ما سبب ندرة الأنميات السياسية؟

المسائل السياسية ليست بموضوع مرحب به في أنمي. مع هذا اكتست بعض الأعمال أكمام الموضوع، كما في مُونُولُوجيات السيد مامورو أوشي في كل من Patlabor و Ghost in the Shell  و Jin-Roh. و للسيد كاتسوهيرو أوتومو أيضا بأهاجيه(1) العبثية من خلال Roujin Z و Memories: Stink Bomb. كذلك مع الرمزيات السياسية التاريخية المخفية بهوادة للسيد شو أيكاوا ضمن Fullmetal Alchemist و Angel Cop.

لكن أنمي سياسي بحت؟ لايخطر على بالي إلا الأوفا المقتبسة من مانجا Sanctuary للسيد ريويتشي إكيغامي و شو فوميمورا سنة 1996، التي كانت عن شابين يابانيين من نجاة حقول الموت بكامبوديا، عقدا اتفاقا ينص على أنهما سيخوضان سباقا نحو قمة سلطة الحكومة اليابانية، أحدهما متخذًا مسار الياكوزا والآخر كرجل سياسية. كما عودنا السيد إكيغامي كانت جدا سوداوية ويصعب إطراء عدد من جوانبها.

على كل حال، تنفير الأنميات التي تتبنى المسائل السياسية لم يقتصر على السوق الياباني فقط، حيث نشرت شركة Viz Media بضعة عناوين سياسية بالسوق الأمريكي منها أوفا Sanctuary التي لم تبع سوى القليل والقليل مما جعلها واحدة من أكثر الإصدارات ندرة على الإطلاق، ولا يختلف الأمر كثيرا مع شبيهاتها. (السيد كايجي كاواغوشي هو أشهر مانجاكا بالنسبة للمعجبين بالسياسية في منطقة الغرب نظرا لتبنيه عددا من القضايا السياسية الأمريكية في أعماله).

في الحقيقة لايمكن القول عنها أنميات سيئة وقد لاتكون كذلك، ولكن حقيقة الأمر أن تركيبتها ببساطة لاتتماشى مع الرغبات. لدينا هنا أغلبية ساحقة من متابعي الأنمي لا تجد في موضع دنيوي كالسياسة سوى الملل، فطبعًا لن تراهم راغبيين في حشر ماهو مالَون منه سلفا في وسيلة اتخذوا منها وجهة للترفيه. بحيثُ يُنظر إليها على هذا النحو: أحداث ثقيلة وركيكة، شخصيات بليدة وجافة والأهم أنها غير جذابة، كما أن ألسنتها تميل إلى أن تكون غليظة، بحيث لن ترضي رغباتهم البصرية منها والسمعية. مثلما هي أنميات الياكوزا و بوسوزوكو(2) والعسكرية الواقعية التي لا تغري نصيب الأسد من المتابعين. وعليه فإن العثور على رعاة على استعدادٍ للمجازفة بأموالهم في مشروع من الجليَ أنه لن ينجح أمرٌ شبه مستحيل.

على الرغم من أن متابعي الأنمي متكونون من مختلف الأعمار، يقع أغلب الظنِّ أنهم مجرد شباب بالدرجة الأولى. في الواقع، هذا صحيح إلى حدٍ ما، إذ أن أحد الدراسات الإجتماعية بّيّنت أن معظم متابعي الأنمي في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية هم من المراهقين والشباب اليافعين. بالتالي فإن المسائل السياسية ليست بالأمر الشعبي الذي من شأنه أن يرفّه عن هاته الفئات العمرية، فهي عادة ما تنجذب نحو مواضيع أكثر إِفلاتِيّة(3). إضافة إلى أنه ما لم تكن أنميات السينين مُقتبسة من مانغا على مستوىً رفيعٍ من التوجه السائد (ألا وهو أمر نادر) فلن تبلي حسنًا حتى في اليابان، وهذا أمرٌ بات من المُسلمات لدى صُنّاع الأنمي.

يوجد في الواقع العديد من المانجات السياسة، معظمها متشابهة ومشابهة للمسلسل الأمريكي House of Cards، تُنشر عبر مجلات تبدو وكأنها موجهة حصرا لأصحاب البدل، وتستمر في التسلسل لسنين طوال، كما تبدو وكأنها سينين مشبعة بالوقائع الدنيوية. بعبارة أخرى، هي نوعًا ما متخشبة النمط. هاته المانجات ماهي إلا تلبية لما يرضي أذواق ديموغرافية محددة، ألا وهي ليست نفس الديموغرافية التي تستهوي مشاهدة الأنمي.

المانجات السياسية، وكما هو الحال أيضًا مع وسائل الإعلام السياسية اليابانية بشكل عام يميلان إلى أن يكونا غير تهجميين بالمرّة وحذران للغاية من خلق أية عداوة تجاه طرف ما، رغم أنه تم رفع الحظر على الهِجاء(1) بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه يظلّ هناك مرسوم غير مُسجل ينصّ على عدم المساس بمقام رجال السياسة خاصة من هم عُلاة الشأنِ، فالفعاليات السياسية أو الأشخاص أو المجموعات ليست ببساطة أهدافًا عُزّل كما هي الحال في الغرب وغيرها من المناطق.

بدلا من توظيفها في أنمي، تميل الهجائيَة(1) السياسية إلى أن تُسرد من خلال قصة هزلية متكئة على خفة الظّل كالتورية(4) والشخصيات الملتوية عوضًا عن محض محادثة سياسة يسود أجوائها جدية مقفرة. كما يُفضل أيضا إلقاء الأقوال و الرسومات الكاريكاتورية (التي يكون هدفها أكثر تحديدًا) التي تُصاغُ إما عن فِعل فرد بصفة مباشرة أو تلك المكدّسة في الإنترنت، بغض النظر عن ما يتم طباعته في المجلات.

بين موضوع لايرقى لتطلعات متابعي الأنمي التقليديين من هنا، وحذر شركات وسائل الإعلام اليابانية من التعدي على النطاق السياسي من هناك، الساحة برمتها ليست مهيأة للأنميات السياسية. لعل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن نرى أنمي يتوجه صوب سياسة خامة هي عن طريق فتاة ظريفة وخرقاء بعض الشيء في محاولة يائسة منها للولوج إلى عالم السياسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الهِجَاءُ: هو نوع من الأدب يُعبر من خلاله عن سخطٍ وإشمئزاز من شخص ما بذكر النواقص والعيوب والرذائل. ببساطة، هو عكس المديح، وعادة يُكتب كشعرٍ. هدفه الأكبر هو النقد الإجتماعي البناء، وذلك بإستخدام الطرفة كسلاح يلفت الإنتباه إلى قضايا معينة في المجتمع.

2- بوسوزوكو أو 暴走族: حرفيا تعني “الخارجون عن السيطرة”. وهو إسم يطلق على جماعات تركب الدراجات النارية الصاخبة وتتصرف بجموح، وغالبا ما ينتهي أمرهم بلإنضمام إلى إحدى عصابات الياكوزا.

3- الإِفْلاتِيَّة: وهو التهرب من الحقائق في الطب النفسي وتجنب مواقف الحياة الغير محببة.

4- التّورِية: هي إلقاء لفظ يحمل معنيان، أحدهما أقرب إلى الذهن لكنه غير المقصود، والثاني بعيد ٌ إذ أنه المقصود. قد تكون الغاية منها إثارة العقل، أو الهروب من المٔساءلة القانونية.

ترغب باستلام اشعار عندما ننشر مقالاً جديداً؟

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.