فترة حياة الأعمال الفنّية في هذا العصر قصيرة جدّاً، حتّى أفضل القطع التي يتم نشرها من عباقرة لا يعرفها احد بعد بضعة سنوات. لكنّ القليل النّادر فقط نجح بشق طريقه إلى عقول المستهلكين بقوّة لدرجة أنّه استمرّ بالحياة لعقود. هذا هو إيفانجليون بل قد يتجاوز هذا الوصف ليمثّل نقطة التّحوّل الأكبر التي مرّ عليها وسط الأنمي. لكن بعيداً عن كل هذه الآثار الهائلة الملموسة إلى يومنا هذا، ماذا يحتوي إيفانجليون أساساً كعملٍ فنّي؟
في الواقع السّؤال السّابق لا يمكن الإجابة عليه. الطّريقة التي بُني فيها إيفانجليون تجعل انطباعات المتابعين الكثيرين تختلف جذرياً، وهو ما خلق نقاشاً هائلاً مستمراً إلى يومنا هذا عن ماذا يقع خلف كومة الأسئلة هذه. هذا طبيعي تماماً فطبيعة إيفانجليون لا تقتصر على النّقل المباشر للأفكار لذلك سيجد كل شخص معناه الخاص فيه.
“Evangelion is like a puzzle, you know. Any person can see it and give his/her own answer. In other words, we’re offering viewers to think by themselves, so that each person can imagine his/her own world. We will never offer the answers, even in the theatrical version. As for any Evangelion viewers, they may expect us to provide the ‘all-about Eva’ manuals, but there is no such thing. “
هيدياكي أنو (مؤلّف/كاتب/مخرج إيفانجليون)
ما أحاول إيصاله في هذه المقدّمة الطّويلة هو ما قاله هيدياكي أنو. لن تجد ذاك المعنى الوحيد الصّحيح تماماً لإيفانجليون ولا تحاول البحث عنه. لن تجد هذا في أيّ من المراجعات التّقليديّة لإيفانجليون فهي لا تعني شيئاً بعيداً عن نظرة من كتبها. كل ما ستجده هنا هو انعكاسات شخصيّة (وهي قيّمة جداً لكن لا تقع بسوء الفهم أنّها صحيحة بالتّأكيد).
إذاً ما الهدف من كتابة هذا المقال؟ حسناً رغبت شخصيّاً بتدوين ما أراه في إيفانجليون وشرح بعض الجّوانب المهمّة فيه، لكنّ ما ستقرأه هنا هو كذلك انعكاس شخصي منّي وكلمة “تحليل” في العنوان هي مجرّد بديل لـ “محاولة فهم”. الاختلاف يقع في أنّه مهيكل ومدعوم برؤى ومصادر مختلفة إضافة إلى دخول بسيطة في نظرة أكاديميّة للعمل. يمكن اعتباره كذلك توضيح عام لمن يكره العمل جهلاً بما يحتويه. في جميع الأحوال أتأمّل حقاً أن أستطيع نقل ما أشعر بها هنا.
ارتأيت تقسيم هذه المعالجة لإيفانجليون إلى سلسلة مقالات متلاحقة لإعطائه حقّه بدون مشاكل في هيكلة المقال أو جعله صعب القراءة، وبما أنّي أكره التّقسيم المعتاد وأرى أنّه يسبب سوء الفهم وجودة متدنّية (القصّة/الشّخصيّات/الرّسم/الموسيقى) فسأبني هيكلي الخاص هنا. ما سأناقشه اليوم هو التّرميزات المتمثّلة بالثّيمات الدينيّة النّفسية والفلسفيّة.
(إذا لم يكن الأمر واضحاً إلى الآن فسلسلة المقالات هذه ستحتوي حرقاً لإيفانجليون، لا تقرأها قبل مشاهدته. كذلك لن أتطرّق لشرح ما حدث في نهاية العمل يمكنك القراءة عن هذا هنا. وأخيراً موضوع نقاشنا سيكون سلسلة الأنمي المعروضة في 1995 إضافةً إلى فلم The End of Evangelion، أفلام الريبيلد موضوع آخر)
خلفيّة سريعة لـ Neon Genesis Evangelion:
تمّ إطلاق إيفانجليون في عام 1995 لكنّه موضوع حديث وخلاف مستمرٌّ إلى يومنا هذا. يمكنك إرجاع كامل الرّؤية الموجودة فيه إلى المخرج ورسّام الأنيميشن المشهور Hideaki Anno هيدياكي أنّو. عمل أنو على إخراج وكتابة إيفانجليون كاملاً بمساعدة فريقه من استديو Gainax المشهور في 26 حلقة وكان أحد أضخم مشاريع الأنيميشن النّاجحة في تاريخ اليابان. نهاية الأنمي سبّبت العديد من الخلافات والغضب عند معجبي العمل ما تسبّب في حصول العمل على فلم لنهاية إيفانجليون تحت اسم The End of Evangelion وتمّ إصداره في 1997. تمّ إصدار العمل على أقراص بلوراي في عام 2015 في اليابان ولا توجد دلائل لإصداره عالميّاً حتّى الآن.
التّرميز في إيفانجليون:
ملاحظة ترميزات في إيفانجليون ليس صعباً على الإطلاق. بدأً من أسماء الملائكة إلى آدم وليليث انتهاءً بـ اقتباسات فلسفيّة من فرويد وغيره الموجودة حتّى في عناوين الحلقات. يعتبر هذا العمل كنزاً لمن يحب التّحليل والبحث عن الـ Easter Eggs في الميديا. لكن يجب علينا رسم خط مهم هنا، وجود كل هذه المواضيع الحسّاسة والأدبيّة والثّقافة المتنوّعة في عملٍ فنّي ليس معياراً للجّودة. يمكن لأي شخص مطّلع على التّاريخ، الفلسفة، الثّقافة أو حتّى مطّلع على الويكيبيديا رمي ما يستطيع في كتابة قصّة لتظهر لنا بشكلٍ مبتذلٍ ومتعجرف. العامل الحاسم والاختلاف الأساسي هنا يقع في طريقة توظيفها.
يمكننا تقسيم مواضيع إيفانجليون إلى 3 أقسام أساسيّة: الجّانب الدّيني، الجّانب الفلسفي وجانب التّحليل النّفسي. فالنبدأ بمناقشتها كلٍّ على حدا:
الشّابتر الأوّل: الدّين وإعادة رواية العهد الجّديد
أسهل المواضيع التي يمكن ملاحظتها في إيفانجليون هو أنّه يستخدم الكثير من التّسميات والمرئيّات المستمدّة من الدّين. الملائكة وأسماء الكثير من الأحداث الخياليّة الموجودة في العمل هي إشارة مباشرة للمسيحيّة مثل شجرة الحياة. أسماء الملائكة هي إشارات من الملائكة في كل الدّيانات الإبراهيميّة (إسرافيل من الإسلام مثلاً). عند حدوث انفجار هائل يتم تصويره على شكل صليب. أسماء نوى كمبيوتر الماغي الثّلاثة: Melchior ، Balthasar ، Casper هي إشارة للملوك المجوس الثّلاثة من الإنجيل وهكذا.
هذه الإشارات كثيرة ومنتشرة في كامل العمل، يمكن تفسيرها على أنّها لا معنى لها وهذا منطقي خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار المقابلات المشهورة لهيدياكي أنّو. لكنّي أظن أنّ هذا ليس عادل تماماً هنا. لمحاولة فهم هذا الجّانب أريد الغوص أكثر في البعد الميثالوجي لإيفانجليون والنّظر إليه كـ “قالب” وليس حدثاً أساسيّاً في تسلسل أحداث العمل (والتي تعتبر جزءاً صغيراً ممّا يمكنك الحصول عليه من إيفانجليون).
Neon Genesis Evangelion .. اسم غريب لأنيميشن أليس كذلك؟ حسناً هو بالتّأكيد ليس بدون معنى. كلمة Neon مأخوذة من كلمة Neos اليونانية ومعناها “جديد”، كلمة Genesis هي إشارة لافتتاحيّة الإنجيل ومعناها “بداية”، Evangelion هي كلمة يونانية تم ترجمتها في الإنكليزيّة القديمة إلى Gospel والّتي كانت تعني سابقاً رسالة المسيحيّة لكن أصبحت تشير إلى كل الكتب المعنيّة بهذا، أي الإنجيل.
إذاً يمكننا وضع معنى Neon Genesis Evangelion في “بداية جديدة للإنجيل”. وهذا هو المعنى الدّيني المقصود هنا. إيفانجليون يحاكي في قالبه عالم موازي للبشريّة مع إعادة رواية للعهد الجّديد. هذا ليس ظاهراً فقط في الإسم بل يُوَظّف كذلك في معتقدات الـ “Kabbalah” أو الـ “قبالة” البارزة جدّاً في العمل والّتي تغطّي حتّى المعاني المسيحية بل تهمّشها قليلاً بتفسيرٍ حرفيٍّ لما يأتي بها.
القبالة نشأت في اليهوديّة وهي دراسة الباطنيّات في الأديان ومحاولة تفسير الإله والدّين والمعنى من الحياة مرتكزاً على الدّين، نظريّاً لا تعتبر القبالة ديناً بذاته بل أسلوب دراسة واستخلاص معاني مع هذا يوجد أتباع لها من مبدأ ديني. الموضوع معقّد كثيراً ويمكنك القراءة عنه في الويكيبيديا، كذلك أنصح بقراءة هذه المقالة عن تفسير دقيق للقبالة في إيفانجليون. لكنّي ذكرت هذا الأمر للتّركيز على النّقطة القادمة.
بالعودة إلى شجرة الحياة والّتي يمكن قراءتها كإشارة للكثير والكثير من الدّيانات والمعتقدات فهي بالتّأكيد إشارة أقوى بكثير للقبالة، كونها تدل على شجرة المعرفة في القبالة بشكل مباشرة ومتشابه كثيراً:
بحسب ويكيبيديا، يمكن تقسيم القبالة إلى قسمين رئيسيين هما: القبالة النّظرية والقبالة التّطبيقيّة. القبالة النّظرية تستند على مجموعة كتب تم وضعها بالعصور الوسطى (أي أنّها تؤخذ حرفيّاً منها)، أمّا القبالة التّطبيقيّة فهي تعتمد على التّأمّل. والأختلاف هذا جوهري في الأعتقاد حتّى، حسب ويكيبيديا:
فالقبالة النظرية تتجه للتعريف بالله وشرح ماهيته.بينما تتجه القبالة التطبيقية للوصول إلى الله والاتحاد به.
ركّز على “الاتّحاد بالإله”، فبحسب اعتقادي الشّخصي إيفانجليون هو سيناريو خيالي لما قد يحصل عند توظيف القبالة عمليّاً في هذا القالب الـ Sci-fi ورواية عهد جديد عن طريقها. هي قصّة ذات بعد ديني هائل. تذكّر ما حدث في إيفانجليون وخطّة نيرف الكبرى: إيجاد مخلوق جديد عن طريق جمع كافّة الإيفا وإحداث إيمباكت بمساعدة رمح لونغنيوس. تمّ تسمية هذا المخلوق بـ “إله” من شخصيّات العمل
شينجي هنا هو المركز الأكبر في هذا الحدث الضّخم والنّتيجة ستكون تحوّل كافّة المخلوقات إلى سائل وانضمامها إلى بحر الوعي الكبير مع الـ “إله”
هذا تطبيق للـ “إتّحاد بالإله” التي تحاول القبالة الوصول إليه وقد حصل فعلاً في العمل. بعدها مع الكثير من التّعقيدات رفض شينجي المشروع وخرج إلى الأرض وحيداً مع أسوكا. هذا يمثّل بداية الخلق مع آدم وحوّاء (ليست ليليث لأننا نتكلّم عن بداية الخلق حسب المسيحيّة) وهذا هو ما سيرويه الإنجيل الجّديد من منظور إيفانجليون.
قد تظن أنّ في هذا الكثير من المبالغة والقراءة في ما يرميه العمل عشوائيّاً ولكن التّشابه هذا تجاوز حدود الصّدفة وذكرت في بداية المقال لن تجد هنا أيّ تفسيرٍ يحاول الوصول إلى حقيقة مطلقة (الغير موجود بالمناسبة) بل هو مجرّد تفسير مدعوم بالأدلّة. يوجد الكثير كذلك من ما لم أتكلّم عنه في الإشارات الدّينية في إيفانجليون لكن هذا هو القالب العام الذّي يمكن استخلاصه من العمل. وما استخلصناه من العمل هنا يمكنّنا من تفسير إيفانجليون على أنّه قصّة ذات طابع ديني.
القصص الدّينيّة تتكلّم عادة عن أساطير ومعجزات ويمكن إسقاطه كذلك على إيفانجليون لتبرير الكثير ممّا قد يظهر غريباً به (مثل السّبب الذي دفع أنّو لترك شخصيّة أسوكا مع شينجي في النّهاية). لكنّي سأكتفي بما تكلّمت عنه هنا.
الشّابتر الثّاني: الفلسفة وإنهاء المعاناة
حسناً سندخل هنا إلى جانب أكثر وضوحاً وأقل تجريديّة من السّابق. الثّيمات الفلسفيّة الّتي يطرحها إيفانجليون متعددّة ولا تخدم دائماً فكرة كبرى وهذا يجعل بناء الأفكار ذاتها ليس بالسّهل وهو متداخل كثيراً مع التّحليل النّفسي. لكنّي سأناقش موضوعين أساسيّين هنا: الوجوديّة والفرديّة.
يتم مناقشة هذين الموضوعين بشكل مترابط في إيفانجليون. في الوجوديّة يناقش أنّو ما يعنيه أن تكون إنساناً أو شخصاً موجوداً في مجتمعٍ ما. ما هو دليل وجودك فيه، يتجلّى هذا في شخصية أيانامي راي وعقدتها المرتبطة بطبيعة شخصيّتها المتعددة في العمل وافتقارها للإرادة. الحلقة 23 و 14:
في الفرديّة يناقش أنّو ما معنى أن تكون منفصلاً عن غيرك، أن تمتلك إرادة خاصّة وتحاول التّواصل مع أفراد المجتمع الآخرين وما هي قيمة هذا بالمجمل. نرى هذا في شينجي وصراعه المستمر مع نفسه في الحلقتين 25 والـ 26. يعمل هذان المبدآن سويّاً في تكوين المجتمع ويدور الصّراع حولهما بشكلٍ أساسي. مشروع الواسطة البشريّة هو إسقاط للصّراع المتجلّي بـ الفرديّة ضد الوعي الشّامل وإستفسار عن وجوديّة الفرد في بيئة مثل هذه.
لهذا السّبب نرى في الحلقة 26 نقاش لتلك المفاهيم العالية في عقل شينجي. الأمر ليس عشوائي أبداً بل يخدم غاية مرتبطة كثيراً بأهم جانب هنا وهو التّحليل النّفسي.
(بالطّبع شخصيّة شينجي أضخم من أن أناقشها كاملة بهذا المقال فسأقوم فقط بذكره بين الفينة والأخرى)
السّؤال الحقيقي هو لماذا؟ لماذا حاولت نيرف القيام بهذا أساساً؟ لماذا تتمنّى نيرف القضاء على الفرديّة والتسبّب بإنقراض للبشريّة كما نعرفها؟
آرثور شوبنهاور أحد الفلاسفة الألمان المشهورين جدّاً من القرن الثّامن عشر يلعب دوراً مهمّاً في هذه القضيّة. يرى شوبنهاور أنّ المعاناة أساسها الفرديّة. الفرديّة تسبب تغيير في زوايا استقبال المعلومات وهذا التغيير يسبب الصّراع والصّراع لن يتوقّف على الإطلاق إلّا بإنهاء الفرديّة.
إيفانجليون يأخذ هذه الفكرة بأسلوب حرفي ليطبّقها على مشروع الواسطة البشريّة. رمز الفرديّة في إيفانجليون هو حقل الـ AT لهذا يتم التّكلّم عنه كثيراً. الموضوع يتعدّى كونه رمز وفي الإمباكت الأخير في فلم النّهاية يتم إطلاق حقل Anti AT على كامل الكوكب لينهي هذه الفرديّة ويكوّن بحر الوعي ليحقق الفهم الحقيقي بين البشريّة جمعاء (هذا قبل أن يرفضه شينجي).
سأعود إلى شوبنهاور مرّة أخرى لاحقاً وأظن أنّي لا أحتاج إلى تكرار أنّي لا أتعمّق في إيفانجليون أكثر من اللّازم، الأمر أكبر بكثير من أن يكون مجرّد صدفة.
الشّابتر الثّالث: التّحليل النّفسي والمغزى من إيفانجليون
حسناً وصلنا الآن إلى أهم المواضيع التي يتناولها العمل. بينما كانت المواضيع السّابقة تجريديّة قليلاً وغير مباشرة بل أشبه بقالب عام. علم التّحليل النّفسي أو Psyhoalaysis هو حجر الأساس الذي بني عليه إيفانجليون ويقتبس منه مباشرة.
تم إنشاء علم التّحليل النّفسي من الفيلسوف والطّبيب المشهور سيغموند فرويد. إيفانجليون يقتبس أفكار فرويديّة بشكل مباشر. عنوان احد حلقات العمل هو Introjection وهو مصطلح فرويدي يصف كيف يقوم البشر بأخذ صفات ممن حولهم.
أن تقول أنّ إيفانجليون يغوص في تحليل شخصيّاته هو استهانة لما يحصل هنا. كلّ من الشّخصيّات الرّئيسية لديه عقدة مع والده/والدته، ومناقشتها هو ما يدور حوله العمل، إلى درجة أنّ هيدياكي أنّو يرى أنّ نهاية الأنمي (الحلقتين الـ 25 والـ 26) كافيتين لإيصال ما يريده. الفلم هو مجرّد نظرة فنّية لذات النّهاية ويشرح النّقطة ذاتها لكن من زاوية مختلفة قليلاً. هذا دليل فقط على أن قصّة إيفا المتعلّقة بالروبوتات مجرّد غلاف لتراوما الشّخصيّات الرّئيسيّة.
ما يدور حوله إيفانجليون هو نقاش العلاقات البشريّة. لهذا ستجد الكثير من الموت والجّنس في العمل. فنّياً وقصصياً يعتبر الموت من ناحية تجريدية الانفصال الأعظم للعلاقات بينما الجّنس يعاكسه ليكون التّقارب الأكبر للعلاقات. هذا التعاكس الدّائم يخلق ثيم كامل للبلوت هنا. (المزيد عن هذا في الفيديو في الأسفل)
دخل هيدياكي أنّو فترة اكتئابه المشهورة خلال العمل على إيفانجليون وازداد في نصفه الثّاني، انعكاس شخصيّته على العمل هو ما جعله تجربة لن تحصل عليها من في مكانٍ آخر. لكن فلنعد إلى موضوعنا الأساسي.
عنوان الحلقة الرّابعة Hedgehog’s Dilemma (معضلة القنفذ) هو كناية عن مشكلة اجتماعية تصيب الأفراد. المصطلح تم إنشاؤه من آرثر شوبنهاور وتبنّيه من فرويد. يتم شرحه في إيفانجليون:
“على الرّغم من أنّ القنافذ تريد التّقرّب من بعضها، كلّما تقرّبت من بعضها كلّما آذت بعضها بالأشواك الّتي تحملها وهذا ينطبق على البشر” ريتسكو، حلقة 3 إيفانجليون
تم ذكر هذه المعضلة لتفسير حالة شينجي لكنّها كذلك صالحة لكافّة البّشر وتتشابه كثيراً مع نظرة شوبنهاور للفرديّة (كونه أنشئ المصطلح). حاول الاتصّال مع الآخرين في المجتمع وستتأذّى، أو اتركهم وستعيش وحيداً وهارباً طوال حياتك. في كلا الحالتين الموضوع مؤلم ببساطة.
يمكننا دمج الفكرة السّابقة مع نظرة فرويد كذلك للرّغبة الدّائمة عند البشر للعودة لمرحلة قبل الولادة. الموضوع أشبه برغبة أن لا تكون حيّاً لكن لا يتم تفسيره هكذا في إيفانجليون. في العمل يعتبر مشروع الواسطة البشريّة التّمثيل لهذا المبدأ النفسي الذي يراه فرويد. جميع البشر تريد العودة للأصل وفي العمل أصل البشر جميعاً ليليث وهكذا يحقق الإمباكت هذه الرّغبة اللّاشعوريّة وهو أحد أسباب قيام نيرف بهذا أساساً.
لكن ما نشاهده في نهاية العمل مغاير قليلاً. رفض شينجي لهذه الفلسفة كاملةً واختياره للفرديّة والمعاناة كان مفاجئاً بشكلٍ كبير. شينجي/أنّو لم يرى في هذه الرّغبة أيّة معنى لأنّها لم تمتلك ذات الشّعور الحقيقي، لم يشعر أنّه حي. أن تكون حيّاً هو أن تعاني، لكنّ في هذه المعاناة حلاوة وفيها يكتمل الشّعور الحقيقي لأن تفهم غيرك:
“الأمل في أن يتفهّم البشر بعضهم”
“لأنّي أؤمن أنّ الشّعور الّذي انتابني آنذاك كان حقيقياً”
هذه هي رسالة إيفانجليون (أو أحد رسائله الأساسية) الأمل وأن تكون سعيداً. بالرّغم من بساطتها الشّديدة فالأمر يتعلّق بكيفية إيصالها للمشاهد وقد تمّ تطبيقه هنا بقمّة الفنّية العالية في بناء القصص.
للأسف عليّ التّوقّف هنا وإلا سأبدأ التكلّم عن إيكاري شينجي وهو موضوعٌ هائل ليومٍ آخر. موضوع التّحليل النّفسي لا يزال مفتوحاً وسأتناوله في مقالي القادم مع شخصيّة شينجي (لم أناقش فكرة الهويّة الحقيقيّة ضد المكوّنة بعد لأنّها مرتبطة بشينجي كذلك).
خاتمة
لماذا عليّ أن أهتم؟ لست على دراية كافية بهذه المواضيع أساساً .. قد تتساءل الآن.
الموضوع لا يتعلّق بدرايتك ومعرفتك بهذه المواضيع خلال المشاهدة. أنا أكره حقّاً تلك الفكرة المنتشرة في أنّ إيفانجليون عمل عظيم بسبب احتوائه على هذه المواضيع المعقّدة. الجّودة هنا تأتي من ربطها برسالة العمل وجعله قابل للارتباط الشّديد بالمتابع. كل ما تكلّمت عنه اليوم قد تمّ إيصاله إليك بشكلٍ غير واعي وهو الهدف أساساً. أن تحب إيفانجليون لا يعني أنّك شخص مثقّف وبذكاءٍ عالٍ بل يعني أن العمل نجح بشق طريقه إليك وهذه نقاط جودة له وليست لك.
يٌتبع
اقرأ أيضاً:
اعظم انمي شاهدته لحد الان
بالفعل تحفة
ولسا عمنستنا تكملة لهالمقالة
يوما ما .. يوما ما
استمتعت جدا بقراءة المقال رغم أنني لم أشاهد الأنمي، هل هناك أي معلومات أطلع عليها قبل مشاهدته؟
وفي انتظار التكملة xD
لا يوجد معلومات مهمة لمشاهدة ايفانجليون. أنصح بمشاهدة الأنمي مباشرة.
الانمي والفلم ما يحتمل في رأيي كل هذا التأويل والتحليل ولو انهما فعلا عميقين وغامضين ونهاية الانمي اجدها مختلفة عن الفلم اعتبر الانمي افضل لان البطل لم يحل عقدة العمل بل خضع لها ( مشروع الوسائل البشرية ) بينما بالفلم حل العقدة ولكن بطريقة اقل فنية
يعني بالعربي انا حمار لان الانمي ما عجبني لاني ما فهمت وش كان قاعد يصير خير شر لان ما عندي ثقافة بالمليون موضوع اللي محشية فيه. بس والله ما اعيد اتابعه. قرفني يوم تابعته اول مرة ما غير اسوي سكيب كل ١٠ ثواني من كثر مشاهد الجنس 😬 وحسيت القصة غير منطقية والشخصيات ما غير تبربر بمواضيع غريبة مدري شدخلها في الأحداث بعدين مدري وش يصير ويطنشون الملائكة اللي تهاجمهم ويقعدون يتضاربون ويتنايكون وانا مخي كله علامات استفهام. بعدين قامت القيامة وماتوا كلهم الا شنجي واسوكا اللي يكرهون بعض خير شر بس على الأقل فهمت انهم آدم وحوى. الحمدلله طلع الiq حقي ١ 😎
للحين انتظر التكمله
مقالتك عبارة عن نسخ و لصق ل فيديو يعود لقناة wisecrack و انت تدّعي إنك انت الي لاحظت هذه الأشياء فيها. هذه سرقة عيني عينك.
عيب شوي المفروض ما تاخذ تعب غيرك عالحاضر و تنسبه الك بس لحتى تبين فهيم و مثقف و من هالأشياء.
نعم . لقد لاحظت هذا ايضا .
صراحة اول ما قريت ان “شينجي اكبر من اني اشرحه وقفت ” شينجي كان اسوء شيء بالعمل والعمل توب ٧ عندي لكن ابدعت باللي قبل
اعجبتني عبارة “أن تحب إيفانجليون لا يعني أنّك شخص مثقّف وبذكاءٍ عالٍ بل يعني أن العمل نجح بشق طريقه إليك وهذه نقاط جودة له وليست لك.”