لماذا لا تتم صناعة المانجا بالألوان؟

جوسي يسأل:

أُدرك بأن المانجا من المفترض أن تكون إنتاجًا رخيصًا وأن تتم طباعة مجلاتها على ورق بخس للغاية، لذلك لن يكون هناك أي استخدام حقيقي للطباعة الملونة. لكن ألا يمكن للناشرين وضع إصدارات ملونة من التانكوبون (tankoubon) إلى جانب الإصدارات العادية بالأبيض والأسود؟ إن الأوتاكو المتعصبين سوف يفعلون أي شيئ للحصول على هذه النسخ.

المانجا في حد ذاتها كانت و ما زالت مكسوة باللونين الأبيض و الأسود، فقد كان من المفترض أن تكون صناعة المانجا خلال الأيام الأولى من إنتاجها الهائل مجرد وسيلة ترفيهية ذات أسعار معقولة، في وقتٍ كانت تعتبر فيه الطباعة بالألوان أمرًا غير معقول على الإطلاق. و في الفترة ما بعد الحرب تم إنتاج سلاسل المانجا في نشرات أسبوعية و شهرية و تمت طباعتها بثمن زهيد على ورق يفتقر للجودة. فالطباعة بالألوان في ذلك العصر لم تشهد بداية موفقة فحسب.

ومع ذلك في يومنا هذا لم تعد الطباعة الملونة مرتفعة الثمن كما كانت في السابق (مع العلم أنها ليست أرخص من مثيلتها البيضاء و السوداء). فالعديد من الأشخاص اليوم يقرؤون المانجا من خلال الشاشات التي عادة ما تكون ملونة (باستثناء أجهزة القراءة بالحبر الإلكتروني)، لذلك لماذا لا يتم طباعة المانجا بالألوان طالما لدينا الإمكانيات في هذا العصر؟

في حين أن العديد من مجلات المانجا تحمل بعض الصفحات الملونة في بداية كل فصل (عادة كميزة خاصة عندما تكون السلسلة على غلاف أي مجلة معروضة فيها). ويتم تصميم هذه الصفحات من قبل المانجاكا و يقوم ببذل الكثير من الوقت و المجهود من أجل تصميمها، فرسامو المانجا يكافحون فعليًا لإنتاج و إنهاء العمل قبل الآجال المحددة. كما أن التلوين يمثل عبئًا إضافيًا لا يمكن لمعظمهم التعامل معه بانتظام، و يكون العبء أقل بكثير عند العمل على الإنتاج العادي. اسألوا أي رسام، تلوين عملهم هو مهمة جانبية تتطلب وقتًا وجهدًا عظيمين، فهم لا يستخدمون للتلوين أداة التعبئة الموجودة في برنامج الفوتوشوب فحسب، بل إنهم في كثير من الأحيان يقضون الكثير من الوقت في رسم خط التلوين ليبدؤوا منه.

من المعروف أيضًا عن رسامي المانجا أنهم مشهورون بتشبثهم بعملهم، فلذلك يقوم الكثير منهم بتوظيف مساعدين لإعانتهم على الكتابة و التحبير وتطبيق تقنيات الرسم و التظليل على الشاشة و كذلك جميع المهام الأخرى المتعلقة بصناعة المانجا، فمن المهم أن يتم تفويض العمل ومناقشته و الإشراف عليه عن كثب، و توظيف المزيد من المساعدين لتلوين الصفحات لن يحل المشكلة ببساطة. بالنسبة للرسامين الذين عادة ما يسعدون بتسليم أعمالهم ذات الصفحات البيضاء و السوداء في الوقت المحدد، فإن الإشراف على إنتاج النسخ الملونة من عملهم في نفس الوقت هو في حد ذاته اقتراح مجنون، فالرسامون و القراء قد اعتادوا على المانجا البيضاء و السوداء لذلك فالأمر لا يستحق العناء.

و لكن هذا لم يمنع من ظهور عدة محاولات لتلوين المانجا، من رسومات أكيرا لمارفل إلى العديد من مشاريع المانجا الرقمية والمرئية على امتداد سنوات. إلا أنها لاتبدو معقولة أبدًا، فالعمل الفني يكون مظللًا و معدلًا بقصد رؤيته بالأبيض و الأسود، و طبقات الألوان تجعل كل شيئ ببساطة يبدو حالكا و مظلما جدً، فيفقد بذلك التأثير الفني بريقه و النتيجة في النهاية تكون كارثية، و كثير من رسامي المانجا لا يوافقون على هذا التغيير في عملهم (الإنتقال عادة من الألوان إلى الأبيض و الأسود لا يبدو مثيرا جدًا، لكن وجبت الإشارة إليه).

المانجا هي في النهاية مزيج من الأبيض و الأسود، و هو الشكل الذي يعشقه معظم الرسامين و القراء على حد سواء. هذا القيد يمثل محورًا أساسيًا و ضروريًا للمانجا و يمثل أحد أهم الأسباب التي جعلت العديد من القصص الطويلة المتسلسلة ترى النور في هذا العالم. وأنا متيقن بأنه مع مرور الوقت ستكون هنالك العديد من التجارب العرضية الملونة و المليئة بالمؤثرات. كما ستوجد هنالك العديد من المحاولات الأخرى التي لا تعتبر من تقاليد صناعة المانجا.

و لكن طبيعة المانجا الخالصة تكمن في قداسة اللونين الأبيض والأسود. ولا أتوقع أن يطرأ عليها تغيير في أي وقت قريب.

المصدر.

ترغب باستلام اشعار عندما ننشر مقالاً جديداً؟

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.