بعد سنوات من مشاهدة الأنمي والتعرض لمختلف التصنيفات والأنواع والتجارب، لا يمكن إنكار أن المشاهد يصل لحالة معينة من الملل أو التعب أو ربما الفضول للبحث عن تجربة أنمي مختلفة وجديدة، بعيداً عن الأنميات المعقدة أو الدراما العميقة أو قصص الفانتازيا المثيرة. شخصياً، فإن رحلة البحث عن أنمي هادئ قادتني إلى أنمي سلايس أوف لايف ودراما بعيد عن أي محاولات للاستعراض سواء من ناحية التغييرات في الحبكة أو القصة أو الرسم أو أي تفصيل آخر، أنمي هادئ بجميع المعايير لكنه قادر على خلق حالة غريبة من التعلق لدى معظم من يشاهدونه، هذا الأنمي هو أنمي Natsume Yuujinchou ناتسومي يوجنتشو الذي يتكون من ستة مواسم حتى الآن، وسأستعرض في هذه المراجعة أهم الجوانب بالنسبة لهذا الأنمي ذو الطابع الخاص.
عدد الأجزاء: 6 أجزاء بالترتيب:
- Natsume Yuujinchou 2008
- Zoku Natsume Yuujinchou 2009
- Natsume Yuujinchou San 2011
- Natsume Yuujinchou Shi 2012
- Natsume Yuujinchou Go 2016
- Natsume Yuujinchou Roku 2017
البساطة
“هل هذا Mushi-shi ؟؟” ردة الفعل الأولى التي قالها أحد من اقترحت عليهم أنمي ناتسومي يوجنتشو، فقصة ناتسومي ليست سابقة من نوعها وليست تلك القصة الجديدة والمبتكرة، ببساطة شديدة تقوم قصة الأنمي حول الفتى ناتسومي تاكاشي الذي يملك قدرة خاصة تمكنه من رؤية الأرواح أو الكائنات المدعوة “يوكاي” أو “أياكاشي”، وهذه القدرة التي ورثها عن جدته ناتسومي ريكو سببت لناتسومي -اليتيم الذي توفي والداه وهو صغير- العديد من المشاكل ووضعته في مواقف محرجة أدت لأن يصبح الشخصية المنغلقة والمترددة التي يقدمها الأنمي.
ناتسومي كما يقدمه الأنمي هو شخص طيب، محب، عاطفي، لكنه مراهق يحتاج بدوره للحب والمشاعر الدافئة، هذا ما ستحاول قصة الأنمي تقديمه بطرق وأساليب مختلفة من خلال العائلة، الأصدقاء، اليوكاي، والشخصية المفضلة بالنسبة لي في هذا الأنمي “نيانكو سينسيه!”.
أنمي ناتسومي يوجنتشو هو من الأنميات البسيطة التي تعتمد على قصة واحدة في كل حلقة، حيث تعمل على إنهاء القصة عبر خلق حبكة كلاسيكية تبدأ من التمهيد للحدث ثم الوصول للعقدة وأخيراً الحل عبر مسار خطي واحد يختتم ضمن مدة عشرين دقيقة في كل حلقة، لست شخصياً ضد هذا الأسلوب لكن في هذا الأنمي بالذات كان لهذا الأسلوب جانبان أحدهما إيجابي والآخر سلبي.
الجانب الإيجابي يكمن في أن هذا الأسلوب جعل من أنمي ناتسومي حالة خاصة للمشاهدة، فليس عليك إرهاق دماغك بالتفكير فيما حصل سابقاً أو فيما سيحصل في الحلقات القادمة، كل ما عليك التفكير بشأنه هو هذه الحلقة فقط، هذا يمكنك كمشاهد من الاستمتاع الكامل بالأنمي حتى لو قمت بمشاهدته على فترات متقطعة ومتباعدة، فليس هناك أي فرصة في أن تنسى شيئاً من الأحداث، كل حلقة هي يوم جديد إذا صح التعبير!
لكن من الجانب الآخر فإن هذا الأسلوب له مخرجات سلبية تجاه حبكة المسلسل، فهو يفقدك أي ارتباط بالشخصيات الثانوية في القصة، شخصياً لم أستطع تكوين أي رابطة قوية مع أي شخصيات أخرى باستثناء ناتسومي بطل القصة والقط “نيانكو سينسيه” الذي يشاركه البطولة تقريباً، عدا ذلك فإن طريقة سير القصة لم تخلق لدي أي شعور تجاه بقية الشخصيات.
المواسم الثلاثة الأولى من الأنمي كانت بسيطة قدر الإمكان، بعد ذلك يمكن بوضوح ملاحظة وجود محاولات لتعقيد القصة، فرغم أن المواسم الثلاثة الأولى شهدت استمرار قصة لحلقتين متتاليتين إلا أن ذلك يبدأ في التزايد في المواسم التالية، والشخصيات الثانوية تبدأ بالظهور أكثر وبدور أكبر في القصة.
هذه المحاولات بدت لي فاشلة تماماً أو حائرة على أفضل تقدير، الاستمتاع بأنمي مثل ناتسومي يوجنتشو مرتبط بشكل رئيسي بالبساطة والهدوء الذي يسمه، ولذلك فإن بعض المحاولات لتعقيد القصة لم تكن موفقة، لكنها في ذات الوقت لم تؤثر بأي شكل على المناخ العام لقصة ناتسومي الذي يتسم بالهدوء، العواطف المختلفة، والحزن الهادئ والرزين الذي يمكن ملاحظته في كل مكان في القصة.
ناتسومي، نيانكو، واليوكاي
هل من نقاط ضعف أي أنمي أن تقوم القصة بشكل محوري حول شخصية واحدة أو اثنتين ترتبط بهما كل القصص والتجارب دون أي دور كبير لأي شخصية ثانوية؟
جوابي سيكون نعم لو طرحت على نفسي هذا السؤال قبل مشاهدة ناتسومي يوجنتشو، لكن بعد مشاهدة هذا الأنمي يمكن القول إنه يمكن التركيز على شخصية واحدة دون الإضرار بقصة الأنمي أو تحويلها لقصة نرجسية كرنجي تدور حول شخص واحد “ساكاموتو مثالاً”.
ناتسومي كشخصية مكتوب بشكل جيد جداً، هو تعبير عن كل الضعف والتردد الذي يمكن أن تحتويه الشخصية البشرية في مرحلة المراهقة، هذا التردد الذي يؤجج المشاعر البشرية بمختلف أشكالها، الحب، الاشتياق، الصداقة، القلق، الخوف والكراهية وغيرها، كل ذلك وأكثر يوجد في شخصية البطل ناتسومي، شخصية يمكن لك الانتماء لها أو لأحد جوانبها وتجاربها بسهولة لكونها حقيقية لأقصى درجة ضمن عالم فيه جانب خيالي.
لا يمكن الحديث عن شخصيات ناتسومي يوجنتشو دون الحديث عن شخصية “نيانكو سينسيه” القط السمين ذو الصوت المضحك، أو كما أسميه أنا “روح هذا الأنمي!”، نيانكو هو التجسيد البسيط والمضحك للصديق الحقيقي، الشخصية التي تمثل الفاصل اللطيف في أي لحظة تميل فيها القصة نحو الحزن أو الكآبة.
عدا عن هاتين الشخصيتين فإن بقية الشخصيات البشرية هي مجرد شخصيات مساعدة لإغناء تجربة ناتسومي ومساعدة الشخصية على التطور بشكل متدرج وهادئ، فيما تبقى تلك الشخصيات بنفسها دون أي تطور خلال ستة مواسم كاملة من الأنمي، هذه هي واحدة من النقاط السلبية التي تسم الشخصيات الثانوية في أنمي ناتسومي وتمنعك كمشاهد من تكوين أي ارتباط بأي منها.
على الجانب الآخر فإن شخصيات الأرواح أو “يوكاي” هي نقطة الثقل والقوة في هذا الأنمي، هذه الأرواح التي لا يراها سوى ناتسومي والمشاهدون هي الوسيلة الأهم لدى هذا الأنمي لاستخدام جميع إسقاطاته عليها، كل حلقة ستحمل شخصية جديدة من اليوكاي، وكل منها ستأخذك في تجربة إنسانية ممثلة من خلال تلك الأرواح، بدون أي مبالغة فإنه لا يوجد شعور بشري لم يقدمه أنمي ناتسومي في مواسمه الستة من خلال قصص اليوكاي وتجارب ناتسومي معها، بعض الحلقات ستدفعك للضحك من قلبك، فيما ستجبرك بعضها على حبس دموعك أو عناق من تحب، عندما يتعلق الأمر بشخصيات اليوكاي فإن هذا الأنمي يملك قدرة رائعة على تقديم شخصية مكتوبة بشكل ممتاز بالنسبة لشخصية لن تظهر سوى في حلقة واحدة.
الجمالية الخاصة
لست من المتابعين الشغوفين والمتخصصين في مجال الرسم والتحريك في الأنمي، وتركيزي في معظم الأنميات يرتكز على القصص والحبكة والشخصيات، لكن ذلك لا يمنعني من التمتع بالقيمة البصرية التي تقدمها بعض الأنميات.
في هذا الجانب فإن ناتسومي يوجنتشو ليس الأنمي الذي يمكن متابعته من أجل الرسم او التحريك الخاص به، فهو أنمي عادي جداً في هذا المجال، لكن ذلك لا يمنع أنه يملك جماليته الخاصة حينما يتعلق الأمر بالجانب البصري.
الموسمان الأول والثاني من ناتسومي هما الأقل جودة من ناحية الرسم والتحريك، يمكن ملاحظة ذلك على رسوم الخلفيات في الأنمي والتي تتسم بالبساطة المزعجة أحياناً، فيما يبدأ الموسمان الثالث والرابع بتطوير المستوى بشكل ملحوظ من ناحية الخلفيات وتفاصيل وجوه الشخصيات والألوان، وصولاً إلى الموسمين الخامس والسادس اللذان أعتبرهما الأفضل من ناحية الرسم والتحريك في هذا الأنمي.
واحدة من ميزات أنمي ناتسومي الأهم هي الألوان التي يقدمها في رسوماته، فهو قادر على أن يعكس طابع الإطار الزمني للحدث بقوة لدى المشاهد من خلال البيئات المرسومة والألوان، فحيث يتدرج الأنمي في مواسمه بداية من فصل الصيف وصولاً إلى الشتاء ثم الخريف فالربيع ليعيد دورته في آخر موسمين، كل هذه التغييرات الفصلية يعكسها الأنمي بألوانه التي تمثل جميع الفصول والتي يعكسها على الخلفيات وحتى وجوه الشخصيات وتعابيرها، وهو ما يقدم أحاسيس مختلفة للمشاهد دون الحاجة لبذل جهود ضخمة في إنتاج رسوم معقدة لإبهار المشاهد.
الميزة الأخرى التي يعبر عنها العديد ممن تشاركت معهم مشاهدة ناتسومي هي حالة النوستالجيا الغريبة التي يخلقها هذا الأنمي لدى مشاهديه، البيئة الريفية البسيطة التي تسم الإطار المكاني لأحداث الأنمي تذكر المشاهد بشكل أو بآخر بالبيئات البسيطة التي كانت تملكها العديد من أنميات سبيستون التي شاهدناها في طفولتنا (أنا وأخي، أبي الحنون) وغيرها العديد من الأنميات التي ترتبط قصتها بشخصيات تعيش في بيئة بسيطة ومنزل عائلي صغير.
الموسيقى كلغة لا تحتاج للكلمات تعمل على ترسيخ نفس الدور في هذا الأنمي، مقاطع الموسيقى الخاصة بالأنمي لها تأثير نوستالجي منوم، تجعلك تشعر وكأنك سمعتها في مكان ما وبالتحديد في أنمي قديم شاهدته رغم أن ذلك ليس صحيحاً فعلياً، إلا أنها تمنحك شعوراً دافئاً مرتبطاً بماضي مشوش لا تذكر عنه الكثير.
موسيقى أنمي ناتسومي يوجنتشو مثالية لهذا الأنمي، تشبه بيئته المكانية بشكل رائع، يابانية الطابع بشكل كامل، هادئة ويمكن الاستماع لها بدون مبالغة لساعات طويلة حيث يمكنها ان تمنحك شعوراً مميزاً بالسلام والهدوء وأحياناً الحزن، وهي نفس المشاعر التي تقوم عليها كل قصة وأحداث هذا الأنمي من الأساس.
شخصياً أنصح بجميع مقاطع الموسيقى من هذا الأنمي لكن أخص بالذكر المقاطع التالية:
Kimi Ga Yobu Namae
Atatakai Yuki Keshiki
Haru wo Shiraseru mono
ختاماً
أنمي ناتسومي يوجنتشو ليس أنمي السلايس أوف لايف الأفضل بالتأكيد، وليس أنمي دراما عميق أو معقد، هو أنمي بسيط وعاطفي بقدر ما هو مريح ودافئ، هو أنمي يجب مشاهدته في مرحلة معينة من مسيرتك كمتابع شغوف للأنمي، كما أنه أنمي ممتاز لتبدأ به إذا كنت ممن لا يمانعون بعدد غير قليل من الحلقات والمواسم المتتالية، ناتسومي يوجنتشو هو تجربة درامية نفسية بسيطة هادئة لكنها غنية وتستحق التجربة بكل تأكيد.
اقرأ أيضاً:
جميل الانمي ?? وعجبني الرسم البسيط والالوان الهادئة ونظام القصص