قررت إعادة صياغة مجموعة مقالاتي الأصليّة التي حملت عنوان “تفكيك الإيسيكاي” والتي عالجت فيها على طول ست مقالات كل ما أعرفه عن هذا التصنيف، وحاولت الوصول في خاتمتها إلى “البديهيّة” التي بدا لي حينها أن الكثيرين يتغاضون عنها؛ وهي أنّ التصنيف بذاته ليس سيئاً، بل طريقة استغلاله واستخدامه من طرف الكتاب وشركات النشر هي التي تجعل الكثير من أعماله تتسم بصفات متشابهة – وأهمها أنها “غير قابلة للاستهلاك البشريّ”.
أردت العودة إلى موضوع الإيسيكاي مجدداً، فلا يزال هناك نص أخير أرغب بكتابته، ولكن وجدت أن هذه السلسلة أولى ب”إعادة إنتاج” إن صح التعبير، كي أوضّح فيها بعض النقاط وأصلح تسلسلها وبعض أفكارها، وأتخلص فيها من الطول الزائد الذي يبعد الكثيرين من قراءتها. لذا، ودون المزيد من المقدمات، فلنبدأ بالحديث عن الإيسيكاي.
أولاً: ما هو الإيسيكاي
تصنيف الإيسيكاي أو الحياة في عالم موازي/آخر هو تصنيف للأعمال الفنيّة، خصوصاً المانغا والأنمي والروايات الخفيفة، اشتهر في السنوات الأخيرة، تصنيف الإيسيكاي هو تصنيف وهمي أو Pseudo Genre لا وجود له فعلياً في مواقع قواعد بيانات الأنمي ولا يتم تصنيف الأنميات تحته من طرف الناشرين والاستوديوهات الصانعة للأنمي. لذا اعتماد التصنيف لأنمي من هذا النوع تابع تماماً للمشاهدين، وهذا الجزء يصنع اختلافاً كبيراً على “ما يجب تصنيفه ضمن الإيسيكاي، وما لا يجب تصنيفه”. لذا من الجيد معرفة الصفات الرئيسية للأنميات من هذا النوع.
- انتقال الشخصية الرئيسية إلى عالم آخر، سواء كان هذا العالم خيالياً بالكامل كما في Re: zero أو إلى عالم وهمي كما في Sword Art Online أو إلى عالم مشابه للعالم الحقيقي كما في Zero No Tsukaima أو إلى عالم مجهول بالكامل كما في Isekai No Seikishi Monogatari.
- لا يقتصر هذا على انتقال الشخصية الرئيسية إلى عالم جديد، ربما يتضمن الأمر انتقال مجموعة من الشخصيات مثل أنمي OVERLORD أو ظهور بوابة لعالم موازي يمكن الذهاب والمجيء عبرها بحرية كما في أنمي GATE وقد يعتبر البعض الأنميات التي تتضمن شخصيات قادمة من عالم آخر مثل Re: Creators ضمن هذا التصنيف.
أشياء ليست إيسيكاي
- استسقاء العناصر من الألعاب الإلكترونية الجماعية، الMMORPGs. على الرغم من أن صفة “بناء عالم مشابه لعالم اللعبة” موجودة بكثرة في أنميات الايسيكاي مثل كونوسوبا، سورد أرت اونلاين، اوفر لورد، لوغ هورايزون، نو غيم نو لايف، وغيرها الكثير. إلا أنها بذاتها لا تجعل الأنمي يندرج تحت هذا التصنيف؛
مثلا أنمي Goblin Slayer الذي يوظف الكثير من عناصر ألعاب الفيديو في عالمه، لا يندرج تحت تصنيف الإيسيكاي لكونه لا يتضمن شخصية تنتقل من عالم لآخر. بينما يصنفه البعض بهذا التصنيف فقط بسبب وجود عناصر العاب الفيديو فيه كالGuilds وDungeons والParties.
- استخدام بنية الPower Fantasy في القصة، والتي تعمل على جعل شخصية رئيسية مبالغ جداً في قوتها، دون انتقال هذه الشخصية إلى عالم آخر، لا يجعل الأنمي من تصنيف الإيسيكاي، على الرغم من أنها صفة متكررة في أنميات الإيسيكاي إلا أنها ليست حكراً على التصنيف.
- استخدام بنية الهاريم والتركيز على الإيتشي والفان سيرفس لا يجعل الأنمي من تصنيف الإيسيكاي، ولو كانت هذه الصفة من الصفات المتكررة في أنميات الإيسيكاي.
- استخدام السحر، القوى الخارقة وغيرها من الأشياء الخيالية التي تأتي عادة مع باكج “قصص العوالم الموازية” لا يعني أن الأنمي من تصنيف الإيسيكاي، على الرغم من أنها صفة مكررة في هذا النوع من الأنميات.
ولكن بسبب وجود هذه العناصر بكثرة في الإيسيكاي ستجد الكثير من المتابعين يعتبرها “دليلاً” على كون الأنمي من هذا التصنيف، وهو أمر خاطئ.
تصنيف فرعيّ شائع
هناك نوعين من أنميات الإيسيكاي من ناحية التوجه:
النوع الأول يعتنق هذه الفكرة ويستغلها في بناء القصة ويجعلها جزءاً محورياً منها، كلوغ هورايزون مثلاً أو That Time I Got Reincarnated as a Slime حيث يعمل الكاتب على التوسع في العالم الجديد وعرض أجزاء ضخمة منه، ويقدم لمحة عن الشخصيات قبل دخولها لهذا العالم، ويربط شخصياتها قبل وبعد الدخول بطريقة سليمة.
النوع الثاني من الأنميات يستخدم فكرة “في عالم جديد” كأداة حبكة تسهل تقدم الأحداث التي يرغب بعرضها، بدلاً من التركيز على العالم الجديد واستكشافه، يركز الأنمي على الأحداث التي تحصل في هذا العالم وفي كثير من الأحيان يمكنك تجاهل حقيقة أنها تدور “في عالم آخر” تماماً ولن ينقص هذا شيئاً من تجربة المشاهدة. مثل أنمي Zero No Tsukaima الذي يحضر شخصية رئيسية من عالم آخر دون ذكر أي شيء مفيد عن ذاك العالم، وكان من الممكن استبدال هذه الجزئية من القصة بأي شيء آخر دون تأثير على الأحداث ككل -سوى في عدد محدود جداً من المشاهد-.
لا يمكنني الجزم بأن أحد الأسلوبين أفضل من الآخر، ولكل منهما استخدامه. ولكنّ القسم الأكثر إخلاصاً لمفهوم الإيسيكاي برأيي هو القسم الذي يتوسع على على العالم الجديد ويبنيه بالكامل.
نادراً ما يكون موضوع “الحياة في عالم آخر” هو الموضوع الرئيسي الذي يتطرق له أنمي الإيسيكاي، بل يكون عنصراً جانبياً لمحاولة سرد قصة أخرى، كالحياة اليومية للأبطال في العالم الجديد أو مغامراتهم أو علاقاتهم الرومانسية، هذا التنوع يعني أنك ستجد غالباً أحد أنميات الإيسيكاي القادرة على إثارة انتباهك، ولكنه يعني أيضاً أن أغلبها سيفشل في إيصال الفكرة التي يحاول إيصالها لسبب بسيط؛ موضوع “في عالم آخر” المستخدم في هذا الأنمي لن يكون سوى حجّة واهية للحصول على المزيد من الأحداث، ولن يكون مؤثراً في القصة كما يجب؛ أي أنه بإمكانك بكل بساطة تبديل العالم الجديد، وإبقاء الأحداث في العالم القديم، والحصول على نفس النتيجة في النهاية.
أيضاً من المهم أن نعرف أن الإيسيكاي في محوره تصنيف هروبيّ يوظف ال escapism لشد المتابعين بعيداً عن هموم حياتهم اليومية، أيضاً يحاول التصنيف إشباع رغبات وأمنيات المتابعين في كثير من الأحيان كنوع من ميديا ال wish fulfillment حيث يضع القارئ أو المشاهد نفسه مكان الشخصية الرئيسية، التي ربما تعاني من مشاكل حياتية مشابهة لتلك التي يعاني منها المشاهد، أو تمتلك أشياء يرغب هو بامتلاكها -كحياة عاطفية أو صديقات من الجنس الآخر-. وهذا يجعل الواقعيّة بعيدةً جداً عن التصنيف عادةً.
تاريخ الإيسيكاي
أفضل تلخيص لتاريخ الإيسيكاي موجود في هذا الفيديو:
أهمّ ما جاء في الفيديو برأيي هو أن التصنيف قديم جداً ولا يقتصر على الأنمي فحسب، فقد بدأ باكتساب الشهرة في الميديا العالمية مع رواية “أليس في بلاد العجائب” من الكاتبة لويس كارول، واستمر ليصل إلى الكثير من الأعمال الهوليودية المشهورة مثل “مغامرات نارنيا” وبعدها إلى عالم الأنمي عبر أنميات شهيرة في فترة التسعينات مثل “انيوشا” و”12 مملكة”.
حتى قبل وصول انفجار الإيسيكاي مع سورد أرت أونلاين، ظهرت العديد من الأنميات التي استغلت الايسيكاي وقدمت قصصاً مختلفة فيها شخصيات رئيسية مثيرة للاهتمام، وأخرى جاءت من “لايت نوفلز” مختلفة حتى قبل أن يصبح الاقتباس من اللايت نوفلز شائعاً، أي أن سورد أرت أونلاين ليس الأب، ولكنه الأب الروحي لهذا التصنيف والسبب؛
أنه كان بداية مرحلة الانتشار والشعبية للتصنيف بين المعجبين وشركات الانتاج في نفس الوقت؛ لا يعني هذا ان سورد أرت اونلاين كان أفضل هذه الأنميات، ولكنه كان الأشهر دون شك، وهو أيضاً من الأنميات التي وضعت الكثير من السمات التقليدية التي أصبحت شائعة في الأنميات الأخرى، كاستخدام عالم اللعبة، الهاريم، والشخصية المبالغ في قوتها.
لذا، يمكنك من الآن توقع ذكر اسم “سورد أرت أونلاين” والحديث عن الروايات الخفيفة “اللايت نوفلز” العديد من المرات في هذه السلسلة من المقالات لأنهما من قلب هذا التصنيف ويرتبطان بالعديد من مشاكله وصفاته وميزاته.
هناك الملايين من روايات الايسيكاي المنشورة في اليابان، على الانترنت، على الورق، على منصات النشر، وفي كل مكان تقريبا. لذا من المنطقيّ جداً تحويلها لأنميات بالنسبة لاستوديوهات الأنمي؛ لأن قاعدة المشاهدين والقراء موجودة سلفاً. ولأن المحتوى هائل ويشمل كل ما قد تفكّر به تقريباً.
ثانياً: ما هي الرواية الخفيفة، اللايت نوفل؟
المشكلة بخصوص تعريف الرواية الخفيفة تكمن في كونها أمراً ثقافياً محصوراً بشكل أو بآخر في اليابان، وعلى الرغم من وجود نمط مشابه في الأدب العربي معروف باسم روايات الجيب؛ كسلاسل القصص البوليسية مثلاً، لا يمكن القول أن روايات الجيب = الروايات الخفيفة بالمطلق.
ولكن بغضّ النظر عن التعريف، الروايات الخفيفة لا تقل جديّة عن الروايات العادية، هي فقط سهلة القراءة، موزعة على مجلدات، وفيها الكثير من الحوارات والحركة. وهناك العديد من النقاط المهمة هنا:
- لا يمكن التمييز بين الروايات الخفيفة والروايات الأدبية الخيالية (الروايات التي تجمع بين الأدب اللغويّ والخيال الجاذب للقراء) يمكن القول بشكل تقريبيّ أن كل رواية خفيفة هي رواية أدب خيالية، ولكن العكس غير صحيح.
- كون الرواية الخفيفة “خفيفة” لا يعني أنها لا تتضمن محاولات جدية للمس أفكار مهمة في أحداثها، ولا يعني أنها لا تتطلب “التفكير” من قارئها.
- كون الرواية “خفيفة” لا يعني أنها أقل مرتبة “في عالم الأدب” من الروايات العادية.
وبالاستناد إلى هذا، يمكنك فهم مصدر الصعوبة في التمييز بين الرواية الخفيفة والرواية العاديّة للشخص الناظر من خارج اليابان أحياناً، ولكن هناك قاعدة يمكن اتباعها للفصل بين الروايات والروايات الخفيفة في أغلب الأحيان: الروايات الخفيفة غالباً ما تكون مكتوبة بلغة سهلة وسلسة وغالباً ما تنشر على عدّة مجلدات، وغالباً ما تركز على الأحداث السريعة والحوارات الطويلة كأسلوب للسرد.
ما يجعل الاستوديوهات تتوجه نحو اللايت نوفلز كمصادر للأنمي؟
هناك العديد من المنصات اليابانية التي تتيح للكتاب نشر رواياتهم الخفيفة على الانترنت وتحويلها لاحقاً لنسخ مطبوعة في حال لاقت رواجاً ونجاحاً، هناك أيضاً عشرات الكتاب الهواة والمحترفين الذين يعملون مع دور نشر لإصدار روايات خفيفة دورية، إضافة لهذا، كون الروايات الخفيفة لا تتضمن سوى عدداً محدوداً من اللوحات الصوريّة فيها، مقارنة بالمانغا التي تحتاج مهارة في الرسم والكثير من العمل على هذا الجانب، هذا يسرّع عملية الإنتاج نظرياً، ولو لم تكن هذه الحالة صحيحة دائماً.
كل هذا يجعل الروايات الخفيفة خياراً شائعاً جداً للاستوديوهات وشركات إنتاج الأنمي عند التفكير بإنتاج أنمي موسميّ من 12 حلقة أو 24 حلقة؛ فهذه الروايات مكتوبة بطريقة تشدّ القارئ وتدفعه لمتابعة القراءة (من مجلد للآخر) وهي أيضاً ملائمة للتوزيع على عدد حلقات الأنمي، أي يمكن للاستوديو اقتباس فصل أو فصلين في الأنمي، وانتظار نجاحه أو فشله لاقتباس الفصول الأخرى.
يتيح هذا للاستوديو دفع الانمي للاستمرار لمواسم عديدة، كون الروايات الخفيفة نادراً ما تكون منتهية في عدد قليل من المجلدات، أو منتهية بالأصل.
اقرأ أيضاً: ريكي كاواهارا وكيف تنجح القصص السيئة في الوصول للشاشة
الروايات الخفيفة كمصادر لأنميات الايسيكاي
لا يمكن لأي رجل عاقل أن يقول أن كتابة رواية “او رواية خفيفة في هذه الحالة” أمر سهل على الإطلاق، بالأخص عندما نتكلم عن صناعة تمتلك منافسة شرسة داخلها وبين كتّاب خبراء وأغنياء وموهوبين، ولكن، يمكن القول حتماً أن الكثير من الكتّاب يحاولون الاعتماد على الايسيكاي كطريقة لتسهيل كتابة رواياتهم.
في الفيديو السابق، يذكر Gigguk أن أحد المنصات المخصصة لنشر الروايات الخفيفة على الانترنت أصبحت تستثني كل روايات الإيسيكاي من جوائزها ومنافساتها، بسبب الكمية الهائلة لهذه الروايات الصادرة كل يوم. هذا العدد الهائل لروايات الإيسيكاي الموجودة، يجعل احتمال اقتباس رواية خفيفة مبنية على تصنيف الإيسيكاي أكبر بكثير من احتمال اقتباس رواية خفيفة من تصنيف آخر، وينعكس هذا على عدد انميات الايسيكاي المبنية على رواية خفيفة مقارنة بالانميات الاصلية او المبنية على المانغا او المبنية على رواية خفيفة لا علاقة لها بالايسيكاي في كل موسم جديد.
بالطبع، هذا لا يعني أن كل الأنميات المقتبسة من روايات خفيفة تدور حول الحياة في عالم جديد، على العكس، الكثير من الأنميات المشهورة والمبنية على روايات خفيفة لا تدور حول هذا إطلاقاً، سلسلة المونوغاتاري مثلاً مبنية على روايات خفيفة، أيضاً أحد أفضل الأنميات المدرسية؛ ياهاري، مبني على رواية خفيفة، وهذا يؤكد أيضاً أن استغلال الروايات الخفيفة في صناعة الأنمي ليس أمراً سيئاً بالمطلق.
تأثير الروايات الخفيفة
كي أكون واضحاً من البداية، تأثير الروايات الخفيفة لا يقتصر فقط على الإيسيكاي، بل هو موجود تقريباً في كل الأعمال المبنية على الروايات الخفيفة، ولكن كوننا نتحدث عن الايسيكاي تحديداً هنا سأذكر علاقتها بالتصنيف فقط، دون الحديث بتفصيل عن التصنيفات الأخرى.
المشاهد السرديّة
يمكن القول أن المشاهد السرديّة المطولة أو الExposition من أجزاء الروايات الأساسية بشكل عام، سواء كنّا نتحدث عن الأدب الإنكليزيّ القديم أو الحديث، الأدب العربيّ، أو الأدب اليابانيّ. من المستحيل تقريبا كتابة رواية دون الاستعانة بمقاطع سرديّة مطولة تشرح للقارئ ما يجري في عالم القصة؛ كون الروايات لا تتضمن عنصراً مرئياً كثيفاً كالأنمي أو المانغا، الكاتب مضطر لتعويض هذا الجانب بالكلمات.
لذا من السليم القول أن المقاطع السرديّة جزء من صلب الروايات الخفيفة، ولكن من المهم جداً الانتباه لسبب استخدام هذا الجزء عندما نرغب بتحويل هذه الرواية إلى أنمي، واستبداله بطريقة عرض أفضل ملائمة للانمي. كتحويل المشاهد الحوارية السردية الطويلة إلى مشاهد حركية تعرض للمشاهد المعلومات بدلاً من قولها له كبرنامج إذاعيّ.
المشكلة أن الكثير من الأنميات المبنية على الروايات الخفيفة، تحاول أن تكون “مخلصة” للعمل الأصلي، وتحافظ على هذه الجزئية دون استبدالها بأمر أكثر ملائمة أو تطويعها في الأنمي بالشكل الصحيح.
تطرّق ماهر لموضوع الاقتباس في الأنمي بشكل مفصّل، وأنصح بقراءة مقاله حول هذا.
يمكن تفسير الإبقاء على المشاهد السرديّة مع التحريك المحدود بأن الطريقة هذه في السرد توفّر على الاستوديو الكثير من المال المنفق على تحريك الشخصيات أو عرض مشاهد جيدة، ولكن في أنميات ضخمة ومشهورة لا يمكن تفسير الأمر سوى على أنه “خطأ” في الانتاج و”سوء” في الجودة.
من الأنميات المبنية على الروايات الخفيفة والتي تعاملت مع هذا النوع من المشاهد بالطريقة الصحيحة كانت سلسلة المونوغاتاري، حيث أبقت انتباه المشاهد مشدوداً من خلال تحريك كل المشاهد الحوارية وابقاء العرض مثيراً وممتعاً بصرياً بالقليل من الجهد الفنّي.
من أنميات الإيسيكاي التي تعاملت مع هذا بشكل صحيح أنمي نو غيم نو لايف، الذي أبقى السرد بحد ذاته ممتعاً وجعل للجانب البصريّ تأثيراً مهماً على الحديث سواء من تعابير الشخصيات أو حركاتها.
الجزء المثير للجدل بخصوص اللقطات السرديّة الطويلة هو أن ظهورها في الأنمي -والإيسيكاي تحديداً- لم يكن بهذا السوء قبل دخول الروايات الخفيفة بقوة كمصادر للأنمي، أجل، كانت المشاهد السرديّة جزءاً من الأنمي حتى عندما كانت المانغا هي المصدر المسيطر، وأجل، هناك الكثير من الأنميات الأصلية غير المقتبسة تقدم مشاهد سردية طويلة ومملة وبطريقة سيئة، ولكن قبل الروايات الخفيفة لم يكن هذا النوع من المشاهد “معتاداً” و”طبيعيّاً” في الأنمي.
في الإيسيكاي، تأثير هذا النوع من اللقطات أكبر من وجودها في الأنميات المدرسية على سبيل المثال، لأن التصنيف يعمل على شد المشاهد أصلاً من خلال العالم المثير للاهتمام والأحداث التي تحصل فيه، وليس في النقاشات المطوّلة وسرد الحبكة المفصّل دون أي عرض فعليّ لما يجري.
لو كان الهدف من الأنمي هو “السرد” على خلفيات ثابتة، لكان بقاؤه على الورق أفضل للمتابع، ولربما كان الاستماع له ككتاب صوتيّ أقل جهداً.
السردية تسلب العالم الجديد من “خياليّته”، وتحرم الأنمي من العنصر البصريّ، والذي يمكن القول أنه أهم العناصر في الأنمي.
اقرأ أيضاً: أهميّة العوامل البصرية في الأنمي
التسارع المضطرب
تعتمد الروايات الخفيفة على حجم الفصل (الكتاب) الكبير للدخول في تفاصيل العالم وعرض الكثير من الأشياء التي لا تؤثر بالقصة بشكل مباشر، ولكنها من مطالب القرّاء، وهذا أمر من صلب الروايات أصلاً ولا علاقة له بجودة القصة أو سوءها. وأيضاً كما المشاهد السرديّة، التسارع البطيء أيضاً من الأشياء التي يلتزم بها صنّاع الأنمي للبقاء “مخلصين” للقصة الأصلية.
قد تكون هذه التفاصيل مشاهد قليلة لا تتجاوز الخمس دقائق في الحلقة، أو ربما حلقة في الأنمي كاملاً، أو ربما تكون موسماً كاملاً في أنمي متعدد المواسم. وفي جميع الأحوال يمكن القول أن التوزيع الخاطئ للأحداث وإبطاء تسارع القصة لتماثل سرعة الأحداث في الرواية أمر خاطئ، لأن لكل من نوعي الميديا -الأنمي والروايات الخفيفة- طريقته الخاصة بالعرض والسرد، ولا يجب الالتزام بقواعد إحداهما عند إنتاج محتوى من الأخرى.
يمكن تفسير هذه المشكلة أيضاً بأنها أكثر توفيراً على الاستوديوهات، ولكنّها ليست الحالة دائماً.
فكرة العالم الجديد وما يجري فيه من أصل التصنيف، بينما المشاهد السرديّة ذات الإنتاج الضعيف والتسارع المتخبّط للقصة قادمان من الروايات الخفيفة وطريقة بناء هذه الروايات. أيضاً للاستوديوهات دور من ناحية اعتماد هذه المشاهد لتخفيض التكاليف أو كخطأ إنتاجيّ وعدم فهم للميديا. وعلى الرغم من أنها ليست مقتصرة على الإيسيكاي، ولا على الأنميات المبنية على الروايات الخفيفة، إلا أنها من الأسباب الهامة التي دفعتها للانتشار والشيوع.
ثالثاً: جنّة الإيسيكاي
هناك ثلاث عناصر رئيسية تجعل الإيسيكاي برأيي جنّة للكتاب وصنّاع الأنمي، وهي باختصار:
- العالم الجديد الذي ينتقل إليه الشخصية الرئيسية الذي يفترض من الكاتب توظيفه بالطريقة المثلى، وتحويله إلى عنصر مؤثر في الأنمي.
- التفاعل مع أي تصنيف آخر بسهولة، ما يسمح بالتوسع في بناء العالم وتشكيل الشخصيات وبتخطي الحدود الواقعية.
- التسهيلات التي يمكن للكاتب الاعتماد عليها عند اعتماد الايسيكاي كمحور للقصة.
ولنتوسع بهذا قليلاً؛
العالم الجديد:
على الرغم من وجود بعض الأنميات التي تستخدم الإيسيكاي كحجة فقط لتوظيف الهاريم أو الفان سيرفس، أو حتى للتخلص من عبئ جزء كبير من الكتابة -وهو ما سأعود له لاحقاً- وعلى الرغم من أن هذا النمط من الأنميات يمتلك شهرة لا بأس بها بين المتابعين، إلا أن أكبر إمكانيات الإيسيكاي تكمن في بناء العالم.
العالم الساحر الجديد والغريب وتفاعله مع شخصية البطلة في قصة “أليس في بلاد العجائب” هو ما جعلها كلاسيكية تنجح في اختبار الزمن، وتبقى في عقول المتابعين حتى بعد سنوات من صدورها. يتيح الإيسيكاي للكاتب في كل قصة أن يعيد هذا الشعور للقارئ أو المشاهد، أن يدخله في أجواء من الاستغراب والاهتمام، وان يعرض عليه في نفس الوقت الشخصيات التي بدورها تتفاعل مع هذا العالم الغريب وتستكشفه.
لوغ هورايزون على سبيل المثال يستغل العالم لأقصى درجة في عرض الأفكار وإشعار المشاهد بالغرابة والاهتمام، وشدّه ليفهم المزيد عن هذا العالم بنفس الوقت الذي يستكشفه فيه الأبطال.
حتى عند بناء العالم بطريقة خاطئة، وتحويل هذا الجزء من الأنمي إلى كتلة غير مترابطة من الأحداث والقفزات الزمنية والمكانية المبعثرة التي لا تمكن المشاهد من تخيل العالم بالطريقة الصحيحة، يبقى الأنمي قابلاً للمشاهدة لدى الكثير من المتابعين بسبب “الفكرة” التي يتمحور حولها -وهذا دليل على قوّة هذا العنصر- كإعجاب الكثير من مشاهدي الأنمي بسورد أرت أونلاين في جزءه الأول لعرضه العالم المختلف داخل اللعبة، او أوفرلورد لتقديمه قصصاً مختلفة ضمن العالم الجديد الذي زاره آينز.
لا يعني هذا أن سورد أرت أو أوفرلود قاما بعمل جيد في بناء العالم، ولكن مجرد وجود أساس مثير للاهتمام كاف لبعض المتابعين للاستثمار في مشاهدة العمل، والاهتمام به.
التسهيلات التي يمكن للكاتب الاعتماد عليها:
بشكل عام، لا يوجد حدود ما يمكن للكاتب ابتكاره في أي تصنيف كان، وليس من المنطقي القول أن تصنيف معين يمتلك فرصاً أكبر من تلك التي يقدمها أي تصنيف آخر. ولكن؛
يمكن للكاتب نقل شخصياته وبناؤها بطريقة أسهل، وإظهار الاختلاف الذي حصل لها قبل ما جرى في العالم الجديد وبعد الأحداث التي حصلت فيه، وهذا دون التخلي عن الجزء الجاذب للجزء الكبير من المتابعين والذي يمكنهم من عكس ذواتهم على الشخصيات الرئيسية، يمكن الحديث عن ماضي الشخصية المحزن وفي نفس الوقت إظهار التقدم الذي أحرزته للتخلص من هذا الماضي، مع إبقائها كشخصية “رائعة” يمكن للمتابع الاعتيادي عكس ذاته عليها.
عدى هذا، العالم الجديد يسمح للمنتجين أيضاً بالتصرف بأريحية كبيرة في تصاميم الشخصيات والإبداع في رسم الخلفيات، القتالات الجنونيّة المبهرة أيضاً أسهل تطبيقاً في عالم قوانينه مختلفة تماماً عن العالم الواقعيّ. كل هذا دون أن يبدو الأنمي “سخيفاً” و”مبالغاً فيه”.
رابعاً: جحيم الإيسيكاي
مجدداً قبل البداية، ما سأذكره هنا لا يقتصر على الإيسيكاي ولكن بشكل أو بآخر أشهرت أعمال الإيسيكاي هذه التوجهات الكتابية وجعلتها أكثر شيوعاً، وأعتقد أنه من العادل ذكرها عند الحديث عن التصنيف – هذه التوجهات ليست سيئة بالمطلق بل يمكن استخدامها بطريقة صحيحة، وسأذكر أمثلة على هذا عندما يحين الوقت.
الإيسيكاي وخيال القوّة Power Fantasy
الpower fantasy، هو نمط كتابيّ يتمحور حول شخصية رئيسية مبالغ في قوتها يمكن للمشاهد التناغم معها وتخيل نفسه مكانها. هذا النوع من الانميات غير مقتصر على الايسيكاي ولا علاقة له بالروايات الخفيفة، وهو موجود في كل تصنيفات الانمي تقريباً (أكامي غا كيل – غيلتي كراون مثلاً خارج الايسيكاي).
في الايسيكاي، رؤية شخصية مبالغ في قوتها، سواء كانت هذه القوة هي الذكاء الخارق أو المهارة أو الخلود أمر معتاد جداً. وهذا لا يعني شيئاً سيئاً بالمطلق. الكثير من الأنميات الجيدة تحتفظ بعنصر خيال القوة وتبني عليه دون أي مشكلة. المشكلة تكمن في طريقة الاستخدام الشائعة:
المثال الأسوأ لخيال القوة، With my smartphone in a new world يحصل البطل على قوّته الخارقة دون أي “كفاح” ويعاني الأنمي على مدى الحلقات لتقديم تحدٍ كافٍ للبطل يجعل الأحداث مثيرة للاهتمام، وعلى عكس وان بانش مان مثلاً، الشخصية الرئيسية هنا أحاديّة البعد ولا تمتلك ارتباطاً بالقصة أو الاحداث، البرود القادم من الشخصية يقتل الانمي فقط بهدف تحويله إلى خيال قوّة صرف.
كيريتو على مدى سورد ارت اونلاين كاملاً لم يكن “شخصية” ذات تفاصيل تجعلنا نحبه، ولكنه كان شخصية يمكن لنا عكس صورتنا عليها بسهولة. كل ما نعرفه عن كيريتو انه رائع وقوي والفتيات تحبه. كيريتو ذكيّ -إن كان لهذه الكلمة معنى في ذاك الانمي- كيريتو رائع وقوته خارقة. الصفة الأصح لكيريتو هو أنه موجود وغير موجود في نفس الوقت. لا يمتلك كيريتو شخصية مميزة تفصله عن أي شخصية أخرى مبالغ في قوتها، لا يوجد Quirk للشخصية تجعلها بارزة وقابلة للتذكر، ولكن في نفس الوقت هذا الفراغ والجهل بالتفاصيل لدى المشاهد يجعل سهولة عكس شخصيته على كيريتو وتخيل نفسه في مكانه أسهل.
وفي المقابل، استخدام خيال القوة بالشكل الصحيح يسمح بامتلاك الشخصية صفات تتعدى كونها رائعة، ولا يجعلها مرآة لعكس المشاهد نفسه عليها، بل مثالاً يمكن أن يراه ويتعلّم منه، على سبيل المثال؛ شيروي الشخصية الرئيسيةفي لوغ هورايزون وصل للمرتبة الأعلى في اللعبة سابقاً (قبل زيادة عدد المراتب) وهو من أشهر اللاعبين الاستراتيجيين فيها، بكل معايير الانمي شيروي هو شخصية رئيسية مبالغ في قوتها ومن المفترض للمشاهد أن يعكس ذاته عليها ويستمتع بقوتها طوال الانمي. ولكن، ما يختلف به شيروي بسيط:
- الفرق الأول ان قواعد القوة في العالم موجودة بشكل واضح، على عكس سورد ارت الذي يضع تعاريف مبهمة جداً للقوة في العالم، وبهذا يمكن لنا مقارنة شيروي بغيره بشكل دقيق ومعرفة إن كان فعلاً خارق القوة أم لا.
- الفرق الثاني أن شيروي يمتلك صفات أخرى غير القوّة. شيروي شخص مخلص في عمله، نعلم أنه تعرض للاستغلال من اصدقائه في الماضي، وانه لم يكن شعبياً في العالم الواقعي، نعلم أنه انسانيّ ويهتم لحقوق اصدقائه وقاطني العالم الجديد، نعلم أنه يتصرف كشخص راشد في أغلب الأوقات. شخصية شيروي مرسخّة لدى المشاهد كأي شخصية أخرى في الأنمي، ليست عبارة عن “شخصية قوية جداً” مرمية في عالم اللعبة وليست “شخصيّة خيّرة” بالمعنى التقليديّ.
- الفرق الثالث أن شيروي ليس “الأقوى” في العالم، وأن العالم لا يعتمد على القوى فحسب. المجال الذي يتميز به شيروي هو التخطيط الاستراتيجي، وفي كثير من الاحيان يفشل هذا، ويحتاج لمساعدة أشخاص أقوياء في مجالات أخرى… هذا تحديداً ما يجعل القوة مثيرة للاهتمام. شيروي قادر على الفشل، هناك صعاب يمكن أن تواجهه، ومن الممتع مشاهدة شخصية قادرة على تخطي هذه الصعاب.
تصميم الشخصيات
لتصميم الشخصيات دور كبير في الأنمي بشكل عام، ولكن في السنوات الأخيرة ظهر أسلوب لتصميم الشخصيات يمكننا تسميته تجاوزاً “اسلوب A1-Studios” وبدأ ينتشر كالنار في الهشيم بين الأنميات الجديدة.
في الحقيقة، المشكلة ليست في أنميات الايسيكاي تحديداً، فلا يمكننا القول أن التصاميم “السريعة” للوجوه كما في تصميم كيريتو هي مشكلة من مشاكل الايسيكاي، ولا يمكن القول أيضاً أنها من مشاكل الروايات الخفيفة التي يقتبس منها العمل. في كثير من الأحيان تصميم الشخصيات في الروايات الخفيفة يكون مذهلاً بسبب انخفاض عدد اللوحات واهتمام الكتاب بالغلاف واللوحات الموجودة فيه بشكل كبير كونها جزء رئيسي من مصادر البيع.
المشكلة قادمة من الضخ الهائل للأنميات في الموسم الواحد، الأمر الذي يدفع الاستوديوهات إلى استخدام طرائق تخفيض للجهد والوقت والميزانية، ولو كان ذاك على حساب الإبداع في الانمي. لن أدخل كثيراً في تفاصيل هذا كونه موضوعاً متشعباً، ولكن سأدخل في تفاصيل وجوده في الإيسيكاي.
في الفقرة السابقة ذكرت أن الشخصيات القوية في الايسيكاي تعاني احيانا من برود أو فراغ في الشخصية، ومن الأجزاء الرئيسية التي تؤثر في هذا هو التصميم المختار للشخصية. إن كان تصميم الشخصية قادراً على تقديم تعبيرات بلهاء، ضحكة مميزة، تعابير غضب مميزة، وكان شكلها مميزاً بما فيه الكفاية لتكون قادراً على التمييز بينها وبين الشخصيات الأخرى من اعمال أخرى، يمكنك تذكّر هذه الشخصية وفهمها أكثر من تلك المرسومة بسرعة.
المشكلة في التصميم الStandard للشخصيات الرخيصة حالياً أنه قادر على تقديم مجموعة محددة من المشاعر فحسب، لا يمكن للشخصية الخروج عن القالب المجهز مسبقاً المستخدم في تصميمها، وهذا يجعل امكانية إيصال الفكرة أصعب بكثير.
لفهم هذا يمكنك مشاهدة هذا الفيديو عن تفاصيل تعابير الشخصيات في أحد أكثر الأنميات تميزاً في هذا برأيي، K-ON! والذي يفصل الفرق بين المانغا والانمي بشكل مذهل جداً.
دون امكانية تمييز الشخصيات عن غيرها بطريقة واضحة ودون قدرة هذه الشخصيات على التعبير عن ذاتها بطريقة واضحة، تفقد أعمال الايسيكاي المتمحورة أصلاً حول الشخصية الرئيسية المنتقلة للعالم الآخر جزءاً هائلاً منها، ويجعل هذا لدى المتابع توقعاً مسبقاً لما سيكون عليه الانمي حتى قبل مشاهدته.
الهاريم والفانسيرفس والايتشي
بداية، الهاريم كتعريف شائع هو وجود مجموعة من الفتيات في الأنمي اللواتي يرغبن في الدخول بعلاقة مع الشخصية الرئيسية، أو يشعرن بعاطفة محددة نحوه، سواء كانت هذه العاطفة إعجاباً أو حباً أو أخوّة أو انجذاباً جنسياً. هذا النوع من بنية القصة موجود من أساسه كتحقيق أمنية Wish fulfillment في الأنمي، للمشاهد العاديّ الذي لا يمكن أن يحصل على أمر مشابه في الحياة الواقعيّة.
الفان سيرفس، في الجانب الآخر، لا يستلزم بالضرورة جانب تحقيق الأمنية للمتابع، بل يلعب بشكل أو بآخر على الجانب الجاذب للمتابعين خارج سياق القصة، ليقدم للمشاهدين مثلاً صوراً لشخصيتهم المفضلة في ملابس السباحة، أو دون ملابس إطلاقاً أو يقدم مشاهد قتالية لا داعي لها، أو يرفع مستوى الدموية في الأنمي دون مبرر. ولو أنه “يشابه” مفهوم تحقيق الامنيات، إلا انه لا يعتمد على وضع المشاهد في مكان الشخصية الرئيسية، بل يلبي رغبته بشكل مباشر.
الهاريم والفانسيرفس ليسا أمرين متماثلين، وليس من الضروري تواجدهما في نفس المكان. وكلا الأمرين ليسا مرتبطين بالايسيكاي كتصنيف، ولا علاقة للروايات الخفيفة بهما على الإطلاق، وهما موجودين منذ وجود الأنمي بذاته. ولا علاقة للهاريم أو الفان سيرفس بجودة الأنمي أو سوءه بأي شكل من الأشكال. من الضروريّ أيضاً الفهم أن الهاريم ليس فقط “إضافة” و”زينة” للأنمي فحسب، بل هو تصنيف كامل يمكن أن يركز عليه الأنمي من البداية، ولهذا النوع من الأنميات مجموعة ضخمة من المحبين والمتابعين.
بعد توفير بيئة سهلة لتقديم عناصر الهاريم المتطرفة دون الحاجة للقلق بشأن الحبكة، أصبح توجه الكتاب نحو دفع الهاريم في أي قصة إيسيكاي أكبر بكثير، ويقدم فوائد -متوقعة- أكثر بكثير من تلك التي سيقدمها التخلي عن هذا العنصر. استخدام الهاريم في قصص الايسيكاي يسهل جمع الكثير من الشخصيات أمام الشاشة بشكل متساوٍ، والتطرق لكل منها، وعرض اتساع العالم، وأيضاً عرض صفات الشخصيات النمطية، كل هذا في اطار جاذب للمتابع.
بينما التخلي عن الهاريم سيجعل من عمل الكاتب أمراً أكثر صعوبة لوضع الشخصيات في المقدمة وبناء حبكات مثيرة تجمع الشخصيات مع بعضها بدلاً من “انهن واقعات في حبه ولا يمكنهن الابتعاد عنه”… لا يمكننا مثلاً مقارنة الهاريم الموجود في سورد ارت اونلاين والذي يدفع مجموعة محبات الشخصية الرئيسية للشاشة معاً بهذه الحجة، بأنمي لوغ هورايزون، الذي يتضمن أصلاً عناصر نسائية حول الشخصية الرئيسية، ولكنه لا يدفع لوضعها في الواجهة بنفس اللحظة ولا يجعلها تلاحق الشخصية الرئيسية دون سبب مقنع.
المثير أن لوغ هورايزون يسخر أصلاً من هذا النوع من الشخصيات الرئيسية، بوضع أحد الشخصيات الجانبية بلباس ذاك الشاب اللطيف الذي تحوم حوله الفتيات، وتسليمه دوراً جانبياً. تاركاً الدور الرئيسيّ للشخصية الطبيعية.
ما أحاول الوصول إليه؟
الحديث عن الايسيكاي كتصنيف قد لا يبدو صائبا بأي حال، ليس من الصائب تقييم “تصنيف” كامل بكل ما فيه، بناء على معطيات وصور نمطية مسبقة من بعض أو حتى أغلبية الأنميات الموجودة فيه. المقال هذا ليس موجوداً لتقييم أو مراجعة هذا التصنيف أصلاً. الهدف هنا هو توضيح الربط الخاطئ بينه وبين بعض الممارسات السيئة في الصناعة، وابراز بعض الميزات التي يتيحها هذا النوع من القصص للمتابعين.
في النهاية، من الطبيعي لشخص أن يفضل مجموعة من الأنميات على أخرى، او أن يتجنب تصنيفاً كاملاً لعدم انجذابه له، ولكن من الضروري أيضاً معرفة التفاصيل خلف هذا الحكم، وبناء الرأي بعد معرفة الصورة الكاملة. وليس من خلال الصورة النمطية المنتشرة، ولو كانت هي الشائعة.
والله مادري وش اقول… موضوع مثير للاهتمام وطرح ممتاز وكل شيء ممتاز فممتاز يرجال اعطيك علامة الجودة ?
[…] ماذا تنتظر حين تقرِّرُ صباحًا -بعد أن تتناولَ إفطارَك وتحتسي شايك- أن تشاهد أنمي آيسيكاي؟ من المؤكد أنك تعرف أن لهذه النوعية من الأعمال غالبًا نمطًا ما، مع أنني ضد تنميط هذا الصنف لأن الوسط الفنّي المتمثل في الانتقال لعالم آخر على كلّ حال لا يعطي تفاصيل كثيرة عن الأعمال لذلك حتى كونه “صِنفًا” لا يحمل دلالةً كبيرة، لكن ثمة عناصر مشتركة عادةً بين هذه الأعمال، إما متقنة وإما سيئة (للمزيد انظر: هادي الأحمد، تفكيك الآيسيكاي). […]