فنّ الاقتباس: مشاكل شائعة في اقتباسات المانغا واللايت نوفلز

تكلّمت في مقالي السّابق عن إنتاج بيستارز عن فكرة الاقتباس بشكلٍ موجز وكان بيستارز المثال الممتاز لكيفيّة القيام باقتباس صحيح لمصدر من وسط مختلف عن الأنمي. لكنّ الأمثلة الإيجابيّة غير كافية لتوضيح فكرة معيّنة لذلك سأستغل هذه الفرصة للحديث عن أضخم المشاكل الّتي تحدث في الاقتباسات الشّائعة هذه الأيام.

قبل البدء أودّ التّنبيه أنّ المشاكل الّتي أتكلّم عنها هنا ليست متعلّقة تماماً بحذف بعض المشاهد أو إضافة الفلرز لسلسلة معيّنة. بينما تعتبر هذه مشاكل فعليّة في العديد من الاقتباسات ما اتكلّم عنه هنا جوهري أكثر ومرتبط بكيفيّة تحويل عمل من وسط معيّن إلى وسط آخر وما هي طريقة التّفكير الّتي تقع خلفه. يمكنك اعتبار هذا المقال الجّزء الثّاني لـ لماذا يجب عليك الاهتمام بالجّانب البصري في أعمال الأنمي (لا يلزم عليك قراءته)

الاقتباس ونقاط قوّة كل وسط فنّي

بشكل عام يمكنك اعتبار الهدف الأساسي للفن هو الاتّصال بالمتابع، فبدون بناء اهتمام لدى المتابع بعملك لن تصل إلى أي شيء. لهذا يحاول كل فنّان في الوسط الّذي يعمل فيه أن يجذب انتباه المتابع بقدر الامكان وهنا ينشأ التفارق بين هذه الأوساط الفنّية المختلفة. بين وسط كتابي، صوتي، بصري ثابت، بصري حركي الخ.

الفكرة هنا مرتبطة في ما تمتلكه وما لا تمتلكه كفنّان. لنقل أنّك كاتب روايات تحاول بقدر الامكان جعل القارئ يهتم بعملك. ما يجب عليك التّركيز عليه في عملك إذا هو أدواتك الأساسيّة للوصول إلى المتابع وهي الكتابة وما يتعلّق به بالاسلوب الخاص في استخدام الكلمات وفكرة وجود عدّة صفحات مع غطاء خارجي قد يمتلك صورة او اثنتين. التّلاعب بهذه العناصر هو ما تمتلكه كفنّان لهذا يجب عليك هيكلة عملك حول هذه الأدوات المتاحة وبناء أولويّات متناسبة مع عملك الفنّي.

نجاح الفنّان في بناء هذه الـ “الانسيابيّة” الصحيحة لعمله هو -بنظري- شيء أساسي وحاسم لنجاح العمل. هذا ما يجعل المتابع كذلك يقدّر الوسط الفنّي نفسه الّذي سمح بوجود هذا المحتوى وطريقة إيصاله. هنا أيضاً تنشأ الأساليب الخاصّة لكل فنّان وفي حالتنا أسلوب كتابي قد يعمد اللّعب بالكلمات أو قد تجد أشياءً أغرب مثل تغيير ترتيب جزء من الكتاب ليعطي القارئ تجربة مختلفة وهكذا.

هذه النّقطة لا تزال بنظري أكثر نقطة يتم الاستخفاف بها أو تجاهل أهمّيتها من المتابعين. الكثيرون يعيرون اهتمامهم الكامل لمجريات الأحداث نفسها في عمل ما وليس طريقة إيصال هذه المجريات وهو في الحقيقة السّبب الأساسي لاهتمامهم بعملٍ ما -بشكل واعي أو لا واعي-.

الموضوع ينطبق كذلك على الأوساط مرئيّة. المانغا على سبيل المثال توظّف النّصوص والرّسومات وبالطبّع يوجد أولويّات معظمها يعود إلى الرّسومات لكونها تغطّى الجّزء الأكبر من المعلومات الّتي تصل إلى المتابع. هنا سيتغير الاسلوب الكتابي كاملاً ليُقلل من “شرح” شيء وبالمقابل يُكثر من “إظهار” هذا الشّيء. لن تجد وصف مفصّل لعيون الشخصيّة ومظهر شعره لأنّك تراها. فالمانغاكا الذّكي يوظّف كل هذا في بناء عمله.

الأمر لا يتوقّف عند طريقة نقل هذه المعلومات بل تغييرها بشكلٍ جذري لوجود اساليب أخرى كذلك لنقل المعلومات للقارئ. ماذا عن تقسيمات الصّفحة وطريقة عمل ال Panels في المانغا ونظام قلب الصّفحة. كلها عناصر أُضيفت للوسط نفسه تسمح بالقيام بأشياء لا يمكنك القيام بها بالوسط الكتابي البحت مثلاً. هنا يقع الاختلاف الجّوهري الّذي يُنشئ مشاكل الاقتباس. يجب عليك هنا أن لا تفكّر ككاتب رواية إنّما كمؤلّف مانغا.

اقتباسات الأنمي – أعقد ممّا تتخيّل

نتيجة بحث الصور عن manga vs aniome

معظم النّقاط السّابقة تنطبق على الأنمي كذلك، لكنّها تزداد تعقيداً بحكم إدخال العديد من الأبعاد الأخرى هنا أهمّها الأنيميشن وإمكانيّة التحكّم بتغيّر الرسومات مع الوقت، كذلك جانب الصّوت والموسيقى. جميعها أبعاد تغيّر طريقة استقبال المتابع للعمل بشكل أساسي. الخلط بين هذه الأبعاد ليس ثابتاً دائماً فبعض الأنميّات تكون صامتة مثلاً وتستخدم صمتها بطريقّة فنّية معيّنة (مثال).

لذلك كما ذكرت في الفقرة السّابقة يجب على المخرج الذّكي أن يوظّف هذه العناصر الإضافيّة في صناعة عمل يقتبس المصدر الّذي بُني عليه لكنّه كذلك يقف كعمل منفصل متماسك ومناسب لوسط الأنيميشن. هذا قد يشمل تغييرات أساسيّة في العمل الأصلي من عدّة نواحي قد تتضمّن إعادة تخيّل للتصاميم مثلاً وغيره الكثير. على هذا الأساس النّتيجة النّهائيّة من هذا الاقتباس يجب معاملتها على أنّها عمل جديد مستلهم من المصدر لكنّه غير مُجبر على اتّباعه.

هنا تظهر الإشكاليّة الأساسيّة الّتي تسبب كل المشاكل الّتي سأتكلّم عنها في الفقرات التّالية وهي فكرة الاقتباسات الحرفيّة. للأسف العديد من المتابعين لازالوا يؤمنون بفكرة أنّ الاقتباس الحرفي هو الحل الصّحيح لكل عمل يجب اقتباسه وأنّ على فريق العمل أن يتصرّف كالآلة في نقله للمصدر مع إضافة انيميشن للقطات فقط. هذا بنظري هو أبعد ما يكون عن الاقتباس الممتاز وهو ما يولّد معظم مشاكل الاقتباسات الّتي تجعلها منسيّة وضعيفة.

خلف كل عمل هناك فريق يضع جهداً فنّياً فيه ويحاول إيصاله بنظرة معيّنة قد تختلف عن المصدر الّذي يتم اقتباسه. عندما تشاهد أنمي معيّن فأنت لا تشاهد نتاج مؤلّف العمل فقط بل كذلك المخرج (صاحب الدّور الأكبر في معظم الأنميّات) ومصمّم الشخصيّات وكاتب النّصوص والخ.

مشاكل الاقتباس من المانغا

نتيجة بحث الصور عن manga vs anime

أكثر أنواع الاقتباسات شيوعاً في وسط الأنمي. المانغا بطبيعتها تصويريّة وتمتلك أسلوب سردي مشابه للأنمي مع حس فنّي مشابه كذلك بالذّات من ناحية تصاميم الشخصيّات. بدأت المانغا من نفس أصول الأنمي وتطوّرت معه لذلك تستطيع رؤية التشابهات الهائلة هنا. لكن بالرّغم من ذلك عندما تتجاهل التشابهات الثّقافيّة بين الوسطين ستجد الاختلافات الجّوهريّة في طريقة عملهما.

مشكلة اللقطات الثّابتة والـ Panning shots

نتيجة بحث الصور عن shokugeki no soma panning shot

تعتمد المانغا في طريقة تقسيمها على إظهار كل لقطة لوحدها في Panel بأكثر وضع مفصّل ومختلف عمّا سبق لينقل شعور التّجديد وتعابير الشخصيّات لكن كذلك لا تعتمد على التّبسيط في اللقطة انما بناء المشهد كفريم يمكن أخذه كصورة خارج المانغا مع البقاء مفهوماً (باستثناء لقطات الأكشن والقتال). أي أنّ كل مشهد من المانغا يسعى للظهور بأكثر شكل ملفت للنّظر وتعبيري.

نتيجة بحث الصور عن jojo part 7 panel
مثال من مانغا جوجو والاسلوب الاستعراضي القوي

نقل طريقة بناء المشاهد هذه إلى الأنمي ليست بالسّهلة وتعتمد على ما يحاول المخرج إيصاله. لكن أحد الممارسات المشهورة هي نسخ الـ Panels بشكل حرفي واستخدام ما يسمّى بالـ Panning shot (تترجم حرفياً إلى “لقطة انزلاق”) وهي اسلوب اخراجي يعتمد على استخدام كاميرا تنزلق فوق صورة ثابتة بوضع أفقي أو عامودي. حركة الكاميرا فوق الصّورة يعطيها شعور الـ “حيويّة”.

نتيجة استخدام هذا الاسلوب بشكل مسرف بدون هدف فنّي له يسبب لقطات أنمي غير قابلة للمشاهدة وتعطي هدف مختلف تماماً عمّا تحاول المانغا إيصاله. يمكنك وصف النّتيجة هنا بالـ “مانغا المتحرّكة” لكونها أشبه بعرض PowerPoint خالي من أي أنيميشن فعلي سوى بعض التعديلات لتحريك الفم وما شابه. اللقطات هذه تخلو من أي شيء يجعل وسط الأنمي مثير للاهتمام ولا تراعي بناء مشاهد مناسبة لهذا الوسط.

المشكلة لا تتوقّف هنا بل تتضارب كذلك مع استخدام ثاني مهم للـ Panning shots وهو بناء التوقّعات للقطة ضخمة. الكثير من الانزلاق في اللقطات يعطي المتابع شعوراً خاطئاً بوجود كشف مهم فيما بعد وهذا لن يأتي أبداً للأسف لأنّ نيّة المخرج هنا هي إعطاء شعور خاطئ بالحركة للمتابع. لذلك سيخرج المتابع غالباً بعد نهاية الحلقة بوجع رأس وإحباط مبالغ فيه مع تجربة مملّة تماماً لما كان يمكن أن يكون حركة سلسة توضّح دوافع الشخصيّات مع تصميم مشاهد ممتع وذكي.

أسوء الأمثلة الّتي شاهدتها شخصيّاً لهذا الاستخدام هو الجّزء الثّالث والرّابع من Shokugeki no Soma. العمل الّذي بدأ موسمه الأول باقتباسٍ مقبولٍ لفكرة فريدة تحوّل إلى عرض فارغ لعشرات المشاهد من ال Panning shots المنسوخة حرفيّاً من المانغا مع حركة فم بسيطة. المزعج أنّ العمل كان باستطاعته بناء الكثير من اللقطات المثيرة للاهتمام باستخدام الطّعام وتصميم شخصيات المانغا الجّيد (والّتي لا تحتاج حتّى الكثير من الأنيميشن). للأسف النّتيجة كانت كارثيّة فعلاً لدرجة أوصلتني شخصيّاً إلى الغثيان خلال المتابعة من شدّة استخدام الـ Panning shots الّذي وصل إلى 84 لقطة من أوّل 100 لقطة!!

الأمر ينطبق كذلك على أنمي Dr. Stone بدرجة أقل نسبيّاً. اقتباس آخر مبني على النّسخ الحرفي لمشاهد المانغا بما في ذلك المشاهد الكوميديّة أو الشّرح العلمي لظاهرة معيّنة. الفرق هنا أن المانغا بذاتها تمتلك حس فنّي عظيم من الرسّام Boichi وهذا ما جعل الأنمي بالرّغم من سوء الاقتباس الشّديد بنظري مثير للاهتمام بصريّاً لمن لم يتابع المانغا. لكن في هذه الحالة لا اجد شخصيّاً سبباً لمتابعة الانمي فأنصح بالاتّجاه للمانغا الّتي تمتلك كذلك نظام تقسيمات عظيم وسلس جدّاً يجعل قراءتها سهلة جدّاً وممتعة (أنصح بها كذلك لمن لا يحب قراءة المانغا)

للأسف يصعب علي إظهار هذه اللقطات في مقال مكتوب لكنّي أنصح بمشاهدة هذا الفيديو عن شوكوغيكي نو سوما الّذي يشرح المشكلة ذاتها مع إظهار اللقطات المناسبة:

ما الّذي تستطيع فعله اتّجاه هذه المشاهد إذاً؟ الجّواب يعتمد على طبيعة العمل وما يحاول المخرج إيصاله. أحد الأمثلة النّاجحة جدّاً في تعديل نقاط تركيز المانغا بشكلٍ ممتازٍ ليجعل أقل المشاهد أهميّة ممتع للمشاهدة هو Beastars. كما ذكرت في مقالي عن إنتاج بيستارز يوجد تركيز كبير من فريق العمل على نقل لغة الجسد بشكلٍ ممتاز واستخدام تقسيمات شاشة لعرض ردود فعل الشخصيّات بدقّة عالية. هذه النّوعية من الاهتمام تخلق جو خاص للمشهد وتنقله للحياة بدل نقل Panels المانغا بشكل أعمى مع خدع كثيرة:

مشاهد القتال: التّعديل والمؤثرّات ضد الأنيميشن

نقطة ثانية مرتبطة بالمشاكل المذكورة في النّقطة الأولى. حقيقية أن المانغا تحاول الظّهور بأكثر شكل متألّق ذو تفاصيل في كل Panel يعني صعوبة تحويل هذا إلى أنيميشن حركي. تحاول المانغا إضافة حسّ الحركة لمشاهدها عن طريق إضافة ما يُعرف بالـ Smears (خطوط تنقل شعور الحركة) واستخدام زوايا متنوّعة لنقل شعور الاصطدام وما شابه:

المشكلة هنا مرّة أخرى أنّ هذه اللّقطات صُنعت لتظهر بشكلٍ ثابت ينقل شعور الحركة بأساليب متنوّعة. نقله إلى وسط الأنيميشن يعني ضرورة تحريكه أو استخدام وسيلة مبتكرة لبناء المشهد بشكلٍ جذّاب للمتابع. هذا أحياناً لا يتوقّف على ضرورة تحريك المشهد بل كذلك تخيّل سيناريو جديد له (إعداد StoryboardsStoryboarding لوحة القصّة – Storyboarding هي خطوة أساسيّة في صناعة الأفلام تُشير إلى رسومات في لوحة متسلسلة مع ملاحظات مهمّة. عادة ما يقوم المخرج بصناعة لوحة القصّة ولكن من الممكن تواجد فنّاني Storyboarding متخصصين في الفريق كذلك. مثال. جديدة للمشهد).

أحد الطّرق للتعامل مع هذا الموضوع هو وصل المشاهد الثّابتة من المانغا ببعضها مع بعض التّعديلات وإضافة الكثير من مؤثّرات المانغا مثل الخطوط الخارجيّة لاعطاء شعور زائف للحركة وهكذا. للأسف النّتيجة معظم الأحيان تكون غير مريحة أبداً ولن تخرج راضياً عن هذه المشاهد عادة. مثال لهذه اللقّطات هي كذلك من أنمي Dr. Stone:

لاحظ كميّة المشاهد الهائلة الّتي يتم التّبديل بينها بينما تهاجم الفتاة. لاحظ كذلك مشاكل الحركة وكيف تظهر خالية من الوزن وشعور الاصطدام عند ضرب الخنجر. أيضاً ستجد الكثير والكثير من مؤثّرات المانغا مع الخطوط الكثيفة حول الشّاشة بينما حركة الفتاة الفعليّة قليلة. وأخيرا اختفاء كامل للخلفيّات في الكثير من المشاهد يُفقدك احساس مكان الشخصيّات وأين موقعها بين كل حركة والأخرى.

في المقابل إذا ما كان عليّ ذكر أفضل الأمثلة الّتي تعاملت مع هذه المشكلة فمشاهد الأنيميتور المشهور Yutaka Nakamura الّذي تكلّمت عنه سابقاً هنا هي الأفضل. هذا يعود إلى حقيقة أنّ ناكامورا دائماً ما يبني الـ Storyboard الخاص بمشاهده بشكل مختلف تماماً عن المانغا ليتناسب مع وسط الأنيميشن وأسلوبه الشّخصي في التّحريك. أحد لقطاته الجّديدة هي مثال جيّد لهذا الشّيء من Boku no hero academia S4:

المشهد بذات نفسه مذهل فعلاً لكن أكثر من يبهرني هو زوايا المشاهد والانسيابيّة الممتازة بينها. هذا المشهد لن تجده في المانغا أبداً بالشّكل ذاته لأنه مُصمم كاملاً من ناكامورا ويقدّم شيئاً لا تستطيع نقله بالمانغا بذات الأثر القوي:

قد تظنّ أن الفرق فقط جودة تقنيّة لدى بعض الرسّامين لكنّ امتلاك هذه الاحترافيّة في التّحريك ليست الطّريقة الوحيدة للقيام باقتباس مشاهد قتاليّة ممتع. على سبيل المثال مشهد القتال الأوّل من أنمي Blade of the immortal لا يمتلك تقريباً أي مشهد أنيميشن فعلي ويحتوي على الكثير من النّقلات بين كثير من اللّقطات. لكنّه يستخدم هذا بطريقة فنّية بحتة مع الكثير من التعديلات القويّة على الإضاءة لنقل شعور الاصطدام والضّغط النّفسي في المشهد:

أثر قلب الصّفحة

لعلّ أهم اختلاف بين المانغا والانمي في طريقة الاستهلاك هو امكانيّة التحكّم بالوقت وسرعة الاستهلاك من المتابع. بينما تستطيع بكل تأكيد إعادة مشاهدة عدّة لقطات من أنمي معيّن فهذه اللّقطات مصنوعة ليتم مشاهدتها بتسارع معيّن ومدّة معيّنة. هذا يعني المخرج يمتلك القدرة على تحديد ماذا سيحدث بسرعة معيّنة وبشكل خطّي في 24 دقيقة المعتادة. هذا يختلف تماماً في المانغا. سرعة القراءة في المانغا والانتقال بين الصّور تعتمد على القارئ نفسه لأنّه يقرأ كتاباً. أحد مزايا الكتب هي قلب الصّفحة لرؤية ما سيحدث فيما بعد.

من هذا الأساس يظهر ما يسمّى بـ أثر قلب الصّفحة حيث يتم التّعويض عن عدم وجود سرعة ثابتة بالمانغا بامكانيّة استخدام قلب الصّفحة لكشف أحداث مهمّة. هذه أحد الأدوات الأساسيّة الّتي تمتلكها المانغا بطبيعتها ككتاب وتستخدم عادة لنقل التّشويق بعد بناء التّوقّعات بالصّفحة السّابقة وهكذا. توظيف هذه الميّزة بأفضل طريقة ليس شائعاً دائماً لكن لعلّ أهم من استخدم أثر قلب الصّفحة بأفضل شكلٍ ممكن هو مانغاكا الرّعب المشهور جونجي ايتو.

يتم بناء التوتّر في هذه الصّفحة للكشف المرعب
ثم تحصل على صفحتين للكشف العملاق

يحب جونجي ايتو هذه التقنيّة بشدّة فهي تجعل أثر الرّعب في أعماله أضعافها عند استخدامها بشكلٍ ذكي وهذا ما يفعله. إذاً ماذا تستطيع فعله لاقتباس متأصّل بالمانغا لهذه الدّرجة؟ لا يوجد جواب محدد لكيفية القيام بهذا بشكل صحيح وربّما من الأفضل أن يبقى العمل على شكل مانغا. لكننا نعمل ما لا يجب عليك القيام به وهو نسخ المانغا كما هي بدون مراعاة هذه اللّحظات المهمّة للكشف أو التّعويض عنها بطريقة ما. هذا ما حصل في أنمي Junji Ito’s collection.

في أنمي Junji Ito’s collection تمّ نسخ المانغا بطريقة شبه حرفيّة مع مراعاة اقل بكثير للتفاصيل واخراج سيء للمشاهد أفقد العمل كل ما يمتلكه من إمكانيّة ليكون مرعباً فعلاً خلال المتابعة. لا يوجد كذلك أي إضافات صوتية ذكيّة للاسف فالنتيجة كانت مخيّبة للآمال.

بالطّبع لايزال يوجد العديد من المشاكل الممكنة في الاقتباس من المانغا لكن هذه كانت أهم المشاكل بالنّسبة لي. معظمها يعتمد على عدم فهم نقاط قوّة الأنمي بالمقارنة بالمانغا كوسط فنّي فنحصل على اقتباسات حرفيّة تُسيء فهم المصدر.

مشاكل الاقتباس من اللايت نوفلز

نتيجة بحث الصور عن light novels vs anime

بينما كانت مشاكل اقتباس المانغا معتمدة على عدم فهم الفرق بين الأنمي والمانغا أو عدم توظيف إمكانيّات الأنمي بشكلٍ صحيح، فالمشاكل الّتي تنتج عن اقتباس اللايت نوفلز أسوء بأضعاف وتكاد تُصيب كل اقتباس تقريباً. هذا يعود بنظري إلى إلزاميّة صناعة مظهر بصري جديد لكل رواية. صناعة مظهر بصري جديد لكل رواية صعب جدّاً ويعتمد على خبرة المخرج وفريقه، فيلجاً معظمهم إلى قوالب جاهزة لاقتباسات سهلة ورخيصة.

الحوارات ومرض الـ Exposition

نتيجة بحث الصور عن anime exposition

يمكننا تجريد نقاط قوّة الروايات في الحوارات ذاتها وامكانيّة كتابة ما شئت لوصف ما شئت. ربّما يمكنك افتراض أنّ أفضل ما في الكتب هو قلّة العناصر الأخرى فيه وبالتّالي قلّة احتماليّة إفساده بنقاطٍ أخرى مثل الموسيقى والرّسومات. لكن هذا يتغيّر تماماً عند نقل العمل إلى وسط الأنمي. الحوارات الكثيرة وطبيعتها تحتاج تغيير جذري هنا ليتناسب مع وسط الأنمي واختصار الكثير من الحوارات بتعابير شخصيّات أو طريقة نقل معلومات بصرية باخراجٍ ذكي. لكنّ هذا لا يحدث عادة للأسف.

اقتباسات اللايت نوفلز في الأنمي هي الأسوء بدون شك من أي مصدر يتم اقتباسه إذ يتم نقل الحوارات بكامل كثافتها الضخمة للأنمي مع شخصيّات تقف في موقعٍ ممل لتشرح لك القصّة. تتحوّل عملية مشاهدة الأنمي هنا إلى سباق مع وقت للقراءة بالنّسبة للمتابع غير المتقن لليابانيّة وهذا بنفسه ليس المشكلة بالذّات بل كون الحوارات Exposition (حوارات ذات طبيعة شرحيّة) يمكن نقلها بطرق بصرية كثيرة مختلفة.

يوجد الكثير والكثير من الأمثلة الّتي يمكنني ذكرها هنا. لن أُطيل في هذه النّقطة لأنّي تكلّمت في مقال سابق عن مشهد من سورد أرت اونلاين بالتّفصيل وما يمتلكه من مشاكل اخراجيّة وكميّة حوارات تتجاوز نصف الحلقة الأولى حتّى. يمكنك كذلك النّظر إلى أمثلة أخرى سيّئة مثل Asterisk war و Overlord والجزء الأول من Yahari والكثير الكثير غيرهم.

الأمثلة الجيّدة ليست كثيرة لكن يمكنك وضعها في صنفين. أحدها حوّل هذه الحوارات الكثيفة إلى تعابير بصريّة وركّز على قوّة السينماتوغروفي في العمل مثل عمل كيوتو انيميشن على سلسلة Hibike! Euphonium وبالذّات فلم المخرجة ناوكي يامادا Liz and the bluebird الّذي أعتبره ماستربيس في الرواية البصريّة.

أمّا الصّنف الآخر حوّل الحوارات الطّويلة إلى أسلوب كامل للعمل واستخدمها بطريقة فنيّة تعكس دوافع الشخصيّات بدون القاء بال إلى ما تحتويه من معاني. أشهر الأمثل على هذا هي سلسلة الـ Monogatari واستخدامها لحوارات الرواية الكثيفة بطريقة هزلية ذكية جدّاً لنقل فوضويّة تفكير الشخصيّات بين الجُمل الكثيرة. حتّى لو لم تفهم أو تكمل قراءة كافّة الحوارات بين شخصيات العمل فهذه الحوارات ليست شرحيّة مثل السّابقة والفكرة وصلت إليك كمتابع بمجرّد كثافة الحوارات وطريقة استخدامها. يمكنك القول أنّها عنصر جمالي (Aesthetic) أكثر من محتوى فعلي.

أخيراً من الجّدير بالّذكر أنّ مشكلة الحوارات الشرحيّة تتفرّع كذلك لمشكلة أخرى في بناء الشخصيّات. إذ يتم استخدام عدّة شخصيّات من الكاتب نفسه لهدف واحد وهو رواية ما يحدث للمتابع وقد تلاحظ هذا حتّى في المانغا. هذه الشخصيّات عادة لا تتطوّر وتلعب دور وحيد في الشّرح المتواصل وهو ما يعطيها أحاديّة أبعاد في البناء ولا هدف للوجود.

تقديم المشاهد الحواريّة بطريقة ممتعة

نتيجة بحث الصور عن anime monogatari exposition

معظم اقتباسات المانغا لا تعاني من هذه المشكلة عكس اللايت نوفلز. هذا يعود -كما ذكرت- إلى أنّ معظم المشاهد في المانغا مصنوعة بهدف جذب الانتباه لوحدها وامكانيّة نشرها بشكل منفصل. فهي ذات توزيع جيّد ومراعاة لمواقع الشخصيّات وتعابيرها وهكذا. هذا ما تفتقده العديد من اقتباسات اللايت نوفلز للأسف.

الأمثلة السّيئة الّتي ذكرتها سابقاً كافية لتوضيح هذه النّقطة. لعلّ الجّزء الأول من أنمي Yahari المثال الأوضح لشخصيّات تقف في مواقع غير مناسبة على الشاشة لايصال حوارات فقط بدون اي اكتراث لجودة تعابيرها أو جودة اللّقطة ككل. هنا أستطيع مدح سلسلة المونوغاتاري مرّة أخرى وبالذّات الجّزء الأوّل Bakemonogatari بقيادة المخرج Tetsuya Oishi و Akiyuki Shinbo الّذين استطاعوا صناعة أسلوب متفرّد للتعامل مع الحوارات الهائلة بالقيام بنقلات كثيفة بين العديد من اللّقطات المثيرة للاهتمام ذات الاخراج الممتاز وعوّضوا بهذا عن المشاكل الأخرى الّتي ترافق اقتباسات اللايت نوفلز. هذه اللّقطة مثال جيّد على ما ذكرته:

مشاهد القتال في اللايت نوفلز والسّرد الخطّي للأفكار

وصف مشاهد القتال في الروايات بطبيعته كثيف في شرح كل ما يحدث وتبادل أفكار بين كلا الشخصيّتين. يتم ذكر الأفكار على شكل حوارات متتالية مع الإعلان عن الحركة التّالية وهكذا. لكن يجب الانتباه إلى أنّ معظم هذه الحوارات تحدث في الرواية نفسها في الوقت ذاته ولا يوجد معيار معيّن للوقت هنا فيمكن للقارئ بسهولة تخيّل هذا التفاعل وفهم كونه يحصل بالوقت ذاته وأنّه مجرد أجزاء من الثانية من التّفكير السّريع قبل الضّربة التّالية.

المشكلة عند اقتباس هذا النّوع من المشاهد أن الأنمي بطبيعته يمتلك معيار معيّن من الوقت ولا يستطيع التّعبير عن شخصيّتين يقومان بأمرين مختلفين في الوقت ذاته بسهولة. هنا قد تتحوّل هذه المشاهد إلى شيء مشابه لقتال Turn based كما قد ترى في بعض الألعاب إذ تنتظر كل شخصيّة الأخرى لتقوم بالحركة الّتالية. هذا ما يجعل كامل تسارع القتال (Pacing) سيّئاً للغاية ويؤثّر على تجربة المتابع.

الحل لهذه النّقطة هو إمّا بالتّخلّص من كامل الأفكار والحوارات الدّاخليّة للشخصيّات أو بتحويل هذا إلى نظام قتال استراتيجي وهو شيء لا يصيب بمعظم الأنميّات بسبب طبيعتها وعدم فهم المخرج لهذه النّقطة. لعلّ أفضل الأمثلة بنظري لاقتباس قتال بطريقة استراتيجيّة هو مشهد قتال لانسر و سيبر من الحلقة الرّابعة لأنمي Fate/Zero والتّوظيف المناسب للحوارات الدّاخليّة:

لايزال هناك العديد من النّقاط حول اقتباسات اللايت نوفلز لكنّي سأكتفي بما ذكرته بالأعلى. قد لا تكون اقتباسات اللايت نوفلز محظوظة لكن هذا لا ينفي وجود عدة أمثلة ناجحة (بالذّات ما يصنعه استديو كيوتو انيميشن) وهو ما يُبقيني متفائلاً بمستقبل الاقتباسات وربّما فهم أكبر من صُنّاع الأنمي لكيفية التّعامل مع المحتوى المكتوب في المستقبل.

في الخاتمة، أتمنّى أني استطعت إيصال فكرة الاقتباس بشكلٍ مناسب مع الأمثلة. معظم المشاكل في الأعلى قد لا تكون أولويّة لغيري لكنّها تزعجني شخصيّاً بشكلٍ كبير وأرى أنّها تستحق الإشارة في الكلام عن الاقتباسات. أفهم رغبة محبّي المانغا واللايت نوفلز في اقتباسات حرفية للمصدر الّذي يحبّونه لكنّي أحاول تقديم وجهة نظر مختلفة لهذه المواد ولماذا قد يكون اقتباس مختلف جذرياًُ عن المصدر إيجابيّة كبيرة. ما رأيك في هذه الاقتباسات؟ اكتب رأيك في التّعليقات. شكرا لمرورك ومع السّلامة.

ترغب باستلام اشعار عندما ننشر مقالاً جديداً؟

4 تعليقات

  1. بالنسبة لإقتباسات الفبجوال نوفلز أعتقد أنها تستحق فقرة مفصلة لوحدها رغم أنها ليست من أكثر المواد اقتباساً ، السبب في ذلك يرجع لكونها مزيج من الصور والحوارات والأصوات أي أنها أقرب ما يكمن للأنمي نفسه بعكس بقية المواد التي تحتاج جهد اضافي من طاقم العمل في اعادة ابتكار المشاهد او خلقها من الصفر ، فهل مثلاً عملية اقتباس الفيجوال يفترض أن تكون أكثر سهولة نوعاً ما لإحتوائها على العناصر الأساسية من مشاهد وأصوات وحوارات ما يساعد طاقم العمل ؟ أم أنها تحتاج لجهد أكبر مشابه للروايات الخفيفة ؟. وشكراً لك.

    • موضوع الفيجول نوفلز اشوف اقرب بكثير للروايات الخفيفة بس مدعوم ب ماتريال اكثر ضمن اللعبة توضح الشكل البصري نسبياً. فاشوف الجهد باقتباسها مشابه ولسه يزداد تعقيد من الناحية الكتابية.
      المشكلة ترجع لان بالرغم من وجود الشخصيات والمشاهد والأصوات بس جميعها مصمم للعبة واستخدامه بالانمي نفسه ما حيكون موجود تقريبا. التصاميم معقدة كونها تكون ثابتة بالرواية ويتم رسمها مرات معدودة عكس المانغا فلابد من تغييرها بشكل جذري لتكون قابلة للتحريك والمشاهد نفسها ما تصلح خلفيات انمي لانها ما مرسومة من لقطات perspective عديدة بس تعطي فكرة عن المكان. الموسيقى ممكن إبقاءها بس تحتاج تغيرها شوية لانها مصنوعة ليتم لعبها على شكل loop عكس الانمي بالعادة. فمن هالناحية تقدر تقول لازم يتم اختراع مظهر بصري جديد للعمل مثل اللايت نوفلز.
      الكتابة ترجع نفس اللايت نوفلز تقريبا، الفرق الوحيد هو احتمالية وجود مسارات قصصية كثيرة لنهايات مختلفة عكس اللايت نوفلز والمانغا بالعادة وهذا يعقد موضوع الاقتباس اكثر ويصعبه.
      سبب اني ما تكلمت عنهم حقيقة ان معظم النقاط مشابهة للايت نوفلز وحقيقةً اقتباسات الفيجول نوفلز الناجحة قليلة جداً. الامثلة الناجحة مثل شتاينز غيت معظمها ما تحل المشكلة الجديدة هنا وهي المسارات المتعددة.

  2. أظن أعمال fate/stay night التي أنتجها يوفوتيبل ، مثال ناجح على أسلوب اقتباس الفيجوالز بمساراتها المتعددة ، وخيارهم باقتباس كل مسار على حدة كان في نظري قرار صائب بحيث يتم عزل كل مسار عن الآخر ما يحفظ قيمته وجودته الكتابية دون دمج المسارات الأخرى فيه ، رغم أنهم فقط اقتبسوا مسارين من أصل ثلاثة.

  3. أنامتابع casual للإنمي والمانجات ولا أركز في العادة على جوانب الإقتباس ولما أشعر في معظم الأحيان بأن اقتباسات الأنمي للمانجا المفضلة لدي لا تجذب انتباهي وأظن مقالك هذا جاوب على سؤالي
    شكرًا عل عملكم.

اترك رداً على Maher Rayesإلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.