “شوق” المتابعين للحظة لقاء الشخصيّتين لتربطهم بها.
هذا يجعل الاعتماد على الصفات هذه الشخصيّة الجذابة لشدّ انتباه المتابع أكثر صعوبة لقلّة ظهورها ولكن لا يهمّ هذا عادةً، المطلوب هنا أن “تبدو جميلة وتلوّح من بعيد” لا أن “يشبع المتابع من وجودها”.
وعلى الرغم من أنّ اعتماد الشخصيّة على صورة نمطيّة لا يعني بالضرورة اقتصار صفاتها على هذه الصفات، إلّا أن الحالة غالباً أنّ هذه الشخصيّات لا تحصل على وقت كافٍ للظهور، ولا يمكن التوسّع فيها بما فيه الكفاية.
صورة المُستخدمة النمطيّة تضع الشخصيّة بجانب البطل، وتبقي ما تبقّى من الصفات تقريباً دون تغيير، فيكون لدينا كلّ ميزات “الشخصيّة العاجزة في غياب البطل” ودون أيّ عيوب “نقص ظهورها واستغلال صفاتها الجذّابة” ضمن القصّة. ولكن بهذا يصبح وجود هذه الشخصيات أكثر خطورة على بناء القصّة، فشخصيّة لها ظهور يجب أن يكون لها تأثير أيضاً – وهنا تأتي المشكلة الرئيسية.
لماذا؟
لنبدأ بالـ”لماذا” الأهمّ أولاً؛ لماذا يحتاج الكتّاب الآن لإبقاء الشخصيّة الأنثوية في الواجهة، على الرغم من أنّ دورها لا يزيد أهمّيّة عن دور السيف الذي يحمله البطل أحياناً – وتمتلك شخصيّة مفهومة بقدره أيضاً. ما الذي يجعل الكاتب يضع شخصيّة يعلم بأنّها قد تهدد بنية عمله بالكامل؟
الجواب بسيط، الفئة المستهدفة تريد هذا، ولأنّ القصص لا تكون دائماً “مجرّد” أعمال فنّيّة، بل في كثير من الأحيان تعامل معاملة منتجات يحكمها العرض والطلب وحاجة السوق وقيمته، يصبح وجود شخصيّات كهذه أمراً مفهوماً بعد النظر للفئة التي تستهدفها هذه القصص، الأشخاص المستهلكين والمحبين والمستثمرين فيها.
وهؤلاء عادة لا يتابعون هذه القصص لأنّها “متماسكة” بل لأنّها -وكما أسلفت في البداية- تلبّي لهم الحاجتين الرئيسيّتين؛ إشباع الرغبات والتلامس مع ظروفهم.
في السابق، إنقاذ الجميلة الواقعة في المحنة هو ما لم يكن الشخص المستهدف -الشاب العاديّ- قادراً عليه، وهذا كان خياله الأساسيّ في وجود حياة عاطفيّة مستقرّة وهادئة. بينما الآن، ما ينقص الشخص المستهدف -الأوتاكو في حالة الأنميّات التي تقدّم هذا النوع من الشخصيّات النمطيّة- هو العلاقة المستقرّة، تواجد شخص آخر حوله، وتلبية هذه الرغبة لا تتطلّب بناءً لهذه الشخصيّة أكثر من اسمها وعبارةً معتادةً – Catch phrase تكرّرها طوال الوقت.
الـ”لماذا” الثانية عن سبب تهديد هذه الشخصيّات لبنية القصّة أصلاً، ولماذا وجودها يجعل أيّ شخص خارج الفئة المستهدفة أكثر نفوراً عنها، لتصبح الآراء حولها متضادّة بشكل حاد – Polarized؟
الإجابة هنا متعلقة بثمن القصص الحقيقي الذي يدفعه المتابع: الوقت.
عندما “يستثمر” متابع وقته في قصّة ما فهو يتوقّع “عائداً” عليه مكافئاً لما استثمره فيها، لهذا تكون أجزاء الفيلر والتمطيط والتكرار أشياء معبوس عليها عادة، لأنّها تستهين بهذه الاستثمار، وبالوقت المنفق على القصّة والمستثمر فيها.
المتعة ربما تكون العائد الأكبر بين العوائد التي يتوقّعها المشاهد من أيّ قصّة – القصص تصنع كي تكون ممتعة في المقام الأوّل، وتنجح بناء على هذا، ثم يأتي كلّ شيء آخر. والمتعة في صلبها موضوع نسبيّ يختلف من متابع للآخر، لذا عندما يدخل الكاتب طرفاً جديداً لقصّته ليجذب فئة جديدة من المتابعين، عليه أن يزن الأمر جيّداً؛ هل هذه الإضافة كافية لجذب هذه الفئة الجديدة دون تنفير بقيّة الفئات أم لا؟
للفئة التي تعجبها هذه الإضافة، ستزداد قيمة الاستثمار الذي وضعوه في هذه القصّة، بينما للفئة الأخرى سيكون الشعور معاكساً تماماً – ستصبح كافة اللحظات التي تتضمن هذه العناصر عبارة عن “مضيعة للوقت” بنظرهم.
بالتأكيد، لن يستيطع كاتبٌ التنسيق بين كافة العناصر التي يريد إدخالها بطريقة مثاليّة ليرضي جميع الأطراف، وسيكتب في النهاية ما يحقق أهدافه هو بغض النظر عن التوازن كلّه، ولكن لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ هذا التوازن موجود، وأنّ تأثيره واضح، وأنّه في حال قلب الكفّة لصالح أحد الطرفين مقابل الآخر، ستصبح الآراء متضاربة بقوّة حول القصّة.
عندما يقوم الكاتب بهذا، فهو يضع رهاناً كبيراً على الفئة التي يسعى لإرضائها، وهذا قد يعني فشل القصة تماماً إن لم يكن رهانه في المكان الصحيح.
عندما تقدّم شخصيّة فتاة “مُستخدمة” في القصّة، الكاتب يراهن على الفئة التي تستمتع بوجود هذا النوع من الشخصيّات، وعندما يزيد وقت ظهورها في القصّة على حساب الشخصيات الأخرى، ويبقيها في فضاء الشخصيات المستخدمة دون محاولة البناء عليها أو تطويرها، فهو يضع المزيد من المخاطرات في الرهان ذاك. في نفس الوقت، كلّما ازداد وقت ظهور الشخصيّات الأقلّ تأثيراً في القصّة، كلما أصبح من الصعب أكثر على الشخصيات المؤثّرة أن تظهر هذا التأثير بطريقة مفهومة.
أسونا وإينوري، الكلاسيكيّة والمستحدثة
كمثالين مشهورين عمّا أحاول تفسيره في هذه المقال يمكننا النظر لأسونا من سورد أرت أونلاين، واحدة من أكثر الشخصيات الأنثوية شهرة في عالم الأنمي – وإينوري من غيلتي كراون، واحدة من أكثر الشخصيات الأنثوية تطرفاً في صفاتها كمُستخدمة – بل يمكن القول أنّها تعتمد بالكامل على هذه الصفة في كتابتها، دون أن يكون لها أيّ صفات حقيقية أخرى.
الطريقة التي استخدم فيها الكاتب أسونا مشابهة للطريقة التي استُخدمت فيها “الفتاة في المحنة” في قصص قديمة، فهي الدافع لما يقوم به البطل في كثير من الأحيان، وعندما لا تكون الدافع تصبح “متعةً للأنظار” دون أن تحصل على تطوّر فعليّ أو حتى تقديم فعليّ لطريقة تفكيرها أو رغباتها حتّى وقت متأخّر بالقصة وبحدود متواضعة. وفي الآرك الثاني من القصّة – بعد مرحلة من بقائها في الواجهة دون أيّ عائد على هذا الوقت المستثمر فيها، تعود أسونا لجذور شخصيّتها وتصبح -بكافّة المعايير- الفتاة في المحنة، ولتكون الدافع للبطل كيّ يتابع رحلته في هذه القصّة.
وبينما تكتفي أسونا باعتناق متواضع لشخصيّة المُستخدمة، وتبقى في حدود الظهور الجميل وحثّ البطل، تعتنق إينوري تلك الشخصيّة وتأخذها لأقصى الحدود، لتكون حرفياً ومجازياً وضمن الأحداث أداة للبطل، ولتقول بصريح العبارة “استخدمني” – الكلمة التي استقيت شخصياً منها تسمية هذا النوع من الشخصيّات.
إينوري تمتلك صفاتً شخصيّة وتفاصيل بقدر امتلاك سيف الشخصيّة الرئيسيّة لتلك العناصر… ولا تكتفي قصّة غيلتي كراون بهذا، بل تجعل إينوري سيفاً ليستخدمه البطل في القصّة. ولم تكتفي القصّة بهذا أيضاً فجعلت “الوعي الخامل والقلب الفارغ” من صفاتها الرئيسيّة التي “تتميز” بها.
وما يمكنك ملاحظته في العملين، على الرغم من اختلافهما واختلاف قصّتيهما وطريقة إنتاجهما وصناعتهما، أنّ الآراء حولهما متضادّة ومتعاكسة – ليس كالتضاد والتعاكس بين متابعي الأعمال عادة، بل تضادّاً بفجوة كبيرة بين الطرفين، لا يدري الطرف المستمتع بهذا النوع من التقديم أسباب الطرف المعترض على وجوده، ولا يدري الأشخاص الذين يعتبرون هذا النوع من الشخصيات الأنثويّة “مثالياً” لماذا يعتبره الآخرون فارغاً.
ولكن… علّ كلامي هذا ساعد في توضيح الأمر قليلاً للطرفين.
اولا يعطيك العافية على المقال
كلامك عزيزي الكاتب غالبا ينبطق على اعمال الحريم ، فهناك فكرة سائدة في مثل هذه الاعمال وهو الخضوع التام من قبيل الشخصيات الانثوية لبطل المسلسل ، والنتيجة ظهور العديد من الاعمال التي ليست بالمستوى المطلوب والتي اعتمدت تماما على هذه الفكرة .
حقيقة مقال رائع جدًا، بناء الشخصية الأنثوية اليابانية في الأنمي سخيف جدًا في الغالب.