لماذا تفشل القصص الطموحة جداً في البقاء متماسكة؟

عند إعادة إصداري لسلسلة تفكيك الإيسيكاي بنسخة “ريماسترد” قبل أشهر، قررت -بيني وبين نفسي- إصدار ملحق للسلسلة، وهو في الحقيقة السبب وراء إعادة إصدارها من الأساس، ليكون فيه حديث مطوّل وأكثر تفصيلاً في بعض الأنماط والتوجهات التي أراها في قصص هذا التصنيف.

مع الأسف، ازداد انشغالي في الفترة التي تلت إعادة الإصدار ولم أجد فرصةً كافيةً لتوسيع اطلاعي على قصص هذا النوع بما فيه الكفاية للحديث عنه براحة وثقة، لكن في الفترة الأخيرة عدت فقرأتُ مانغات كثيرة مِن هذا التصنيف، وهذا ما أشعل رغبتي في كتابة المزيد حول توجّهات قصصية معيّنة في الميديا اليابانية، سواء في المانغا أو الأنمي.

وبين هذه التوجّهات التي لاحظتها كان ميل الكثير من الكتّاب إلى إغراق قصصهم في مسارات وتوجهّات وأهداف قصصية، ربما لا تسع القصّة لها، مستندين في هذا التوسع على شهرة صور نمطيّة – Stereotypes مرتبطة بالتصيفات التي تندرج تحتها القصّة، كاعتماد قصص الإيسيكاي على “فهم القارئ” لتبرير الكثير من النقاط، كنظام المستويات – Levels ونظام السحر، وغيرها.

وبناء على هذا، تتكاثر السمات والتوجّهات في القصص دون أي “انضباط” من ناحية الكاتب، ولهذا العديد من الأسباب والتبعات، ولكن قبل البداية بالحديث عن هذه علينا أولاً الحديث عن “الانضباط” ومعناه.

ما المقصود بـ”الانضباط” في كتابة القصص؟

تعريفي الشخصيّ للانضباط – Restraint في كتابة القصص هو قدرة الكاتب على كبح خياله وإبداعه ورغبته في إضافة عناصر وأفكار ومحاور للقصة بهدف إبقائها على المسار الصحيح والحفاظ على هويتها وضمان جودتها والالتزام بسياقها.

على سبيل المثال، أجد في قصة odd taxi انضباطاً جيداً رغم تطرّق القصة لعدّة مواضيع، هذا لأن هذه المواضيع تساهم مباشرة في عالم القصة وليست موجودة فقط لاستعراض قدرات الكاتب وخياله.

في المقابل، أجد في قصة Guilty Crown افتقاراً للانضباط بسبب تشتيت القصة بين محاور يصعب على الكاتب التنسيق بينها، ويضيفها في القصة على هواه دون اكتراث لتأثيرها على بقية العناصر؛ البلوغ، والعلاقات الرومنسية، والصداقات السامة، والعائلة على كفّة، والتسلط – Authoritarianism، والحكومة، والثورة، والأخلاق، والقانون، على الكفّة المقابلة. والبطلة -لسبب ما- مطربة مشهورة في عالم القصة.

افتقار الانضباط في هذا العمل قاده إلى الفشل في كل النقاط التي حاول التطرق لها، ليس لأنه من المستحيل التوفيق بينها، فغيره ينجح بذلك، ولكن لأن الكاتب لم يظهر أدنى قدر من الانضباط أثناء اختياره وتطبيقه وتنسيقه لأفكار القصة.

سبب افتقار الانضباط برأيي يتراوح عادةً بين سذاجة الكاتب وجهله في بناء القصص وبين طمعه في تغطية قاعدة جماهيرية أكبر لعمله، بعض الكتاب يرى مثلاً قصصاً كملك الخواتم ويعتقد أن إدارة عالمٍ قصصيّ كذاك سهلة، وبعضهم يعتقد أن تغطية كل تصنيف موجود على سطح الكرة الأرضيّة سيجعل من عمله مشهوراً لدى محبي كل تلك التصنيفات، وبعضهم يعتقد أن تمديدَ القصّة وإطالتها ورمي كلّ أفكاره فيها طالما يوافق الناشر على نشرها أمرٌ لا يؤثر على جودة القصة.

بالطبع، نظرتي لهذا الأمر ستبقى قاصرةً طالما لا توجد أبحاث فعليّة حول أسباب هذا، ولكن أعتقد أنّي غطيت الأسباب الأقرب للتصوُّر على الأقل في كلامي.

أؤكد أيضاً قبل انتقالي لتخصيص الحديث عن قصص بعينها أن “تحرير الخيال” نفسه ليس مشكلة هنا، كلامي لا يعني أن كتابة القصص الجيدة بمطلقها يتطلب كبحاً للخيال وميكانيكية كاملةً وتخطيطاً مفصلاً من الكاتب، لكن ما أقوله هو إن الانضباط يساعد الكاتب على إبقاء القصة في مسارها، وإن الأفكار ليست كلّها صالحة للتواجد في مكان واحد، وإن الحفاظ على تماسك القصة عند تحرير الخيال مهمة صعبة وتحتاج كاتباً متقناً لهذه المهارة.

الانضباط مهارةٌ ممتازة للكتّاب الذين يمتلكون خيالاً جامحاً لأنه يسمح لهم بالاستفادة منه بدلاً من الضياع بسببه.

لماذا يسهل الافتقار للانضباط؟

ذكرت في سلسلة تفكيك الإيسيكاي سابقاً سبباً من أسباب اعتماد الكتّاب المبتدئين على هذا التصنيف في كتابة قصصهم؛ وهو البنية المعتادة وسهلة التعديل والهيكلية المؤسسة سلفاً في عقول المتابعين تجعل من استخدام هذا التصنيف أداةً ممتازة لاختصار الكثير من العقبات الكتابيّة.

لا داعي للتفكير بطريقة جيدة ومميزة لتقديم العالم، الشخصية الرئيسية في بداية القصة تعلم عن العالم الجديد بقدر معرفة القارئ عنه، لذا يمكن للكاتب عرض هذا العالم عبر أعين هذه الشخصية والاعتماد على الشرح المطول لكل ما في العالم بشكل مباشر بدلاً ابتكار طريقة مميزة لعرض هذه التفاصيل.

لا داعي لابتكار طريقة جديدة لعرض وبناء هرم القدرات في عالم القصة، فنظام المستويات – levels والمهارات – skills المقتبسان من العاب الRPG مفهومان لكل المتابعين.

لا داعي لبناء سياقٍ قصصيّ شخصيّ – Backstory للبطل وإعطائه دافعاً لبدء الرحلة، يمكن فقط “استدعاؤه” للعالم الجديد كي يحارب ملك الشياطين، أو ليصبح ملك الشياطين، أو ليتواصل مع ملك الشياطين، أو لينجب ملك الشياطين.

وهذا بحد ذاته ليس مشكلة على الإطلاق، الكثير من قصصي المفضلة تعتمد بكثرة على هذه العناصر المعلّبة وتبني عليها قصصاً مذهلة، إحدى مانغات الإيسيكاي المفضّلة لديّ في الفترة الأخيرة level 999 villager تستعرض صفة من هذه الصفات في عنوانها وتنجح في بناء قصّة مذهلة على هذا الأساس.

المشكلة هنا استغلال هذه الطرق المختصرة دائماً ومحاولة تغطية كلّ المحاور الممكنة عبر هذه القوالب الجاهزة، فلا يكتفي الكاتبُ بأن تكون القصّة متمحورة حول رحلة الشخصيّة الرئيسية في عالم جديد والإطلاع على ثقافته مثلاً بل يجب أن تحمل أيضاً تصريحاً سياسياً ويجب أن تستعرض جانباً رومنسياً ويجب أن تركّز على سياسة العالم ويجب أن تكون الرحلة محفوفة بالقتالات والمغامرات والكوميديا ويجب أيضاً أن تتضمن فتيات ظريفات يحمن حول البطل كما في Arifureta.

وكلّ من تلك النقاط لا يجتهد الكاتب في تقديمها بما يتناسب مع سياق القصّة وبنيتها، بل يعتمد على القوالب الجاهزة المشهورة ويدرجها في القصّة عبثاً لأنّه في النهاية قادرٌ على تفسير كلّ شيء تحت حجّة “أنت تعلم سلفاً معنى هذا وذاك، لا داعي للإطالة ولندخل مباشرة في الأحداث”.

وهذا لا يقتصر على الايسيكاي أو الروايات الخفيفة أو القصص الخيالية فحسب، بل يمكن رؤيته في كل التصنيفات الأخرى، حيث يستخدم مثلاً كتّاب القصص الرومنسية مثلّثات الحبّ بكثرة، لأنها مفهوم سهل الاستيعاب ولا يتطلب الكثير من العمل والشرح من طرف الكاتب.

والمثير للاهتمام أنّ للانضباط في كتابة القصص دور هائل في تحديد إن كان الاعتماد على هذه القوالب أمراً نافعاً أم لا، وهذا يظهر من خلال المقارنة بين عملين متشابهين جداً بدايةً من التصنيف الذي يندرجان حوله وحتّى الوعود المبدئية التي تقطعها القصّة في بداية الأحداث، لكن انعدام الانضباط في الأولى يقودها نحو تفكك وهزلية غير محمودة، بينما يقود الانضباط الثانية بأحداث ممتعة نحو نهاية ممتازة.

انعدام الانضباط المطلق في Choyoyu

ربما مرّ هذا الأنمي دون اهتمام كبير أثناء عرضه، ولكنّي شاهدته باهتمام حينها واختلفت نظرتي نحوه مع كلّ حلقة نحو الأسوأ.

في بودكاست الموسم ذكرت أنّ أملي بهذا الأنمي كبير، فهو يمتلك فرصة ممتازة في تجنّب التوقّعات السيئة حوله لتقديم شيء مميزٍ فعلاً باستغلاله الشخصيات الرئيسية، خصوصاً بوجود كادر متنوعٍ بدلاً من حصر البطولة في شخص واحد.

ولكن مع كلّ حلقة تراجعت نظرتي حول الأنمي حتّى أصبحت أتابعه فقط لأرى كميّة الأشياء التي سيحاول كاتب القصّة حشرها. وهذا ما يجعله المثال الأجلى لانعدام الانضباط القصصي في الإيسيكاي.

بداية، عليّ أن أشير لكون كلّ العناصر الموجودة في هذا العمل من الممكن أن تعمل معاً لو وُجِدَتْ بين يديّ كاتب الكفاءة، والحقّ أنَّ السبب الوحيد الذي جعلني أهتمّ بهذا العمل هو أنّ بدايته أشارت لبعض المواضيع التي أثارت اهتمامي.

ما تخيّلت وجوده في هذه القصّة

في البداية، وجود سبع شخصيات رئيسية، لكل واحدٍ منها قدراته وخبرته، ووجود شخصيّة محوريّة تدير هذه المجموعة وتعمل على توجيه جهودها بالاتجاه الصحيح يجعل العمل تلقائياً أكثر إثارة للاهتمام من أعمال الإيسيكاي الأخرى التي تركّز كل أحداثها حول شخصيّة واحدةٍ فقط. ليس التركيز على شخصيّة واحدة سيئ بذاته، لكن ما قدّمته القصّة في الحلقات الأولى وعد بوجود طاقم متنوّع من الشخصيات.

أضف لهذا وجود شخصيّة “سياسيّة” في العمل يعني أنّ علاقة هذه الشخصيات مع العالم المحيط بهم لن تكون مبنية على التفجير والتدمير وإنقاذ الفتيات الجميلات بل على التخطيط الاستراتيجي وبناء العلاقات مع المجتمعات المحيطة. ليس التفجير والتدمير وإنقاذ الفتيات بحدّ ذاتها أموراً لا تعجبني، لكنَّ القصّة تمهّد لشخصيّاتها على اتّجاه معاكس تماماً لهذا.

كان من الممكن أن تكون هذه القصّة تقديماً ممتازاً لأحداث إيسيكاي غير تقليديّة، فقط لو اكتفى الكاتب بهذين العنصرين، ولكن مع توالي الحلقات بدأت هذه العناصر بالتحوّر والتفكك، وبدأ الكاتب بإضافة المزيد والمزيد من العناصر إلى القصّة بسبب ودون سبب.

ما وجدته في هذه القصّة

يبدأ العمل بفتاة نصف بشريَّة بأذنين فرويّتين تطعم البطل المستلقي في سريره عبر مضغ الطعام وتقبيل فمه “لكونه عاجزاً عن تناول الطعام بنفسه” اعتقدت في البداية أنّ هذه طريقة الكاتب في الإشارة لكون هذه القصّة موجّهة “للبالغين”. لكن تثبت القصّة فهمي الخطأ مع الوقت، البطل هنا هو المحور الرومنسيّ للقصّة، رغم وجود ذكور آخرين في المجموعة ورغم الإشارة لكون هذه القصّة حول “سبعة أبطال” لا عن بطل واحد.

التركيز على شخصيّة واحدة كهدف للعلاقات الرومنسية ومَحْوَرَة كلّ العلاقات حولها ينفي مباشرةً العدالة المفترضة في توزيع الاهتمام على بقيّة الشخصيّات – ويزداد هذا الأمر سوءاً مع الحلقات المتتالية حيث يتحول العمل للتركيز على البطل ذي الشعر الأبيض تاركاً أحد أهمّ العناصر المميزة فيه خلفه، فقط لتغطية عناصر تجذب المتابعين كخيال القوّة الرومنسية في هذه الحالة.

استخدام هذا القالب المكرر في الإيسيكاي لبناء بعض صفات هذه الشخصيّة دون النظر لسياق القصّة يعني أنّ الكاتب يحاول تغطية عناصر موجودة في قائمة – Checklist بدلاً من اختيار ما يناسب من عناصر هذا التصنيف لقصّته.

يسوء الأمر أكثر مع تقدّم الحلقات عندما يستخدم الكاتب مجدداً صفة مكرّرة في الإيسيكاي، وهي الشرير المغتصب والشرير المهووس المتديّن/المخلص لوطنه، في حالة الشرير المغتصب يستغلّ البطل هذه الفرصة لاستعراض قدرات فريقه ولينقذ الفتاة الجميلة من الخطر، مثبّتاً مكانه في بطولة القصَّة، في مكان أعلى وأهمّ من باقي الشخصيات.

في حالة الشرير المهووس يستغلّ الكاتب أيضاً هذه الفرصة لاستعراض القدرات المدمّرة للطرفين، دون النظر للسياق أو تحضير فهم أفضل للعالم – ما ينبغي هو أنْ يستغل الكاتب بداية الأحداث لتطوير فهم الشخصيات والمتابع عن العالم، لكنّه هنا لا يظهر هذا الفهم للمتابع، بل يكتفي بالتلميح له صابّاً الاهتمام كلّه حول استعراض القدرات وتهويل الشخصيّة الرئيسية وقدرتها على إدارة الأمور حتّى في عالم خياليّ بالكامل.

هذا يعني أن الجانب السياسي الملمّح له عند الحديث عن قدرات الشخصيّة الرئيسية، وإمكانيّة إدارة قدرات الشخصيات الستة المتبقّية بما يخدم الخطّة الأكبر للفريق، يتضاءل مع الوقت مقارنة بالجانب المركّز على المشاهد الحركيّة العشوائية؛ اللحظات “الكوول” للشخصيّة الرئيسية، والتهويل والتضخيم المستمر للأحداث دون تفكير بالعواقب.

ما يمكن ملاحظته في هذه القصّة هو أن الكاتب يحاول تغطية أكبر عدد ممكن من “النقاط المحورية” في القصة دون التفكير في الطريقة المناسبة للربط بينها، والكثير من هذه النقاط المحورية أصلاً غير ملائمة للأساس الممهد له من البداية.

صحيحٌ أنّي أحببت على سبيل المثال الخطّ المتعلق بالنجاح الاقتصاديّ في المدينة وكيف حصل أحد الأبطال على ما يكفي من الموارد ليساعد القرية دون الاعتماد على القوّة الفيزيائيّة فحسب، إلّا أنّه أشبه بقتال بين شخصيّتين لا سياق له، لن أهتمّ بما يجري مهما كان بذاته “متناغماً” ومتّفقاً مع ما أحبّه عادةً لأنّ القصّة لا تضع هذا في سياق جيد.

ولا يظهر الكاتب في أيّ مرحلة من مراحل الربط بين هذه الأفكار -الجيدة منها والسيئة- أيّ نوع من الانضباط، لأنّ لكلٍّ من هذه العناصر بنيته الجاهزة، ولا داعي للتفكير أثناء تطبيقها على القصّة.

الانضباط في Wandering Stories in Another World

من الملائم جداً أن تبنى قصّة تتحدث عن الانضباط بانضباط مبهر، وهكذا توفّق مانغا WSAW بين رسالتها وبين طريقة عرضها للقصّة، فهي تتحدث عن شخص حصل على قدرات خارقة، يحاول ضبط قدراته الفائقة في عالم جديد بعد استدعائه دون رغبة منه؛ الكاتب في المقابل يقدّم هذه القصّة دون إضاعة الشخصية الرئيسية في أحداث لا تساهم في الحديث عن الهدف الأساسيّ، وينهي المانغا عندما تصل الفكرة، دون طمع باستغلال السلسلة لعرض المزيد من السياقات على حساب تماسك القصّة.

ما يُلحظ في هذه المانغا أنّ لكل أرك من الأحداث دوره الأساسيّ في القصّة ولكل شخصيّة يقدّمها الكاتب صفاتها المختلفة والمميزة وطريقة تعامل خاصّة مع البطل، وعلى الرغم من كونه محور القصّة وهدف رسالتها يبقى للشخصيات الأخرى وقت كافٍ للظهور وإثبات الذات، لا ضمن ظلّ البطل بل كشخصيات مستقلّة قادرة على حمل ثقل قصصها الخاصّة في هذا العالم.

لكل جزء من القصّة دوره في التفاعل مع الأجزاء الأخرى، وعندما ينتهي هذا الدور أو لا يكون ضرورياً، يخرج هذا الجزء من الصورة لتركّز الأحداث على غيره، فعلى الرغم من إحاطة الشخصية الرئيسية بشخصيات أنثوية جذّابة مثلاً، لا تبقى هذه الشخصيات حوله طوال الوقت؛ بل تخرج من الصورة لتقوم بما يجب عليها القيام به خارج فضاء البطل، لأنّه -بديهياً- ليس محور الكون، رغم قوّته الفائقة.

وعلى الرغم من أنّ القصّة تشير ساخرةً إلى اعتماد قصص خيال القوّة على شخصيات لا أهمّية لأسمائها عبر جعل البطل غير قادرٍ على سماع وفهم أسماء شخصيات العالم الجديد، تبقى أسماء الشخصيات المبتدعة والهزلية أكثر قدرة على البقاء في ذهن المتابع من أسماء بعض الشخصيات الرئيسية في قصص أخرى؛ السبب في هذا أنّ للشخصيات هذه دوراً مهمّاً جداً في حركة الأحداث، ولا تقدّم فقط لتدور في فلك الشخصية الرئيسية.

وبالمقارنة بين مانغا Choyoyu ومانغا WSAW في التعامل مع مفهوم العنصرية على سبيل المثال، نجد تأثير عقليّة القصّة على كلّ منهما واضحاً؛ في Choyoyu يشق الأبطال طريقهم نحو التخلص من العنصرية بمحض القوة الخارقة، وعلى ذلك يستندون في حلّ مشكلة لا يمكن حلّها “بهذه البساطة” إن صح التعبير – بينما في حالة WSAW يعلم البطل أن الأمر ليس بسهولة تحرير مجموعة من العبيد أو لَكْم الأشرار؛ لأنّه يقوم بهذا ويدرك عدم نفعه – بل تشير له حتّى شخصيّة أخرى، ويدرك أيضاً أن الأمر لن يتم لحظياً بل سيحتاج لسنوات من التغيير.

في نهاية WSAW نرى أنّ البطل بدأ بجني ثمار عمله المستمر منذ اللحظات الأولى للمانغا، عبر بناء شبكة للتواصل بين أعراق العالم الجديد؛ هذه الشبكة هي ما يدفع هذا العالم للتغيير، لا قوّة البطل الفائقة – ووجود هذه الشبكة ليس ناجماً عن “قوّة البطل وشجاعته” بل عن رغبة بسيطة منه في “تصفّح الإنترنت” لمتابعة تضييع وقته كما في العالم القديم؛ هذه الفكرة العرضيّة غير المخطط لها تحمل التأثير الإيجابيّ الأكبر للبطل على العالم الجديد – لا محاولته الفعّالة في تغيير العالم عبر السحر والقوّة الفائقة.

وهذا مشابه تماماً -برأيي- لدور الاهتمام بتفاصيل بناء العالم والشخصيات بما يناسب سياق القصّة، حيث قد تحمل هذه التفاصيل القادمة من رغبة الكاتب في بناء قصّة متماسكة قيمة هائلة للقصّة، مقارنة بما قد يحدث عند إضافة عناصر لا داعي لها للقصّة فقط لتغطية أكبر قدر ممكن من المواضيع.

ولعل أوضح ما يشير إلى تركيز هذه القصة على هدفها المحوريّ هو حديث الحكيم مع البطل في بداية القصّة عن “التوجّه لقصر الملك” بحثاً عن الحماية، حيث يرفض البطل ذاك، لأنّ ما ينبني على هذا هو تدخّل البطل في الشؤون السياسية والاجتماعيّة للمملكة، وهذا “متعب ولا جدوى منه”. البطل يخوض أحداث القصّة هذه ليتعلّم التحكّم بنفسه وليدرك حدود تأثير قوّته، لا لخوض مليون مغامرة في مليون سياق.

هذا الانضباط والالتزام بفكرة محددة، على الرغم من وجود أساس مغرٍ جداً للكاتب في التوسّع والتطرق لكثير من الأفكار الأخرى، هو ما يفتقر له الكثير من كتّاب الايسيكاي، وهو مشكلة أساسيّة تجعل الكثير من القصص المكتوبة في هذا التصنيف -وفي غيره طبعاً- ركيكة وغير قادرة على حمل ما تحاول حمله من أفكار دون تسخيف إحداها أو كلّها.

ترغب باستلام اشعار عندما ننشر مقالاً جديداً؟

هادي الأحمد

هادي الأحمد

أحب النظر لقصص الأنمي من زوايا مختلفة.

المقالات: 50

4 تعليقات

  1. يعطيك العافية على الموضوع الرائع
    كوني من محبي اعمال الايسيكاي ، فعلا موضة الشخصية المحبوبة و المحاطة بالحسناوات بدون مبررات منطقية اصبحت مثيرة للاشمئزار

  2. السلام عليكم
    بارك الله فيكم ومقال رائع وجميل

    لكن أحب حقاً وضع إقتراح في غاية الأَهمية
    هو كما عودتونا (لا تعطونا السمكة بل تعلمونا كيفية الصيد)
    لكن أشعر في هذا الأمر نقصاً
    المقالات رائعة وجميلة لكنها تقع في ضمن سياقات محددة وضيقة (أن جاز لي التعبير)
    فلذلك أَتمنى وضع مصادر متنوعة سواء عربية او أجنيبة من مقالات وكتب ومواقع وقنوات وصفحات
    في الأدب بشكل عام والفن بشكل خاص
    كما لاحظت الجميع يحب الأكتشاف
    لكن لا يعلمون من أين يبدأون

    وشيء أَخير أتمنى وضع الصفحات والمواقع الأخرى (حتى الشخصية) التي يكتب بها الأعضاء
    في شتى المواضيع
    فالكل يحب سماع صوتكم لا تحرمونا منكم

    • شكراً لاهتمامك أخي ❤
      > فلذلك أَتمنى وضع مصادر متنوعة سواء عربية او أجنيبة من مقالات وكتب ومواقع وقنوات وصفحات في الأدب بشكل عام والفن بشكل خاص
      ربما يمكننا إنشاء صفحة في الموقع تتضمن قائمة مراجع جيدة للإطلاع، سواء بالعربية أو غيرها، قد يكون هذا متفقاً مع اقتراحك ولو كان لديك اقتراحاً افضل يسعدني معرفته.

      أما في المقالات فعادةً في حال استخدام مصدر ما لأي معلومة نضع رابطه ضمن الفقرة المقتبسة منه، وفي حال وجود مصطلح مهم يمكن استخدامه للتوسع في البحث نذكره بالعربية والانجليزية لنتيح للناس البحث عنه بسهولة، في هذه الحالات لا يكون هناك اقتباس لمعلومات محددة من مصدر مباشر، فقط استخدام للمصطلح لإيصال فكرة معينة.

      نعمل في الأشهر الأخيرة على بناء أرشيف للمصطلحات والتعريفات بالعربية ومقابلاتها الإنجليزية، وهذا سيساعد كثيراً لمن يرغب بالاستزادة.

      > وشيء أَخير أتمنى وضع الصفحات والمواقع الأخرى (حتى الشخصية) التي يكتب بها الأعضاء
      في الحقيقة شكراً لاثارة انتباهي إلى هذه النقطة، كانت المعلومات موجودة في الموقع لكن يبدو أنها أخفيت في أحد التحديثات، سأعيد إظهارها مباشرة

      > فالكل يحب سماع صوتكم لا تحرمونا منكم
      شكراً لك، وشكراً لاهتمامك بما فيه الكفاية لترك تعليق، يسعدني هذا جداً

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.