تعود كاتبة “صوت صامت” في مانغا إلى ذاتك الخالدة للحديث عن فتى اُبتلي بالخلود ورحلته المميزة التي تجسد رؤية الفلسفات الشرقيّة عن الروح ورحلتها الأزليّة.
إنّ ظهور مذهب الولادة المتكررة هو نقطة تحول كبيرة في تاريخ البشريْة.
– الفيلسوف الألماني نيتشه
منذ انفصالها عن الكلّ والروح البشريّة بحاجة للاتحاد مع المادة لتحقيق شرط وجودها. يُمثل الجسد سجناً للروح ولكنه في الوقت نفسه يلعب دور الأداة التي تقود الروح عبر تقمصات عديدة إلى اختبار تجربة الحياة التي تُساهم بنضج الروح وتنويرها تمهيداً لعودتها مرة أخرى إلى منبعها.
يبدأ الفصل الأول من مانغا إلى ذاتك الخالدة بعنوان “الأخير” على لسان مجهول يمكن التكهن بأنه الإله الذي يصف الحالة الأولى لروح بأنها جسم كرويّ من الطاقة الصرفة يمتلك القدرة على اتخاذ شكل أي شيء موجود. يقرر الإله إرسالها إلى الأرض ومراقبتها. فتتخذ شكلها الماديّ الأول ألا وهو صخرة عديمة الوعيّ بالمكان أو الزمان، وتبقى على حالها فترة من الوقت إلي حين تغيّر حرارة وسطحها المحيط الذي يحفز فيها خاصيّة الإستجابة فتتحول إلى طحالب عشبيّة.
تغطي في المشهد التالي الثلوج الأرض ويأتي ذئب وحيد مترنحاً من جهة الجنوب. وبعد أن يموت متأثراً بالتعب، تتحول الروح إلى ذئب، أي حيوان، مما يمنحها الوعيّ بمحيطها. ويترافق التجسد بشكل حيوان باكتساب ميّزة الحركة والشعور. يتحرك الذئب ببطء والدماء تسيل منه، فعلى ما يبدو لم تكن هيئة الذئب الشيء الوحيد الذي اخذه، بل جراحه أيضا فيكون أول شعور يختبره هو الألم ثم البرد اللذان يشكلان إحساساً بدئيّ بالوجود.
يسافر بلا هدف ويصل إلى كوخ حيث يجتمع بالفتى صاحب الذئب الأصليّ والذي يعيش وحيداً في قرية هجرها أهلها بحثاً عن مكان أفضل للعيش. في منزل الفتى وبعيداً عن الطقس الذي يخدر الحواس، يختبر الذئب الشعور بالدفء ويتعرف على حاسة الشم والألفة التي يعبق بها المنزل. وفي أثناء ذلك، يبتهج الفتى لعودة صديقه ويقرر القيام بالرحلة التي قام بها أهله من قبل والتي كانت إصابة سببها الذئب أصلاً السبب في ترك القبيلة الفتى وراءهم.
خلال الرحلة، يتعرض الفتى لإصابة في وركه وتظهر له علامات تدفعه للشك إن كان طريقه صحيحاً فسرعان ما يستسلم ويعود خائباً إلى كوخه حيث يموت جالساً على كرسيه. خلال لحظاته الأخيرة، يتوجه إلى ذئبه الأليف برجاء ألا ينساه، وبشكل غير مباشر ينقل إليه حلمه بإيجاد عالم أفضل والاجتماع بآخرين غيره. وكما هو متوقع، يكسب الذئب هيئته الآدمية الأولى لأن شرط التحول إلى بشريّ هو وجود الدافع، وطبعاً الدافع هنا هو الرغبة في “السعيّ” أي البحث عن التغيير عوضاً عن انتظاره وهي أول ما يميز البشر عن غيرهم من المخلوقات.
يتابع الفتى رحلته، ويجتمع في الفصول التاليّة من مانغا إلى ذاتك الخالدة بالعديد من الشخصيات ويخوض تجارب مختلفة. ولأن الوعيّ عملية تراكميّة تكون تجاربه حجارة ترصف طريق تشّكل وعيه وإنسانيته، فنراه يحصل على اسمه (فوشي) من شخصية، ويكتسب اللغة والتعاطف وتقبل القدر من أخرين غيرها، وأشياء عديدة أخرى تكون مجرد مفردات بالنسبة لنا، ولكن بالنسبة لروح مستجدة فهي دروس كبيرة على طريق طويل للغاية.
منذ الفصل الأول، تشي أحداث القصة وتصنيفها التراجيديّ بمصير جميع الشخصيات التي سيلتقيها فوشي حيث جميع القصص تبدأ وتنتهي بالوداعات. ولأن فلسفة الولادة المتكررة أو التقمص تشكل المحور الأساسيّ لقصة هذا العمل، فإن موت الشخصيات الحتميّ يسمو عن سمته التراجيديّة ويلعب دور المحّفز للتغير فهو يرمز لإكتمال تجربة الروح في قميص (هيئة مادية) معين والتحرر منه يعني الانتقال إلى حالة أفضل من الوجود والوعيّ الروحي.
مع كل موت شخصية يحصل فوشي على جسدها وخبراتها وحتى دوافعها، ويكون عدم قدره على الموت مجرد وسيلة لإظهار تجربة الروح بسلسلة متكاملة لا يلعب الموت فيها دوراً أكبر من كونها محطة يجب العبور منها.
أخيراً يمكن القول أن القصة تجربة مميزة للغاية في طريقة تجسيدها المميزة لفلسفة الشرق ومعتقتداته حول الروح ورحلة العودة إلى منبعها.
- الكاتب: Ooima Yoshitoki
- التصنيف: دراما، تراجيديا، فانتازيا
- الحالة: مستمرة
- تاريخ الصدور: ٢٠١٦ من مجلة شونين جامب
- عدد المجلدات: ١٠ مجلدات
- عدد الفصول: ٦١ فصل مترجمة للإنكليزيّة و٣٧ فصلاً للعربية
اقرأ أيضاً: