أنمي Shinsekai yori وكيف تبني عالماً ديستوبياً #حرق

إذا كنت من القرّاء للروايات أو المتابعين النقّاد للسلاسل والأفلام الأمريكية فستجد صعوبة بكل تأكيد في دخولك إلى عالم الأنمي، فالأنمي كميديا لا تعتمد على جودة الكتابة ولا تحاول عادةً صنع شيءٍ متميز في هذا المجال لأسبابٍ عديدة لا يسع بي شرحها هنا، لكن ما عليك معرفته بكل تأكيد أن Shinsekai yori شينسيكاي يوري (من العالم الجديد) المقتبس من رواية يابانية هو من الأفضل في هذه الصناعة بالمجمل..

سأدخل بتفاصيل عديدة في العالم والمجتمع المقدمين بهذه التّحفة الديستوبية. فبالتّأكيد سيكون النّقاش هنا حرقاً للأنمي كاملاً، لذلك لا أنصح بقراءة المقال مالم تحصل على التجربة الكاملة من الأنمي. الهدف هنا هو تقدير الجهد المبذول في صنع هذا العمل وأتأمّل أيضاً بتبيين وجهة نظري الشخصية ببعض المواضع.

اقرأ أيضاً: مراجعة انمي Haibane Renmei (خالية من حرق الأحداث) – مراجعات وجد

سأتكلم عن النقاط الأساسية التي ساهمت في بناء العالم وكيف تعامل معها المؤلف والمشاكل الموجودة عادة في أعمال ثانية التي لم تظهر هنا. فكرة الديستوبيا كانت وما زالت دائما أحد أكثر المواضيع المحبوبة من الكتّاب والقرّاء. فالغوص في عالم مستقبلي كارثي له حلاوة خاصة عند القرّاء والمتابعين في فتح مجال للخيال والإبداع بالدخول. ما ميّز Shinsekai yori هي عدة عوامل أهمّها:

البدء من أبسط التغييرات:

هذه نقطة مهمة جداً تعجز عنها الكثير من الأعمال التي تتكلم عن مستقبل بعيد، فعادةً ما ترى عوالم ومجتمعات تخيّلية بدأت بشكلٍ معقدٍ جداً لا يمكن أن يحصل في الواقع. وأنا لا أشير هنا إلى أنّ الوقعية هي الأساس بل كيف تم ربط هذا العصر بعصرنا. ولذلك أحبّذ دائما استخدام تغييرات بسيطة وتخيّل عواقبها.

Shinsekai yori بدأ بفكرة بسيطة جداً وهي ظهور القوى الروحيّة عند البشر في 2011. ما عقب ذلك كله عبارة عن تطورات بناءً على هذا الأساس وكانت جميعها منطقيّة وما كانت لتحدث لولا هذا التغيير. هذا بالذات شكل الرّابط الأقوى بين وقتنا هذا والعصر الذي نشأت به الشخصيات الرئيسية. يمكنك أيضاً أن تتخيل عالما تكنولوجيا متطورا جداً لكن ابدأ بفكرة بسيطة جداً كاختراع مفاجئ وتخيل توابعه مع الزمن.

التراكمية:

قد يكون هناك نقد على فكرة “البدء بشيء بسيط جداً” بأنّها لن توفر معلومات كافية لجعل عالمك مثيراً للاهتمام وتحدث التغيير الكافي. وهذا ليس صحيحا على الإطلاق. ما سيحدث من تبعات لهذا التغيير له دور كبير وسيلعب أيضا كعامل أساسي في صنع العالم المستقبلي الذي تريد إيجاده. عليك العمل بالذات على التفاصيل الدقيقة جداً وتخيّل جميع التغييرات التي مرّت بها البشرية وهذا ليس بالسهل لكنه سيكون منطقي جداً وأفضل بكثير.

في Shinsekai yori تم كتابة تاريخ كامل للبشر في مدة 1000 سنة. بعد ظهور القوى الروحية حدثت حروب لا منتهية سببت انخفاض بعدد البشر ل 2% وبعد تلك العصور المدمرة نشأت امبراطوريات ديكتاتورية وانقسمت المجتمعات إلى 4 أقسام بناءً على طريقة استخدام القوى الروحية. بعد ذلك بدأ عصر جديد في محاولة للتخلّص من النظام الإمبراطوري والوصول لسلام بين الصّنفين من البشر “مستخدمي القوى الروحية” و”غير مستخدمي القوى الروحية” وهنا تدخل العلماء لمنع مستخدمي القوى من قتل بعضهم بعمل تغيير جيني، وهو الحل الذي إرتآه المؤلف في وقف الصراع، إضافة إلى تهجين البشر الآخرين مع الحيوانات كي يتم التخلص منهم.

سنلاحظ هنا أنّه من فكرة بسيطة كوجود القوى الروحية تم إيجاد أفكار أخرى كثيرة جداً ومثيرة للاهتمام أكثر بكثير، كمنع قتل البشر لبعضهم البعض بتغيير جيني وعقبات هذا والأفعال اللاإنسانية التي قام بها العلماء لوقف الصراع. لم يتوقف الأمر هنا بل تم إدخال أيضا الصنف الشاذ من البشر الذي من الممكن النظر له اليوم كالمريضين نفسيا وما قد تكون آثار ذلك على القوى الروحية “المسوخ” وأيضا ما هو التأثير بعيد المدى للقوى الروحية وإحتمالية خروجها عن السيطرة “الشياطين”.

Shinsekai yori غني جدا جدا بالثيمات وكل هذا بدأ بفكرة كليشيه جداً كالقوى الروحية. لكن طريقة التعامل معها هو ما أحدث هذا التغيير وهذا ما يفعله الكاتب الذكي.

التأثير على المجتمع:

عمل أي تغيير سيحدث تغييراً على العالم مادياً. لكن ماذا عن نفسية الأفراد؟. هذه النقطة بالذات لا ينصفها جميع الكتاب. لكنها كانت النقطة الرئيسية في شينسيكاي يوري وأفضل جوانبه. “ما هو تأثير وجود القوى الروحية على البشر في الأمد الطويل” كانت الاجابة ببناء مجتمع منغلق تماماً مبني على البساطة. تم إنشاء شريعة أيضا لإعطاء الأفراد سبباً كي لا يسألوا عن ماهية ما يحدث فعلا ولماذا قد يكون هذا الشيء “محرم”. الثيم الديني قوي جداً هنا ومثالي جداً لتبني مجتمعاً منغلقاً كهذا. طبيعة البشر تحتم عليهم أن يكونوا فضوليين ليعرفوا ماذا يجري حولهم لكن خوفهم من المجهول سيجعلهم كالأطفال بين أهلهم. هذه الغريزة للإبتعاد عن المجهول كانت محرك للمجتمع إضافة لعمليات التنويم المغناطيسي التي جعلت باقي الأفراد كالدواب بدون إرادة حرة للعيش. لحسن الحظ شخصياتنا الرئيسية كانت ممن لم تتأثر كثيراً بالتنويم فاستطعنا أن نضع أنفسنا في مكانهم ونتسآل كذلك عن الجنون الذي يجري هنا.

أحد لقطاتي المفضلة من العمل كانت في الحلقة الرابعة بعد معرفة الشخصيات بتاريخ البشرية. فكانت ردود فعلهم الصدمة التامة من فكرة “بشري يقتل بشري” وهو ما صدمني أيضا وأثبت لي تماماً أنني أراقب مجتمع لا يمت بصلة للمجتمع الذي أعيش به. هذا التأثير الذي يصيب المتابع له دور قوي في جعل العمل لا ينسى.

يتضح فيما بعد أن المجتمع مبني على التصفية للأفراد المختلين نفسيا. لكنه محكوم بجنون الارتياب فكانت الأمور خارجة عن السيطرة تماماً. كل ذلك لايقاف ظهور خطر يفوق خطر القنابل النووية في وقتنا هذا. وهو ما تجعلك تتساءل هل هذا فعلاً الحل الصحيح؟ وهذه نقطتي التالية.

الرمادية في طرح الأفكار الأخلاقية:

هذا الثيم يلقى تفضيلا شخصياً مني جداً. فكثير من أعمالي المفضلة كـ Fate zero وShiki تحوي هذا الثيم. يتم طرح الأفكار الأخلاقية برمادية تامة بدون تفضيل طرف على آخر. فقد ترى أنّ الأبطال قتلوا الكثير من البشر لتلافي الخطر الأكبر وهو ما يجعلك تتساءل هل هذا فعلا يستحق؟

في شينسيكاي يوري كان هذا الثيم مسيطر. فلا أظن أن أي من المتابعين يستطيع تخيل مجتمع أفضل من الحالي. خطر ظهور المسوخ والشياطين لا يمكن إيقافه إلا بعمل التصفية الشاملة ولا أستطيع لوم الجرذان الوحشية على إنقلابها على البشر. بل كنت شخصياً مع إنقلابهم ومحاولة تحقيقهم للفوز بأي طريقة. وإلا لن يتحرروا من مصيرهم الملعون. لكن يمكن لأي شخص آخر صنع حجة معاكسة. حتى يمكن النقاش بأن العمل ليس ديستوبي بل يوتيوبي وأنّه صنع أفضل مجتمع بشري ممكن مقارنة بأيّامنا هذه. فهذا الإرتباك منعكس من الواقع والرمادية التي فيه.

لا أحاول القول أن كل عمل يجب أن يتعامل مع القضايا الأخلاقية بهذا الشكل. لكن يجب الاعتراف أن شينسيكاي يوري قام بذلك بأفضل شكل ممكن وهذا رفع ترتيبه كعمل أدبي ممتاز.

تقديم العالم للمتابع:

من أكبر المشاكل الكتابية التي يقع بها الكتّاب المبتدئين دائماً وتزعجني جداً هي ال “Information dumping” معنى هذا هو رمي معلومات بوجه المتابع عن طريق شرح مطوّل ببداية الحلقة الأولى أو خلال الحلقات بدل عرضها خلال الشخصيات ومعايشتها. نصف أهمية هذه النقطة تقع على جودة الإخراج في نقل المشاهد من الرواية وتصويرها بافضل شكل لتقليل النصوص.

شينسيكاي يوري بدء مباشرة مع مشهد قتل عشوائي في اليابان ثم ننتقل الف سنة للأمام لنشاهد أطفال في معبد بوذي. لم يتم أبداً شرح العالم فهو الغموض هنا ولم يتم رمي كمية نصوص هائلة علينا بل عايشناها. عايشنا غرابة المدارس ووجود القوى الروحية وإستخداماتها ورأينا القرية الصغيرة البسيطة جدا في أبنيتها الخشبية. تم طرح العديد من القصص والإشاعات المرعبة عن الوحوش في هذا العالم بأحد أفضل المشاهد إخراجياً في أي عمل شاهدته. يحب القول أن المخرج Ishihama Masashi قام بأحد أفضل الأعمال الإخراجية التي شاهدتها هذا العقد كاملاً. للأسف الشديد مستوى العمل الإخراجي انخفض بشكل كارثي في الحلقة الخامسة مع إستضافة مخرج آخر لكن يتعافى العمل منها في الحلقات القادمة ليعيد تقديم فيجولز مرعبة جدا. عينة من الاخراج الممتاز لقصة المسخ :

الموضع الوحيد الذي من الممكن تسميته برمي معلومات على المتابع في شينسيكاي يوري هو الحلقة الرابعة مع تاريخ البشرية المظلم. لكني أرى الأمر هنا أقرب لمعلومات صادمة جداً أثرت حتى على الشخصيات الرئيسية بشكل جوهري وهذا سبب رمي هذه المعلومات المطولة علينا. إضافة أنه صاحبها الكثير من المشاهد الممتازة لعرض هذا التاريخ وسبقها بحلقة قصة الإمبراطور التي كانت جزأً منها. هذه المعلومات ايضا ستلعب دوراً أساسياً في المستقبل.

الأمر الذي ساعد المؤلف هنا في تقديم العالم كان فكرة أن الرواية كاملة هي عبارة عن تاريخ حياة أحد الشخصيات التي تعتبر الراوية الحقيقة للأحداث. فبدأنا العيش معها في المجتمع في فترة صغرها إلى نضوجها وكبرها.

توظيف الشخصيات في خدمة العالم في Shinsekai yori:

نقطة مهمة أيضاً: لا تكسر قوانين صنعتها بنفسك لتجعل شخصياتك تخرج من موقف حرج. من أكبر المشاكل التي تقع فيها العديد من السلاسل الأخرى مثل “Fate” في وضع قوانين مهمة جداً بني عليها العالم ثم تنكسر للحفاظ على حفنة من الشخصيات. غير الشخصيات بما يتناسب مع ما يحدث حولها ولا تخشى قتل بعضها في خدمة نحت تفاصيل اكبر في العالم.

شخصية “شون” أحد الشخصيات الرئيسية التي لم أكن لأتخيل انه سيختفي في منتصف العمل. لكنه خدم فكرة توضيح كارثية وجود الشياطين في هذا العالم وأنه لا فرار من هذا مهما حاولت. لم يكسر الكاتب قواعده ليحافظ عليه.

أيضا من المشاهد الجدلية كانت في الحلقة 8 مع العلاقات الشاذة بين الشخصيات. لكنها كانت “الصدمة الثانية” بالنسبة لي لتؤكد فقط على أن هذا المجتمع مختلف تماماً عن مجتمعنا وهي تطور مبني على كلام المونوشيرو عن سعي العلماء لبناء مجتمع مشابه لمجتمع البونوبو حيث يتم التخلص من التوتر بالاتصال الجنسي حتى بين القصّر وأفراد الجنس الواحد. كل شيء في عالم Shinsekai yori يخدمه في بناء حتى أصغر تفاصيل العالم.

في النهاية أتمنى أني وفقت بشرح وجهة نظري إضافة لنقاط قوة العمل. بطبيعة الحال كان التركيز تماما على العالم والمجتمع وهذا اكثر من كافي فعالم Shinsekai yori غني جداً ولا يزال هنالك الكثير الذي من ممكن نقاشه. لكن سأكتفي هنا وقد أعود مستقبلاً للتكلم عن نقاط قوة أخرى للعمل كـ الموسيقى او نقاط ضعف كـ سوء الانتاج.

ترغب باستلام اشعار عندما ننشر مقالاً جديداً؟

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.