“الياكوزا” أو “الغوكودو”، هي نقابات الجريمة المنظمة التي تنشط باليابان (وغيرها من البلدان)، لها جذور تقليدية تعود لقرون، أسلافهم الأوائل تحديدا في حقبة إيدو كانوا عبارة عن باعة متجوّلون محملين بالسلع المسروقة والمقلدة تحت مُسمى “تيكيا/的屋”، كما عُرفوا كذلك بتورطهم في القمار التحت أرضي السري بالإشارة إليهم بـ”باكوتو/博徒” وفي حالات أقل كانوا رجال الساموراي العاطلين وبدون سيد أو كما يعرفون أيضا بالـ”رونين/浪人”، لذالك دائما ما سايرتهم الشبهات. يتوزعون بانتظام على نطاق واسع ويتقاضون عمولة من أصحاب المحلّات مقابل توفير لهم الحماية في المهرجانات. كانوا سيئي التصرف وجانحين على الدوام. غالبا ما يتخذون الشباب اليافعين كأعضاء لهم وغيرهم من الأطفال ذوي الوضع الاجتماعي المزري.
تقنيا، الياكوزا ليسو مخالفين للقانون بما أنهم يعملون على مرأى ومسمع من الجميع على عدة أصعدة، إذ أنّ بطاقات أعمالهم ومقرّاتهم تحمل شعاراتهم عليها، حتى أن لديهم مجلات موجهة لمُعجبيهم، كما أن المانجات ذات تصنيف “ياكوزا” لها قاعدة جماهيرية ضخمة. وعلى الرغم من ذلك، معظم نشاطاتهم غير قانونية في الواقع: من مخدرات و قمار واتجار دولي بالبشر وأفلام إباحية غير خاضعة للرقابة و قروض بفوائد مبالغ فيها وإبتزاز و أيًا يكن من الأمور البشعة الأخرى التي في معظمها مدبرة من قبل الياكوزا.
هنالك العديد من نقابات الياكوزا المستقلة التي امتدت سلطتهم بعيدًا من خلال إدارة أعمالهم في جميع أنحاء اليابان وخارجها. إحدى تلك النقابات والتي تحمل ترقيم “21” طال نفوذها إلى أن بات لديهم أيدي في كل شيئ تقريبا، من وكالات الترفيه والمواهب إلى الطاقة النووية (أجل. لقد تكاثف تفاعلهم في الأيام التي تلت حادثة فوكوشيما دايتشي النووية). نقاباتهم شبيهة إلى حد كبير بالـ”عائلات الإجرامية” الخاصة بالمافيا الإيطالية في كون كلٍ منهما له تسلسل هرمي يعكس سلطة كل فرد وحروب هيمنة في ما بينهم من حين لآخر.
تحظى الياكوزا بأوقات عصيبة منذ بضع سنوات، تحديدا منذ سنة 2009 عندما أعلنت وكالة الشرطة الوطنية اليابانية الحرب عليهم. وفي سنة 2011 نصّت اليابان القانون الذي طال انتظاره والذي يفيد بغير شرعية “مضارب الحماية”(1) الذي بموجبه يتيح إمكانية مقاضاة زعماء العصابات عن جرائم إرتكبها أتباعهم. بدأ ذلك يؤتي أكله حين تم إعتقال أكثر من 20 ألف من أفراد العصابات في عام 2016 وحده، وأكثر منهم في سنة 2015. ومذ ذلك الحين ونقاباتهم تسجل أرقاما قياسية من حيث عدد مغادري أعضائها. فبحلول عام 2015 لم يكن لدى الشرطة الوطنية اليابانية سوى 53 ألف عضو ياكوزا متبقٍ، أي ما يقرب نصف الذين ينتمون إلى نقابة ياماغوتشي-غومي(2). بينما جاء تصريح الشرطة الوطنية اليابانية العام الفائت بقولها أن هناك أقل من 20 ألف عضو ياكوزا بدوام كامل لا يزالون منتسبين لنقاباتهم. قارن ذلك بعام 1963، العام الذي بلغت فيه الياكوزا ذروة ازدهارها بأعضاء بلغ تعدادهم أزيد من 184 ألف.
بالإضافة إلى إطاحات الشرطة، كانت هنالك العديد من الصراعات الداخلية التي حدت بصورة فعلية من أعداد الياكوزا، ففي شهر أغسطس من سنة 2015، انقسمت نقابة ياماغوتشي-غومي إلى مجموعتين (على الأرجح بسبب خلاف داخلي)، وفي نوفمبر من نفس السنة، عُثر على زعيمهم تاتسويوكي هيشيدا مُكبّلا و قد تعرض للضرب حتى الموت.
ونظرا لكل هذه التغييرات، أتت ردة فعل الياكوزا بمحاولة ضبط نفسها. إذ باتت ياماغوتشي-غومي الآن تمنع أعضاءها من تجارة المخدرات والاحتيال على الناس وسرقتهم. تجدهم الآن ينتقلون إلى قطاعات جديدة من الأعمال التي لا ينطوي خوضها على العنف، مثل سرقة أجهزة الصراف الآلي والجرائم السيبرانية(3). بالإضافة إلى ذلك، يتم حظر العديد من الأعضاء نتيجة وضعهم لشعارات عشائرهم على بطاقات العمل الخاصة بهم. كلّ هذا وذاك يُعدّ لفاصلة جدّية للحد من الإجرام.
في الحقيقة، من المستبعد أن تنقرض الياكوزا تماما. إلا أن الشرطة من جهتها تفعل كل ما بوسعها بإستثمار جلّ جهدها على الأهداف الأكثر بروزا، مثل أولئك الذين يظهرون على شاشة التلفاز وغيرهم ممن لايتعاونون مع الشرطة. لكن ممّا لا شك فيه، أن الياكوزا هذه الأيام متوارون عن الأنظار و مدقعين في أزقّة اليابان غصبًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مضارب الحماية أو protection rackets: هي عملية يقوم فيها المجرمون بتوفير الحماية للأشخاص والممتلكات وتسوية النزاعات وإنفاذ العقود في الأسواق التي لا يمكن الاعتماد فيها على الشرطة والنظام القضائي بشكل عام من خلال العنف بعيدا عن دائرة المُسائلة القانونية.
2- ياماغوتشي-غومي أو 山口組: هي أكبر نقابات الياكوزا من حيث الأعضاء وأكثرها نشاطا، تأسست سنة 1915 بمدينة كوبي من قبل هاروكيتشي ياماغوتشي.
3- الجرائم السيبرانية: أي التجاوزات القانونية التي تحدث عبر شبكة الإنترنت، مثل التعدي على الممتلكات عن طريق إختراقها والتجسس والقرصنة ونشر المواد الإباحية و ما إلى ذلك.